الترتيبات الأمنية وعـقبات الحل السياسي في اليمن.. قراءة من الداخل
الترتيبات الأمنية وعـقبات الحل السياسي في اليمن.. قراءة من الداخل
يمني برس- دراسة أعدها : عــبدالله عـلي صـبري*
حين كادت مفاوضات الكويت بين الأطراف السياسية اليمنية أن تنجز حلا سياسيا وأمنيا مقبولا ومعقولا للمشكلة اليمنية وسط دعم سفراء الدول الثمانية عشر الذين كانوا يحثون مختلف الأطراف على المضي في تقديم التنازلات، عادت الأمور إلى مربع الصفر مع تمسك وفد حكومة هادي بتنفيذ الترتيبات الأمنية وانسحاب مسلحي أنصار الله من العاصمة صنعاء والمدن الكبرى قبل تشكيل الحكومة التوافقية التي كانت حجر الأساس في الترتيبات السياسية المطروحة على طرفي طاولة المفاوضات.
فما هي الترتيبات الأمنية التي يطالب بها طرف هادي أو ما يعرف بالحكومة الشرعية كشرط لإيقاف الحرب، وللدخول في عملية سياسية تستوعب مختلف الفرقاء اليمنيين بمن فيهم أنصار الله؟ ولماذا يرفض أنصار الله الحوثيين وحلفائهم التعاطي مع الاشتراطات الأمنية، برغم إعلانهم القبول بقرار مجلس الأمن 2216 للعام 2015م، كأحد أهم مرجعيات الحل السياسي في اليمن؟
ثم ما هي طبيعة هذه الترتيبات، وما علاقتها باتفاق السلم والشراكة الذي تم التوقيع عليه بين مختلف الأطراف السياسية في 21 سبتمبر 2014م، وهل تغيرت طبيعة هذه الترتيبات بعد أكثر من ثلاث سنوات على الحرب العدوانية التي شنتها السعودية ودول التحالف العربي في اليمن تحت مسمى “عاصفة الحزم” وبذريعة استعادة الشرعية وإنهاء انقلاب (الحوثي/ صالح)؟
خلفية عـن الأزمة اليمنية
الحرب العدوانية على اليمن ليست منفصلة عن تطورات الأزمة السياسية منذ الحراك الشعبي في 11 فبراير 2011م، مرورا بأحداث 21 سبتمبر 2014م، وصولا إلى إعلان عاصفة الحزم والحرب على اليمن المتواصلة منذ 26 مارس 2015م.
وقد أفضى الحراك الشعبي الذي شهدته اليمن في إطار ما يعرف بالربيع العربي إلى اتفاق تقاسم السلطة بين حزب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب المعارضة، وتنازل الرئيس السابق على عبدالله صالح عن السلطة لنائبه عبدربه منصور هادي، وفقا للمبادرة الخليجية التي دخلت البلاد في ظل بنودها وآليتها التنفيذية مرحلة انتقالية كان يفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات نيابية ورئاسية خلال عامين من استلام هادي السلطة( ).
وفقا للمبادرة أيضا التئمت القوى السياسية والشبابية والمجتمعية في حوار وطني شامل استمر نحو تسعة أشهر، وشاركت فيه بعض القوى الثورية التي كانت معارضة للمبادرة الخليجية مثل أنصار الله الحوثيين، والحراك الجنوبي.
توافقت مكونات الحوار الوطني بشكل عام على بناء دولة يمنية اتحادية تقوم على الشراكة الوطنية بين الفرقاء السياسيين، وتلتزم بمعالجة أبرز قضيتين سياسيتين: القضية الجنوبية، وقضية صعدة، إضافة إلى مخرجات رئيسة جرى إحالتها إلى لجنة دستورية بهدف صياغة عقد اجتماعي جديد ينظم الحياة السياسية والعامة في اليمن.
بيد أن التفاهم الوطني العام اصطدم بنوع من الإقصاء، حين استأثر الرئيس هادي بالحسم في معظم القضايا الخلافية، وعلى رأسها مسألة الأقاليم التي عارضها أنصار الله، وتحفظ عليها الحزب الاشتراكي، وبعض فصائل الحراك الجنوبي( ).
