في أول خطاب له تحت قبة البرلمان عند توليه رئاسة المجلس السياسي الأعلى في اليمن خلفاً للشهيد الصماد، تعهد الرئيس المشاط بمواصلة ما بدأه سلفه في مشروع بناء الدولة “يد تحمي ويد تبني”، وكان القضاء على الفساد ومحاسبة الفاسدين ومعاقبتهم واحدة من أهم نقاط خطابه البكر، بالإضافة إلى حرصه على الاستقرار الأمني والاقتصادي والنظر بعين الاعتبار لمعاناة اليمنيين جراء العدوان والحصار.
وفي خطابه الأخير بمناسبة ثورة أكتوبر الخالدة جدد الرئيس مهدي المشاط العهد لكل أبناء الشعب اليمني بالسهر على أمنهم ورعاية مصالحهم والعمل على إفشال كل مخططات العدو وملاحقة ذيوله وأدواته، داعياً الجميع للتعاون في صون نعمة الأمن وعدم السماح بأي مخالفات أو انتهاكات تحت مبرر الهاجس الأمني، ومشدداً على ضرورة التحري والتروي، وأن أي تصرف لا يتم طبقاً للنظام والقانون فإنه لن يتوانى في ضبطه وتصحيحه.
بالأمس وجّه الرئيس مهدي المشاط بسرعة البت في قضايا تهم فساد ضد 74 متهماً في أجهزة الدولة بينهم قيادات بحسب قائمة اتهام رفعت للقيادة السياسية من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وذلك في لقاء جمعه برئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بعد مناقشة مستفيضة في سير العمل الرقابي للجهاز المركزي والجهود التي يبذلها في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والمساءلة، بما يسهم في تحسين مستوى الأداء والتغلب على الصعوبات التي تواجه سير العمل في مؤسسات الدولة من خلال تعزيز الدور الرقابي ومكافحة الفساد وتصحيح الاختلالات خلال المرحلة الراهنة في ظل استمرار العدوان والحصار والحرب الاقتصادية التي يشنها تحالف العدوان على الشعب اليمني. وفي ذلك تأكيد فعلي بدعم المجلس السياسي الأعلى ممثلاً بالرئيس المشاط للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بما يمكنه من القيام بدوره في مكافحة الفساد خاصة في ظل الأوضاع الراهنة التي يمرّ بها الوطن بالتزامن مع خطة الجهاز الحالية لتفعيل الدور الرقابي وكذا الجهود المبذولة في تحريك ملفات الفساد، واستعراض ما تم تحقيقه في هذا الإطار.
يعدّ الفساد في اليمن آفة خطيرة ومدمرة لخصوصية البلد، ففي الظروف الطبيعية يبتلع مقدرات وموارد التنمية، ويجهض الجهود الرسمية والشعبية تجاه الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي ظلّ حلماً يراود ملايين اليمنيين طوال الفترات السابقة، إلى جانب ذلك يشكل الفساد أقوى التهديدات الحقيقية لكل الأنظمة السياسية والمنظومات الاقتصادية في استنزاف موارد البلاد الشحيحة وحرمان خزينتها منها، حتى جاء هذا العدوان وأخذ كل شيء تاركاً البلاد على حافة الهاوية فاقدة الموارد وفارغة الخزينة، وقابعة حتى حصار مطبق للعام الرابع على التوالي.
سعت دول العدوان إلى استغلال الوضع الاقتصادي، واتخذت من الفساد شماعة لذرائعها المكشوفة وتهربها من مسؤوليتها تجاه ذلك، فلعبت بذريعة الفساد دوراً خطيراً في تشويه المنظومة الأخلاقية والقيمية داخل المجتمعات وإلصاقها بـ “أنصار الله” لتزيد من عمق الأزمة وتداعياتها على جميع الصُعد والمستويات.
بعد ثورة الـ 21 من سبتمبر، كانت أهداف اللجنة الثورية العليا الانطلاق في الإصلاحات والدفع بعجلة التنمية بعد أن أسقطت كل بؤر الفساد المركزية في السلطة، لكن تلك القوى الوكيلة استعانت بالأصلاء بعد أن عجزت في تمرير سياساتها وأجنداتها بفرملة الثورة ووأدها، فعادت من جديد ومعها عدوان عالمي لتحرق البلاد وتنهب ثرواتها ومواردها وتدفع بالشعب إلى المجاعة والموت.
منذ ما يقارب العقدين تفشى الفساد في ظل النظام السابق حتى انعكس على مختلف مناحي الحياة العامة والخاصة في ظل غياب نظام الرقابة والمحاسبة، وأصبحت شبكات الفساد والمحسوبية هي التي تدير الشؤون العامة للبلاد ما أدى إلى ضعف الأداء الحكومي، بل خلق قوى فساد تتحكم في الموارد العامة، وهو ما انكشف اليوم بما يعرف بالموظفين الوهميين بأعداد مهولة شكلت ضغطاً كبيراً على الميزانية العامة للدولة في ظل بطالة كبيرة وتردي مستوى الخدمات بل انعدامها في بعض المناطق.
تبدو المرحلة صعبة والتحديات كبيرة في طريق مشروع الدولة اليمنية في مثل هكذا ظروف، لكن عزيمة اليمنيين وكفاءة قيادتهم لا تألو جهداً في تنفيذ وترجمة المشروع في حدود المتاح خصوصاً ومثل هذه الملفات من تهم وقضايا الفساد تعمق الجراح اليمنية في الداخل وتمهد لقضايا مماثلة سيشرع فيها نافذون مستغلين عدم الرقابة والمحاسبة ومعاقبة المتورطين، لذا كان لا بد من اتخاذ هذا الإجراء الحازم ليطول القانون كل من تسوّل له نفسه استغلال مصالح الشعب ومعاناتهم مالياً وادارياً.