معنى العبودية المطلقة لله أن أستقيم على نهجه في كُـلّ ما أمرنا به
2٬267
يمني برس – ثقافة
محاضرةُ السيد الحسين -رِضْـــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- [إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا] غنية جداً جداً بما فيها من معلومات وفوائد كثيرة، تحدث فيها عن أنواع الابتلاءات في الحياة الدنيا للإنْسَان، وعن معنى الاستقامة، وما هو النهج الذي يريدنا اللهُ -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَــى- أن نستقيمَ عليه، نستعرض جزء منها في هذا التقرير:
القُـــرْآنُ هدى ونور
ابتدأ -رِضْـــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- محاضرةَ [إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا] بالحديث عن القُـــرْآن الكريم، حَيْــثُ قال: [ما أعظم كتابَ الله، وما أسمى معانيه، وما أشملَ دلالاته، هدى ونور، موعظة وشفاء لما في الصدور، يخاطبنا بمختلف العبارات، وبشتى الوسائل؛ بحثاً عن كيف يهدينا بأسلوب عجيب].
متأملاً -رِضْـــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- لآيات القُـــرْآن الكريم المتحدثة عن الهداية للعباد، كيف أن اللهَ فيها رحيم وكريم جداً مع عباده، حَيْــثُ قال: [المتأملُ لكتاب الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَــى- من هذه الزاوية يخجل أمام الله، وهو بكل وسيلة، وهو هو من جلَّ -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَــى- في كبريائه، وتعالى في عظمته، يُظهِر حبه لأوليائه بشكل عجيب، ويدعو جميع عباده للانضواء تحت لوائه والاستجابة لندائه، ويثني دائماً على نوعية متميزة من أوليائه، ممن آمن به، وآمن برسله وكتبه].
معنى العبودية المطلقة لله:ــ
واختار -رِضْـــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- للمحاضرة آيةً من أهمّ الآيات في القُـــرْآن الكريم، التي تصفُ المستقيمين على هدى الله، بأنهم من عرفوا وآمنوا بالعبودية المطلقة لله، بأنه الله وحدَه رَبُّهم، وخالقهم، ومالكهم، ومدبر شؤونهم، والمشرع لهم..
وأشار -رِضْـــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- بأن هناك أناساً يعتبرون أنفسهم مؤمنين ولكن تصرفاتهم تدل على أنهم لا يعرفون معنى العبودية المطلقة لله، حَيْــثُ قال: [ما أكثر من يقولون: الله ربنا، ولكن يدينون بالولاء لتشريعات بعيدة عن الله، لأنظمة بعيدة عن الله. هذا إقرار يناقضه العمل]، مُضيفاً بأن معنى العبودية المطلقة هو: [أنني عبدٌ لله، أطيع الله فيما أمر ونهى، أعمل على كسب رضاه، أحبه وأتولاه، أكون من حزبه، أكون من جنده، أكون من أوليائه، أستقيم، أستقيم على هذا النهج، أفهم تعامله معي -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَــى- كعبد له في هذه الدنيا أنه لا بد أن يبتليني بتكاليف متنوعة، ما بين شاق على نفسي، أَوْ شاق على جسمي، وما بين سهل، ما بين صعب علي باعتباره مخالف لهواي، أَوْ لمصالحي الشخصية، أَوْ لأي اعتبار آخر من الاعتبارات الدنيوية، وبين ما هو بعيد عن هذا الاعتبار].
المجال الأول:ــ الابتلاءُ في الجانب المادي:ـــ
موضحاً -رِضْـــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- بأن اللهَ يبتلي عبادَه ويختبرُهم في هذه الحياة؛ ليتضح المؤمن الصابر، من المنافق الفاجر، وليميز الخبيث من الطيب، حَيْــثُ قال: [أن أعلم بأنني عندما أقول: أنني عبد لله، وأقر بأن الله ربي، أن الله لا يكتفي مني بهذا، لا بد أن يمتحنني، لا بد أن يبتليني؛ ليتبين مصداق ما أدعيه، ويتبين استقامتي وثباتي على ما أدعيه].
