الإمام علي عليه السلام الشخصية العابرة للطوائف والمذاهب والأديان، والقدوة المثلى للبشرية خُلُقا وثورة ودولة
كتب / محمد عبدالسلام
غدير خم – مكان يقع بين مكة والمدينة- شهد في السنة العاشرة للهجرة تحديدا في الثامن عشر من شهر ذي الحجة- حدثا استثنائيا في تاريخ الإسلام، وذلك حين استوقفَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم مَن معه من المسلمين يفوق عددهم حسبما ترويه كتب السير عن مائة ألف مسلم، قضوا مع رسول الله حجة الوداع، وفي طريق العودة إلى المدينة المنورة وقفَ صلى الله عليه وآله وسلم فيهم خطيبا يبلغهم أمرًا لم يسمعوا مثله من قبل، وكان ذلك البلاغ هو إشهار ولاية الإمام علي عليه السلام على الملأ وعلى الأمة قاطبة، لا لنسبه وحسبه، وإنما امتثالا لقوله تعالى:
﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ﴾ وقد اختصه الله بمكانة نالها بفضل جهاده في سبيل الله وإخلاصه مع نبيه ، و ﴿ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.﴾
وفي كتب السير أنه وبعد أن حمد الله وأثنى عليه.. قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أيها الناسُ، ألستُ أولى بكم من أنفسكم، قالوا بلى يا رسول الله، فأخذ بيد علي عليه السلام وقال: اللهم من كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.)
ثم قام المسلمون وفيهم كبار الصحابة بتهنئة أمير المؤمنين علي عليه السلام بما اختصه الله من مكانة مرموقة ومسؤولية جسيمة وخطيرة، قائلين: (بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، لقد أصبحت مولى كل مسلم ومسلمة.)
والحديث متواتر بما لا يرقى إليه الشك إطلاقا، والواقعة معروفة مشهورة لا يختلف في وقوعها اثنان، وما شهده التاريخ من خلاف إنما يقتصر على دلالة ما حصل. هل هو مجرد تكريم للتكريم، أم أن ثمة شأنا عظيما يترتب عليه مصير أمة.
مع الأخذ بعين الاعتبار دور السلطات – التي توالت على أمر الأمة- في بث الفرقة وتوجيه الرأي العام وفقا لهواها، وهو ما جلب الكوارث والمحن التي تعاظمت على نحو صار الحديث عن إنسان حاز الأفضلية والأسبقية والأقدمية في كل شأن من شؤون الحياة كالإمام علي بن أبي طالب بدعةً وخرافة، بينما التبجحُ بصفات الطغاة والمجرمين والمستبدين واللصوص والمستعمرين سياسةً وحضارةً وتقدما وحداثة!
ومن يجهل أو يتجاهل “حديث الولاية” وواقعة غدير خم، أو يصر على تجاهلها فذلك شأنه، كما هو الحال مع من يعطي القضيةَ حقها ويسعى إلى إعلاء شأنها فهو إنما يُعلي شأنا فيه أمر إلهي نزل على رسوله، ونحن أمةُ إسلام تستمد وجودَها الحضاري من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
..ذلك فيما يتعلق بالخلفية الدينية والتاريخية لحديث الولاية، ويوم الولاية.
في الوقت الحاضر، نحن في اليمن -ومنذ زمن بعيد- نقيم الاحتفال بيوم الولاية (والتسمية باعتبار الحدث) أو عيد الغدير (والتسمية باعتبار مكان الحدث) ، وليس وليدَ اللحظة أو ابتداعا ناجما عن المتغيرات الأخيرة التي شهدتها البلاد.
علاقة اليمنيين بالإمام علي عليه السلام وثيقة وتاريخية، وله فيهم إشادات وشهادات تدل على علو شأنهم ومكانتهم، وقال فيهم قوله المشهور:
ولو كنت بوابا على باب جنة….لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
وذلك بعضُ ما حفظه التاريخ للإمام علي عليه السلام في مناقب اليمنيين، بعد وسام قلده إياهم رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال فيهم: الإيمان يمان والحكمة يمانية.