تزامن ذلك مع اندلاع حرب جديدة في محافظة صعدة، امتدت من “كتاف” إلى “دماج” ولم تتوقف عند محافظة عمران المحاذية للعاصمة صنعاء. وبينما بدا الرئيس والجيش على موقف الحياد من هذه الحرب التي انخرطت فيها مجاميع سلفية وقبلية وبعض الفصائل العسكرية المحسوبة على حزب الإصلاح (الإخوان المسلمون)، تصرفت حكومة الوفاق الوطني بنوع من التبلد السياسي حين أقرت في هذه الأجواء المشحونة زيادة سعرية للمشتقات النفطية بزعم أن موازنة الدولة أصبحت عاجزة حتى عن دفع مرتبات الجيش وموظفي القطاع العام والحكومي( ).
هنا وجد أنصار الله الفرصة سانحة لتنظيم حركة شعبية ساخطة على الحكومة، وخرجت المظاهرات والمسيرات في عدة محافظات. وعلى وقع الزخم الشعبي المتصاعد والمسنود بحماية قبلية مسلحة، اشتغل مبعوث الأمم المتحدة حينها جمال بن عمر على صياغة تفاهم وطني يقوم على أساس الاستجابة للمطالب الشعبية فيما يتعلق بأسعار المشتقات النفطية، وتحقيق الشراكة الوطنية في السلطة وفقا لمخرجات الحوار الوطني، ويتضمن إطاراً للمعالجات الأمنية، التي تستهدف ضبط الأمن ومواجهة الجماعات الإرهابية وتمكين الدولة من بسط نفوذها، ونزع الأسلحة الثقيلة من مختلف الفصائل والجماعات، وانسحاب (الحوثيين) من المناطق التي يسيطرون عليها كعمران وصعدة والعاصمة صنعاء( ).
أيدت الأمم المتحدة والدول الراعية للعملية السياسية اتفاق السلم والشراكة الذي وقعت عليه الأحزاب السياسية مع ممثلي أنصار الله في 21 سبتمبر 2014م. وبناء على الاتفاق تشكلت حكومة جديدة برئاسة المهندس خالد بحاح (13-10-2014م) وسط خلاف حاد بشأن طريقة ومستوى تمثيل المكونات السياسية فيها. ومن المفارقات أن جماعة أنصار الله التي باتت أشبه بسلطة أمر واقع بعد أن سيطرت أمنياً على العاصمة صنعاء والمؤسسات الحكومية فيها، وجدت نفسها خارج الحكومة، بالمخالفة الفجة لاتفاق السلم والشراكة( )، الأمر الذي انعكس سلباً على تنفيذ بقية التزامات وبنود اتفاق السلم والشراكة، وبالأخص المواد المضمنة في الملحق الأمني.
وفي ظل هيمنة عدم الثقة بين الرئيس هادي وأنصار الله، شهدت العاصمة صنعاء مواجهة عسكرية محدودة بين اللجان الشعبية وألوية حماية الرئاسة، انتهت بانسحاب قوات الجيش، وانكشاف الرئيس هادي أمنياً، الأمر الذي اضطره إلى إعلان استقالته واستقالة حكومة بحاح في الوقت نفسه( )، لتدخل البلد في فراغ أمني سياسي، وصولا إلى التدخل العسكري الخارجي, وإعلان الحرب السعودية على اليمن.
الملحق الأمني لاتفاق السلم والشراكة
يكتسب الملحق الأمني لاتفاق السلم والشراكة أهميته من كونه قد لامس المشكلة الأمنية اليمنية في صميم تفاصيلها، مستندا في معالجة تداعياتها إلى المخرجات التوافقية للحوار الوطني، وبالأخص المتعلقة بقضية صعدة، وإلى ما تفرضه المستجدات والمتغيرات السياسية والعسكرية على أرض الواقع، وفوق ذلك فإن معظم بنوده لا تزال صالحة للعمل بها في إطار تسوية سياسية تضع حدا للحرب والحصار وتفتح الطريق من جديد أمام التوافق الوطني المنشود.
