العدوان يصعّد الحرب الاقتصادية: إجراءات انتقامية لقطع آخر موارد اليمنيين
العدوان يصعّد الحرب الاقتصادية: إجراءات انتقامية لقطع آخر موارد اليمنيين
جريدة الأخبار – رشيد الحداد
تشهد العاصمة صنعاء، ومعها المحافظات الخاضعة لسيطرة حكومة الإنقاذ، أزمة نقص حادّ في الوقود والغذاء، نتيجة الإجراءات الأخيرة التي أقدمت عليها حكومة الرياض بإيعاز من «التحالف»، بهدف قطع آخر ما تبقّى من موارد اقتصادية لليمنيين، واستخدام الآثار الكارثية الناجمة عن ذلك في ابتزاز «أنصار الله»
صنعاء | بعد أيام على إعلان قائد حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، مبادرة لتحييد الاقتصاد اليمني، تنصّ على توريد إيرادات البلد كافة إلى البنك المركزي، بما يسمح بصرف رواتب موظفي الدولة، وتوفير المواد الأساسية، والحفاظ على استقرار العملة، جاء ردّ تحالف العدوان بتصعيد الحرب الاقتصادية، وافتعال أزمة في المشتقات النفطية، والدفع بسعر صرف العملة نحو المزيد من التدهور. وترافق ذلك مع محاولة متجددة للسطو على ما تبقّى من إيرادات عامة للدولة، سواءً عبر استهداف الضرائب والجمارك من خلال تحويل مسار السفن وناقلات النفط من ميناء الحديدة إلى الموانئ الواقعة تحت سيطرة الإمارات في الجنوب، أو عبر قطع الكابل البحري للإنترنت الذي يربط اليمن بجيبوتي بعد السطو على الكابل البحري الجديد وتحويله إلى شركة خاصة في عدن. محاولة وازاها تصاعد التهديد باستهداف ميناء الحديدة الذي يُعدّ المرفأ الوحيد الخاضع لسيطرة حكومة الإنقاذ في صنعاء، ويستقبل معظم واردات البلاد والمساعدات الإغاثية.
وبالتزامن مع التصعيد العسكري الذي تشهده مدينة الحديدة منذ أسبوع، وجّه تحالف العدوان حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، إلى توفير غطاء لقوات «التحالف» البحرية لمنع دخول كافة الواردات إلى الموانئ اليمنية وتحديداً إلى ميناء الحديدة، حتى يتسنى له التنصّل من أي تبعات ستنجم عن ذلك. وهذا ما وقع فعلاً، إذ أقدمت حكومة هادي على طلب طباعة مئات المليارات من دون غطاء، لتدفع سعر صرف الريال اليمني إلى المزيد من التدهور، حيث تجاوز حاجز الـ600 ريال للدولار خلال الأيام الماضية، بعدما كانت الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها حكومة الإنقاذ، ومنها منع تداول العملة المطبوعة من دون غطاء من فئتَي 500 و1000 ريال من التداول في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، أسهمت في وقف تدهور سعر الصرف الأسبوع الماضي.
إثر ذلك، وتحت ذريعة الحفاظ على استقرار العملة، اتخذت حكومة هادي سلسلة إجراءات أقرّت بموجبها إغلاق كافة قنوات الاستيراد الخارجية غير الرسمية التي كانت تعتمد عليها صنعاء طيلة عامين، منذ أن توقّفت وظائف البنك المركزي في تغطية الواردات بالدولار جراء نقله إلى عدن، لتلبية احتياجات السوق المحلي من السلع والمنتجات من الأسواق الخارجية. إجراءات وصفتها حكومة الإنقاذ بـ«العدائية»، معتبرة أنها لا تمتّ إلى الحلول الاقتصادية بصلة، بل تُضاعِف معاناة اليمنيين وتُضيِّق خيارات العيش الكريم عليهم. وشددت على أن ربط الواردات بفرع البنك في عدن من دون وجود أي ضمانات للمُورِّدين يستدعي تدخل الأمم المتحدة لوقف «مؤامرة جديدة تستهدف الشعب اليمني»، مُجدِّدةً مطالبتها الأمم المتحدة بالضغط على الطرف الآخر لاستئناف إنتاج النفط والغاز، وإعادة كافة الإيرادات المنهوبة في المحافظات الجنوبية والشرقية إلى البنك المركزي. كما أبدت استعدادها للتعاطي الإيجابي مع أي حلول تُجنِّب العملة الوطنية التدهور، وتحافظ على استقرار الاقتصاد.