وقد تجذرت تلك العلاقة منذ أن وفد إليهم مبعوثا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واجتمع بالقبائل والأقيال في صنعاء القديمة، وإليه يعود بناء الجامع الكبير ويضم صخرتين تسمى “بالمسمورة والمنقورة” يروى أنهما الأساس الأول للجامع، وفي جنباته تقع مكتبة تاريخية تضم مصحفا بخط الإمام علي عليه السلام، سبق وأن قامت الرئاسة اليمنية إبان سلطة ما قبل 2011م بتقديم(نسخة مصورة) كهدية للسيد علي الخامنئي خلال زيارة إيران.
…..
في هذه المرحلة، ونظرا للتطورات السياسية في البلاد والمنطقة، وإذ لم تستطع قوى العدوان أن تحقق أي انتصار، فهي تعمد إلى الغمز واللمز في ثقافة اليمنيين، وحريٌّ بتلك القوى أن تدرك أنها لولا أنها محميات أمريكية تستظل بالظل الأمريكي وتحتمي به لما تمكنت من الاستمرار على عروش متهالكة لم يعد لها من الإسلام إلا اسمه، بينما واقعها استبداد وإجرام وظلم وطغيان وتبعية للأجنبي المستعمر.
ونحن في اليمن شعب له حضارته وثقافته التي تؤهله لمواكبة التطور في الفكر السياسي جمهوريا وشعبيا بما يضمن كرامة وحرية الإنسان، وسيادة الدولة، واستقلال واستقرار وازدهار البلد.
وشعبنا اليمني لا يقبل أن يكون ملحقا لأحد، أو حديقة خلفية لأحد.
وقضية هيمنة الدول الكبرى على سلب الإرادة والقيادة لمصالحها لا تزال في مختلف البلاد العربية والإسلامية موضع صراع إلا ما نَدَر .
واليمنُ ليس استثناءً، بل إن معركة اليمن في هذه المرحلة هي معركة مصير وكرامة وسيادة وتحرر أكثر منها معركة حكم أو سلطة.
ولعل اليمن في فكره السياسي أنضج بمراحل مما حوله من ممالك خليجية تتحكم بها عائلة يتلاعب بها الأجنبي المستعمر بريمونت كنترول.
لقد قطع الشعب اليمني شوطا كبيرا في حرية الفرد، وصار له صوته العالي في مواجهة أي سلطة لا يراها تمثله ولا تنتمي إليه، والفضل يعود إلى تلك التضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب اليمني في مواجهة الاستبداد والتسلط أياً يكن شكله وصورته جمهوريا أو فرديا فما يريده الشعب هو الجوهر والمضمون لا الشكل والعنوان وفي طليعتهم الشهيد القائد وكوكبة من العلماء والدكاترة والأكاديميون وعدد كبير من الأحرار والشرفاء من أبناء الشعب اليمني لم يبخلوا بمهجهم ونالوا الشهادة في سبيل إعلاء كلمة الحق وعزة اليمن ورفعته، وما ذلك إلا لأن الأمر أكبر من مجرد سلطة لا تتطلب كل هذه التضحيات الجسيمة، بل من الغباء والحماقة فينا لو اعتبرنا أن دماء شهدائنا هو لمجرد سلطة.
إن القضية قضية مبدأ يتصل بأمر الأمة المنوط بها أن تكون خير الأمم وأقواها وأعزها وأكرمها.
وإذ يتطلع الشعب اليمني إلى ترسيخ قيم الكرامة والسيادة والاستقلال غادره أعراب الجزيرة العربية ومن خلفهم قوى الاستعمار طمعا في إعادته إلى بيت الطاعة، وهو ما لا يكون.
وإذ تمر البلاد بمرحلة ثورية تحررية، وتعيش تعددية حزبية، وتؤمن بالجمهورية، جمهورية الناس، لا جمهورية السفارات، ولا مَلَكية القصور والصفقات وحياكة المؤامرات، فأي سيادة ودولة وقيادة تنتظر اليمنيين – في حال لا سمح الله – تمكنت قوى العدوان من فرض هيمنتها على اليمن!؟
وحتى لا يكون ذلك وهو المستحيل بعينه؛ امتشق الشعب اليمني من غِمد ثقافته وتاريخه “سيفَ الولاية” ولاية الإمام علي عليه السلام الذي يمثل في الوجدان الشعبي آخر حصن يتحصن به لدرء الخطر الماثل في العدوان والحصار وغير ذلك من المخاطر المعاصرة التي تهدد الشعوب بالانقراض إذا هي لم تتمسك بثقافتها الاسلامية وتحافظ على كينونتها الحضارية والتاريخية وشخصيتها المستقلة.