فالبند الأول من الملحق الأمني للاتفاقية، ينص على:
– إزالة جميع عناصر التوتر السياسي والأمني
– تمكين الدولة من ممارسة سلطاتها
– وقف جميع أعمال العنف فورا في العاصمة صنعاء ومحيطها من جميع الأطراف.
فلا جدال أن استقرار الحالة الأمنية بالعاصمة صنعاء، يتطلب إنهاء عمل اللجان الشعبية والثورية التي جرى استحداثها من بعد 21 سبتمبر 2014م، ما يساعد الحكومة التوافقية على أداء مهامها بعيداً عن التدخلات الخارجية، وضغوطات سلطة الأمر الواقع، كما ستكون الحكومة وأجهزتها الأمنية مسؤولة عن ضبط الحالة الأمنية والتصدي بحزم لأية خروقات أو استغلال من قبل العناصر والتنظيمات الإرهابية ( القاعدة وداعش). ولن يستتب الأمن في العاصمة صنعاء إلا بوقف إطلاق النار في محيطها وطوقها الجغرافي والقبلي، وسحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من مختلف الأطراف والجماعات المتقاتلة.
وما يسري على العاصمة ومحيطها يسري بالمثل على محافظات الجوف ومـأرب وعمران، كما جاء في البندين الرابع والخامس من الملحق الأمني، حيث نص البند الرابع على تشكيل لجنة مشتركة تقوم بسحب جميع المجموعات المسلحة القادمة من خارج محافظة عمران، وتشرف على الترتيبات الأمنية والإدارية التي تعزز سلطة الدولة، وتؤدي إلى بسط الأمن والاستقرار، وممارسة المسؤولين المحليين صلاحياتهم بشكل كامل.
وأكد البند الخامس على وقف جميع أعمال القتال ووقف إطلاق النار في محافظتي الجوف ومأرب وانسحاب جميع المجموعات المسلحة القادمة من خارج المحافظتين مع ترتيب الوضع الإداري والأمني والعسكري فيهما، بما يكفل تحقيق الأمن والاستقرار والشراكة الوطنية.
ويمكن التعاطي مع هذه الترتيبات كمرحلة أولى، ثم تشرع الحكومة التوافقية في تنفيذ ترتيبات مشابهة في بقية المحافظات وصولا إلى الغاية الرئيسة ممثلة بـ ” ضرورة بسط سلطة الدولة واستعادة سيطرتها على أراضيها كافة وفق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني”، كما ورد في البند الثاني من الملحق الأمني آنف الذكر.
وهنا يتعين الإشارة إلى الملاحظات التالية:
1- أن الترتيبات الأمنية المقصودة أعلاه ليست حكراً على طرف أنصار الله، بل تشمل بقية الجماعات المسلحة، التي تشكلت تحت عنوان “المقاومة”، في جنوب البلاد وشمالها.
2- أن الوضع الأمني المضطرب في اليمن وفي المحافظات الشمالية (صنعاء، مأرب، عمران، الجوف، وصعدة) تحديداً لم يكن بفعل الحرب العدوانية فحسب، فقد أمكن لأنصار الله السيطرة على محافظة صعدة في ظل الثورة الشبابية فبراير2011م، وحينها قال القيادي في حزب الإصلاح حميد الأحمر أن صعدة قد عادت إلى حضن الوطن( ). وبالنسبة للوضع في مأرب والجوف، فقد أمكن للجماعات المسلحة المتصلة بحزب الإصلاح السيطرة على بعض المعسكرات التي كانت تابعة للحرس الجمهوري بقيادة نجل الرئيس السابق أحمد علي عبدالله صالح، وقد حصلت مواجهات لاحقة بين هذه الجماعات وجماعة أنصار الله.