تهدّد عمليات تحالف العدوان صوامع الغلال في مدينة الحديدة
في المقابل، برّرت اللجنة الاقتصادية المُشكَّلة من قِبَل حكومة هادي الإجراءات الكارثية المتقدّمة بسعيها إلى تغطية فاتورة واردات البلاد من خلال السحب من الوديعة السعودية، إلا أن تلك الوديعة لا يمكن السحب منها كونها غير خاضعة لإدارة «مركزي عدن»، وهو ما أدى إلى توقف تدفّق الواردات إلى الموانئ اليمنية منذ أيام، وتسبّب بأزمة تموينية في السوق المحلي بالوقود والغذاء. ووفقاً لمصادر اقتصادية في القطاع الخاص، تحدثت إلى «الأخبار»، فإن مُورّدي الغذاء والدواء والوقود تلقوا تحذيرات من حكومة هادي من مغبة الاستمرار في الاستيراد عبر قنوات غير البنك المركزي تحت طائلة اتخاذ إجراءات عقابية بحقهم. وأفادت المصادر نفسها بأن بنك عدن تلقّى عشرات الطلبات بفتح اعتمادات مستندية للاستيراد، قبل أن يقوم بإحالتها إلى وزارة المالية السعودية للموافقة عليها، وتغطيتها بالدولار من الوديعة السعودية، إلا أن الوزارة المذكورة اشترطت قبول الطلبات التي لا تتجاوز 200 ألف دولار فقط للطلب الواحد، وتغطيتها من مبيعات النفط اليمنية التي تُورّد إلى البنك الأهلي السعودي، بما يُقدّر بـ120 مليون دولار شهرياً. وشددت المصادر على أن طلب محافظ البنك المعيّن من قِبَل هادي، محمد زمام، من السعودية فتح الاعتمادات دليل على أن البنك لا يمتلك أي قرار، ولا تزال احتياطاته من العملة الأجنبية في البنوك الدولية مُجمّدة، مضيفة أن ما يحدث لا علاقة له بالاقتصاد، بل يندرج في إطار الحرب الاقتصادية، مُتهِمةً حكومة هادي بالعمل على تنفيذ سياسة تجويع سعودية ـــ إماراتية.
ورقة المساعدات
عمل تحالف العدوان، خلال الأيام الماضية، على استهداف مخازن المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني ومستودعاتها، وتحديداً منظمة الـ«يونيسيف» وبرنامج الغذاء العالمي. كذلك تهدّد القوات الموالية لـ«التحالف»، والتي تقودها الإمارات، مطاحن البحر الأحمر وصوامع الغلال في مدينة الحديدة، والتي تُعدّ مخزن الغذاء الاستراتيجي لعدد من المحافظات اليمنية. ويرى الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة في العاصمة صنعاء، يوسف الحاضري، في حديث إلى «الأخبار»، أن «هناك تواطؤاً دولياً مكشوفاً في ما يجري من جرائم وانتهاكات في الحديدة»، لافتاً إلى أن وزارة الصحة حذّرت من التداعيات الكارثية على ملايين اليمنيين في حال أقدمت قوات العدوان على استهداف مخازن المنظمات الدولية قبل أن تتعرّض الأخيرة للاستهداف، وطالبت الأمم المتحدة بالعمل على حماية تلك المخازن، إلا أن الوزارة تفاجأت بردّ برنامج الغذاء العالمي بعدما تعرّض أحد مخازنه للقصف بعدم تحديد الجهة المسؤولة عن ذلك، والتلميح إلى إمكانية تعليق نشاطه الإنساني في الحديدة. وكانت حكومة الرئيس المنتهية ولايته قد حرّضت على مخازن الغذاء التابعة للمنظمات الدولية خلال الأيام الماضية بغرض تبرير استهدافها، وذلك في إطار محاولاتها المستمرة منذ أكثر من عام التحكم في المساعدات الإغاثية، وسحبها من ميناء الحديدة إلى عدن، لحرمان ملايين اليمنيين منها، وتوظيفها سياسياً بعيداً عن هدفها الإنساني.
الحوثي يلتقي غريفيث