لافتاً بأن الابتلاءات في مجالين: الجانب المادي، والمعنوي، وعن الابتلاء في المجال المادي قال: [ابتلانا الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَــى- فيما يتعلق بالجانب المالي بابتلاءات كثيرة.. ما أوسع إطار التشريع في الجانب المالي بدءاً من الزكاة وانتهاء بالإنفاق في سبيل الله، وكم ارتبط بالمال من تشريعات وكم اتجه إلى قضية المال من آيات تحث على الإنفاق، وتعد بالأجر المضاعف على الإنفاق وتتحدث عن الإنفاق بأنه دليل مصداقية المؤمن، تتحدث عن بذل المال بأنه وسيلة من وسائل تزكية الروح وسموِّها]..
نصرُ دين الله.. مرتبطٌ بالمال:ــ
مؤكّداً -رِضْـــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- على أهميّة الجانب المالي لإعلاء دين الله، فقال: [فريضة من أعظم الفرائض، فريضة هي ركن من أركان الإسلام اتجهت نحو المال هي الزكاة، واجب من أهمّ الواجبات هو نصر دين الله مرتبط بالمال أيضاً، واجب من أهمّ الواجبات هو العمل على نشر دين الله والدعوة إلى إصلاح عباده مرتبط بالمال أيضاً لدرجة أن الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَــى- قال عن صفات المؤمنين فيما يتعلق بالجانب المالي وفيما يتعلق بالجانب النفسي: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} بأن لهم الجنة {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} يقاتل بنفسه وماله].
اللهُ الغني.. ليس محتاجاً لأموالنا:ــ
مُضيفاً -رِضْـــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- بأن الله له ملك السماوات والأرض، ليس محتاجاً لنا، ولكن القضية كما قال الشهيد القائد: [القضية هي مرتبطة بنا، قضية ابتلاء، وليست قضية استعانة منه -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَــى- بنا، قضية ابتلاء لنا: هل نحن صادقون في إيْمَــاننا، هل نحن صادقون في عبوديتنا لله؟ إذاً سنطبق ما يريد منا حتى وإن كان فيما يعز علينا سنمتثل، سنطبق، سننفّـذ].
من رحمة الله بنا: سّمى الله الإنفاق(قرضاً):ــ
منوهاً إلى أن الله جلَّ شأنه من رحمته بنا؛ ولأنه يعرف أن الإنْسَان يحب المال حباً جماً، فسماه سُبْحَانَــهُ (قرضاً)، قال -رِضْـــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-: [ولذلك الله خاطبنا في هذا المجال في القُـــرْآن الكريم بأسلوب عجيب سمّاه قرضاً {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً}(البقرة: من الآية245) استقراض؛ لأنَّه يعلم أننا شديدي الحرص على المال، فلم يكتف -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَــى- -؛ لأنَّه رحيم بنا – لم يكتفِ أن يبتلينا في المال فقط، وهو قادر على ذلك يقول: أنت أنفق، أدِّ الزكاة، بل دفعنا بلطفه، برحمته إلى أن نلتزم في هذا الجانب فنطبق، ونبرهن على صدق إيْمَــاننا، فأحاط مسألة المال بكثير من الترغيب].
يضاعفه لنا أضعافاً كثيرة:ــ
مُضيفاً -رِضْـــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- أيضا بأن الله يرغبنا ويدفعنا للإنفاق ويشجعنا على ذلك بمضاعفة الأجر لنا، حَيْــثُ قال: [فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} أليس هذا من رحمة الله بنا؟ أنه يشجعنا على تنفيذ هذا الواجب الذي هو صعب على نفوسنا. يقول -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَــى- أيضاً: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} يعد بمضاعفة إلى نحو سبع مائة ضعف].
مستغرباً -رِضْـــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- من حالة النفس البشرية، حَيْــثُ أن الله قد وعدنا وهو مالك السموات والأرض بأن يضاعف لنا الأجر إن أنفقنا، وبأنه سيخلفه علينا، ولكننا مع ذلك نتعامل مع الله وكأن شيئا من هذا لن يحدث، فقال: [ومع هذا لا تزال نسبة الملتزمين بهذا الأمر الإلهي الهام – على الرغم من كُـلّ هذا الترغيب الكبير – لا يزال نسبة قليلة جداً من الناس أقلّ بكثير من نسبة المصلين، أقل بكثير من نسبة الصائمين؛ لأنَّ المال محك {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} ودليل على صدق العبودية، ودليل على صدق الإيْمَــان، بل جعله صفة من صفات المؤمنين، المؤمن الذي يتصور بأن بإمكانه أن يكون مؤمناً والجانب المالي لا أحد يمسه غير صادق في إيْمَــانه أبداً، غير صادق في دعواه للتقوى].