3- بالنسبة لمحافظة عمران فقد سيطرت عليها جماعة أنصار الله إثر ارتدادات معركة دماج التي اتخذت بعداً طائفياً تجاوز حدود اليمن، وبعد اشتباكات عنيفة مع المجاميع المسلحة المحسوبة سياسيا على تجمع الإصلاح، واجتماعيا على قبيلة حاشد والمشايخ من آل الأحمر. واللافت أن الرئيس هادي قام حينها بزيارة مفاجئة للمحافظة، مؤكداً بأنها ما زالت تحت سلطة الدولة( ).
4- برغم الحرب المستعرة منذ نحو أربع سنوات لا يزال الوضع الأمني في محافظات الشمال تحت سيطرة أنصار الله وحزب الإصلاح، خاصة أن القوات الإماراتية التي شكلت قوات أمنية تابعة للتحالف في المحافظات الجنوبية، عجزت عن تشكيل حزام أمني في محافظة مأرب، وبرغم أن غالبية المقاتلين في هذه الجبهات محسوبون على الشرعية والتحالف إلا أنهم يوالون حزب الإصلاح سياسيا وعقائدياً.
5- ينص الاتفاق على التزام الأطراف تيسير وصول الجهات الفاعلة الإنسانية إلى المحتاجين للمساعدة الإنسانية في ظروف آمنة ومن دون عوائق، وضرورة كفالة أمن موظفي المساعدة الإنسانية وموظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها. وهو إجراء سيظل مطلوبا في أية ترتيبات أمنية مقبلة.
6- أن تحفظ طرف حكومة هادي على إدراج اتفاق السلم والشراكة ضمن مرجعيات الحل السياسي برغم إمكانية الاستفادة من مضامينه الأمنية يعود إلى تنصل هادي نفسه عن الاتفاق وما تلاه من قرارات ومتغيرات، وذلك بعد تمكنه من الفرار إلى عدن في 21 فبراير 2015م، حيث أعلن منها العدول عن الاستقالة وعدم الاعتراف بكل المستجدات التالية للحادي والعشرين من سبتمبر 2014م( ).
7- أن المبدأ العام لمسألة تسليم السلاح الثقيل للدولة قد جاء في صلب مخرجات الحوار الوطني، وتم التأكيد عليها في ضمانات تنفيذ المخرجات الملحقة بوثيقة الحوار، مع الإشارة إلى تمسك أنصار الله بمفهوم “دولة الشراكة الوطنية” الواردة في المخرجات نفسها( ).
قرار مجلس الأمن 2216/2015م
بعد نحو عشرين يوماً من إعلان عاصفة الحزم ومباشرة التدخل العسكري الخارجي في26 مارس 2015م، بزعم إنهاء انقلاب (الحوثيين) أصدر مجلس الأمن في 14 إبريل 2015م القرار رقم
( 2216 ) تحت بنود الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة( ). وغلب على القرار الصبغة الأمنية حيث طالب الحوثيين تحديدا بـ:
(أ) الكف عن استخدام العنف.
(ب) سحب قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها، بما في ذلك العاصمة صنعاء.
(ج) التخلي عن جميع الأسلحة الإضافية التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية، بما في ذلك منظومات القذائف.
(د) التوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية في اليمن.
(هـ) الامتناع عن الإتيان بأي استفزازات أو تهديدات ضد الدول المجاورة، بسبل منها الحصول على القذائف سطح – سطح، وتكديس الأسلحة في أي أراض حدودية تابعة لإحدى الدول المجاورة.
(و) الإفراج بأمان عن اللواء محمود الصبيحي، وزير الدفاع في اليمن، وعن جميع السجناء السياسيين، وجميع الأشخاص الموضوعين رهن الإقامة الجبرية أو المحتجزين تعسفيا.
(ز) إنهاء تجنيد الأطفال واستخدامهم وتسريح جميع الأطفال المجندين في صفوفهم.
من هذا المنطلق تتمسك الحكومة (الشرعية) بتنفيذ مضامين الاتفاق حرفياً كأساس لأية عملية سياسية، خاصة أن القرار نفسه قد طلب من الأمين العام للأمم المتحدة أن يقدم تقريراً عن تنفيذ القرار في غضون عشرة أيام من اتخاذه، بيد أن الأمين العام لم يقدم شيئاً برغم أن الحرب على اليمن قد دخلت عامها الرابع.
والملاحظة الجوهرية التي يدرك مغازيها من يفهمون لعبة الأمم، أن قرار مجلس الأمن لم يتضمن أية ترتيبات عسكرية أممية تكتسب الشرعية الدولية في حرب اليمن، وقد تجاهل العملية العسكرية التي باشرها التحالف السعودي، فلم يباركها أو يرفضها، وحتى البند الذي يتحدث عن تفتيش ما يدخل إلى اليمن أو يخرج منها( )، فقد توسع التحالف السعودي في تفسيره وأطبق على الشعب اليمني حصارا شاملاً في البر والبحر والجو، تحت ذريعة الحؤول دون وصول الأسلحة إلى جماعة الحوثي. وقد بدت الأمم المتحدة عاجزة عن فعل أي شيء حين منع التحالف الملاحة الجوية من وإلى مطار صنعاء الدولي منذ منتصف 2016م.
ومن يتأمل في مضامين القرار أعلاه يلحظ دون عناء أنها صيغت كشروط استسلام، فما معنى أن يطلب مجلس الأمن من (الحوثي) إنهاء العنف من طرفه فقط، دون الإشارة إلى ضرورة توقف بقية أطراف الصراع عن القتال أيضاً، وما معنى أن يطلب القرار من طرف الحوثي التوقف عن التهديد-مجرد التهديد- لحدود السعودية، في الوقت الذي كان التحالف السعودي ينتهك سيادة اليمن ويمعن في قتل الشعب اليمني، بزعم الاستجابة لطلب الحكومة الشرعية، علما أن فلتات لسان الرئيس هادي أكدت أن التخطيط لعاصفة الحزم، ومباشرة مهامها في اليمن، تمت بمعزل عن الطرف اليمني وعن هادي نفسه( ).
ومن الملاحظ أيضا أن القرار الذي استخدمته السعودية كمظلة لتدخلها العسكري في اليمن، حرص في الوقت نفسه على ضرورة توافق الأطراف اليمنية مجددا، والتزامها بتسوية الخلافات عن طريق الحوار والتشاور، ونبذ القيام بأعمال العنف لتحقيق أهداف سياسية، والامتناع عن الأعمال الاستفزازية وجميع الإجراءات الانفرادية التي تؤدي إلى تقويض عملية الانتقال السياسي، وشدد على جميع الأطراف أن تتخذ خطوات ملموسة للاتفاق وتنفيذ حل سياسي يقوم على توافق الآراء للأزمة في اليمن وفقا لمبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل( ).
كما طلب القرار في بنده الثالث عشر من الأمين العام للأمم المتحدة تكثيف المساعي لإتاحة استئناف عملية انتقال سياسي تكون سلمية وشاملة للجميع ومنظمة تحت قيادة يمنية. وشدد على أهمية التنسيق الوثيق بين الأمم المتحدة وشركائها الدوليين، ولا سيما مجلس التعاون الخليجي، ومجموعة السفراء في صنعاء وسائر الجهات الفاعلة، بغية الإسهام في إنجاح العملية الانتقالية.
ويتمسك أنصار الله بهذا البند تحديداً، وهم يطالبون بتشكيل حكومة توافقية انتقالية كأساس لتنفيذ بقية مضامين قرار مجلس الأمن 2216، أو أية ترتيبات أمنية أخرى تفضي إلى توقف الحرب وفك الحصار عن الشعب اليمني( ).
وعليه وبعد ساعات من نشر وسائل الإعلام لمضامين القرار، دعت اللجنة الثورية العليا التي كانت تدير البلد في ظل الفراغ السياسي إلى احتشاد شعبي للتعبير عن رفض القرار الذي اعتبرته داعماً لما أسمته بالعدوان السعودي على اليمن( ). وأعلنت جماعة أنصار الله رفضها للقرار وللاتهامات الواردة فيه بحق ثلاثة من قياداتها، وأكد بيان صادر عن المجلس السياسي للجماعة رفض العدوان السعودي على اليمن، ووجوب التصدي لما يسمى بـ “عاصفة الحزم” بكل الوسائل والانتصار لسيادة اليمن وكرامة أبنائه. ودان بيان الجماعة العقوبات التي شملت عبدالملك الحوثي وشقيقه عبدالخالق والقيادي العسكري أبو علي الحاكم. ورفضت الجماعة وقف إطلاق النار من طرف واحد، وأكدت “استمرار الجيش والأمن واللجان الشعبية في ملاحقة عناصر القاعدة وداعش في أي محافظة من المحافظات اليمنية باعتبارها خطراً تهدد أمن واستقرار البلد”( ).
أما المؤتمر الشعبي بقيادة رئيسه السابق علي صالح، فقد تعاطى مع الموقف بمرونة لافتة، وأعلن استعداد الحزب للتعامل الإيجابي مع القرار 2216 من منطلق الحرص على حقن الدماء وصيانة مكتسبات الوطن والشعب، حسب بيان الحزب الذي دعا أيضاً ” جميع الأطراف المتصارعة في الداخل والخارج للتجاوب مع دعوة الأمين العام للأمم المتحدة الداعية إلى إيقاف اطلاق النار من جميع الأطراف والعودة الى الحوار برعاية الأمم المتحدة”( ).
مبادئ مسقط وتحريك المسار السياسي
كانت السعودية ودول الخليج العربية قد ألمحت إلى إمكانية تدخلها العسكري في اليمن، وهددت أنصار الله أنها لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه التطورات في اليمن( )، ولما أعلنت السعودية عن قوة عسكرية مشتركة للتدخل في اليمن كانت دول الخليج القوام الرئيسي للتحالف العربي، ولم يخرج عن هذا التحالف سوى سلطنة عمان المعروفة بسياستها الحيادية تجاه مختلف أزمات المنطقة.
وقد فهم المراقبون أن الحياد الإيجابي لمسقط يمكن الاستفادة منه في تحريك المسار السياسي في اليمن حال فشلت العملية العسكرية، وهذا ما حدث بالفعل بعد بضعة أسابيع من بدء الحرب العدوانية على اليمن، فقد حطت طائرة عمانية في مطار صنعاء الدولي وأقلت في 23 مايو 2015م وفد أنصار الله برئاسة الناطق الرسمي للجماعة محمد عبدالسلام( ).
وكان الرئيس هادي قد أصدر في إبريل 2015م، قرارا بتعيين خالد بحاح نائبا لرئيس الجمهورية( )، واعتبر المراقبون هذه الخطوة مدخلا لحل سياسي يقوم على تنازل هادي لنائبه عن السلطة كلية أوعن صلاحياته كرئيس للبلاد، على الطريقة التي تنازل فيها الرئيس صالح لنائبه عبدربه منصور هادي وفقا للمبادرة الخليجية بشأن اليمن.
في مسقط جرت نقاشات غير رسمية بين عدة أطراف يمنية، بمشاركة المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ، واستجابة لهذه الضغوط اضطر أنصار الله إلى الموافقة على تنفيذ قرار مجلس الأمن 2216، لكن ضمن آلية تنفيذية توافق عليها ممثلو أنصار الله والمؤتمر الشعبي مع ولد الشيخ، وشكلت نافذة أمل باتجاه وقف الحرب واستئناف المفاوضات السياسية.
وتضمنت الآلية المتوافق عليها سبع نقاط جرى الإشارة إليها باسم “مبادئ مسقط”، وذلك على النحو التالي( ):-
1- التزام كافة الأطراف بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما فيها القرار 2216، وفقاً لآلية تنفيذية يتم الاتفاق عليها، وبدون انتهاك السيادة الوطنية، ومع تحفظات حول العقوبات على مواطنين يمنيين.
2- وقف دائم وشامل لإطلاق النار من جميع الأطراف مع انسحاب كل الجماعات المسلحة والمليشيات من المدن، وفقاً لآلية تنفيذية متفق عليها، لتجنب أي فراغ أمني وإداري بالتزامن مع رفع الحصار البري والبحري والجوي.
3- الاتفاق على آلية للرقابة المحايدة للتأكد من تنفيذ الآليات المذكورة أعلاه، والتي سيتم الاتفاق عليها برعاية الأمم المتحدة.
4- احترام القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك المواد ذات الصلة بحماية المدنيين، وإطلاق الأسرى والمعتقلين من كل الأطراف، بمن فيهم أولئك المذكورون في قرار مجلس الأمن الدولي، وتسهيل عمليات الإغاثة الإنسانية والسماح بدخول البضائع التجارية والأغذية والتموينات الطبية والمشتقات النفطية والمواد الأساسية الأخرى، دون أية قيود.
5- تعود حكومة خالد بحاح التي تشكلت بالتوافق، وتمارس مهامها كحكومة تصريف أعمال لمدة لا تتجاوز ستين يوماً، حيث يتم خلالها تشكيل حكومة وحدة وطنية، وبطريقة لا تنتهك الدستور.
6- استئناف المحادثات تحت رعاية الأمم المتحدة وتسريعها، وفقاً لقرار مجلس الأمن.
7- جميع الأطراف ملزمة بتسليم الأسلحة الثقيلة إلى الدولة، وفقاً لمخرجات الحوار الوطني الشامل.
ومن الملاحظ أن مضامين مبادئ مسقط قد جرى التوافق عليها بعد الإعلان السعودي عن نجاح عاصفة الحزم، وقد اشتملت على مسارين متوازيين للحل السياسي والأمني معا، بما يلبي الحد الأدنى من متطلبات تنفيذ القرار 2216 لكن وفق مسار يتفهم الوقائع على الأرض. وذكرت وسائل إعلامية أن ضباطا سعوديين انخرطوا في جزء من هذه المشاورات، وأنهم كانوا على تواصل مباشر بولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف( )، ما يعني أن الحل السياسي في اليمن كان مقدورا عليه منذ وقت مبكر، بل لقد كان الحل في متناول اليد قبل بدء العدوان السعودي على اليمن حسب إحاطة جمال بن عمر إلى مجلس الأمن في إبريل 2015م( ).
ولما أدركت بعض الأطراف السياسية اليمنية أن الحل السياسي سيضع قيادتها على قارعة الطريق بعد أن رمت بكل أوراقها في السلة السعودية، ظهر رئيس حزب الإصلاح محمد اليدومي متوسلاً التحالف، وهو يستغيثهم أن لا يتركوه وحزبه في منتصف الطريق( ).
و لم يعد سرا القول أن إطالة أمد الحرب في اليمن ارتبط بصراع إرادتين على العرش والقرار السعودي، فبينما أراد محمد بن سلمان تقديم نفسه كبطل عسكري وقومي، عمل محمد بن نايف على استثمار فشل عاصفة الحزم في اليمن، وتقديم نفسه كبطل للسلام، وبرغم أن الحرب قد استمرت وتصاعدت بشكل كبير خدمة لأجندة سلمان ونجله، فإن محمد بن نايف ظل يراهن على السلام، وكانت مفاوضات الكويت أهم المحطات التي كادت أن تضع حدا للحرب وللعهد (السلماني)( ).
مفاوضات الكويت وعقدة الترتيبات الأمنية
قبل موافقة الأطراف اليمنية على الانخراط في مفاوضات الكويت التي انطلقت في إبريل 2016م، تحت إدارة الأمم المتحدة ومبعوثها السابق اسماعيل ولد الشيخ، كانت وسائل الإعلام قد سربت اتفاقات أمنية بين الأطراف اليمنية برعاية سعودية، ووفقا لتفاهمات “ظهران الجنوب” التي شارك فيها الناطق الرسمي لأنصار الله محمد عبدالسلام(( ، جرى الإعلان عن تهدئة في مختلف جبهات القتال بما في ذلك جبهة الحدود اليمنية السعودية، كما أعلنت أطراف الصراع عن وقف إطلاق النار تمهيدا لهذه المفاوضات( ).
في الكويت تمسك وفدا أنصار الله والمؤتمر الشعبي، بضرورة تثبيت وقف إطلاق النار قبل الشروع في مناقشة أجندة المفاوضات، ما اضطر حكومة الكويت ممثلة بأميرها صباح الأحمد الصباح إلى التدخل الشخصي، وضمان تثبيت وقف النار( ). وهكذا تجاوزت المفاوضات أولى العقبات إلا أنها لم تتحرك قدما، حيث تمسك طرف هادي في المفاوضات بجدول اجتماع يبدأ بمناقشة الترتيبات الأمنية الواردة في القرار 2216، بينما رفض طرفا المؤتمر وأنصار الله مناقشة هذه الترتيبات بمعزل عن الحل السياسي، وبعد جهد كبير بذله ولد الشيخ تم التوصل إلى مناقشة القضايا ضمن مسارات متوازية، وتشكلت لهذا الغرض ثلاث لجان: أمنية وسياسية وإنسانية( ).
بعد انطلاق المفاوضات وأعمال اللجان طلب ولد الشيخ من الأطراف تقديم رؤيتها للحل. وعليه جدد طرف هادي المطالبة بتنفيذ الشق الأمني للقرار 2216، واحترام مرجعيات الحل السياسي ممثلة بالمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار والوطني وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة( )، فيما تقدم المؤتمر وأنصار الله برؤية مشتركة تمحورت حول تشكيل سلطة تنفيذية توافقية جديدة، على اعتبار أن اليمن يمر منذ العام 2011م بمرحلة انتقالية محكومة بالتوافق، وأن مرجعيات العملية السياسية منذ التوقيع على المبادرة الخليجية وإلى اتفاق السلم والشراكة تقوم على حاكمية مبدأ التوافق والشراكة الوطنية للمرحلة الانتقالية وسلطتها التنفيذية( ). ووضعت الرؤية المشتركة أربعة مبادئ للحل السياسي والأمني في اليمن( ):
1- التثبيت لوقف الأعمال القتالية بشكل شامل وكامل، ورفع الحصار بكل أشكاله وإزالة القيود على حرية التنقل للمواطنين داخلياً وخارجياً من وإلى اليمن.
2- التوافق على سلطة تنفيذية توافقية جديدة.
3- مرجعيات العملية السياسية الانتقالية المتمثلة في الدستور ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل المتوافق عليها، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، واتفاق السلم والشراكة الوطنية، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
4- تزمين المراحل التنفيذية لكافة القضايا المطروحة للنقاش.
وأوضحت الرؤية أن السلطة التنفيذية التوافقية سيعهد إليها، استلام مؤسسات الدولة من كل الأطراف، ومتابعة إعمار ما خلفته الحرب، والحفاظ على السيادة الوطنية، بالإضافة إلى تشكيل لجنة أمنية توافقية من مهامها الرئيسة الإشراف على انسحاب المقاتلين من كل الأطراف مع ضمان محاربة (القاعدة وداعش)، وتسليم الأسلحة الثقيلة، لكنها اشترطت مناقشة القضايا المطروحة على الطاولة بصورة متزامنة بحيث تفضي إلى اتفاق شامل وموحد يتضمن كل القضايا المطروحة كحزمة واحدة، ولا يعتبر أي توافق حول أية قضية من هذه القضايا ملزماً أو نهائياً بعيداً عن توافقات بقية القضايا الأخرى( ).
بعد النقاشات المستفيضة على طاولة المفاوضات، تبلورت أمام المبعوث الأممي وسفراء الدول الثمانية عشر الداعمة للعملية السياسية في اليمن، والذين كانوا متواجدين بالعاصمة الكويتية يراقبون ويتابعون مسار المفاوضات، ملامح الحل العملي للأزمة اليمنية. وإذ تبين للرياض وحلفائها في واشنطن ولندن تعذر التطبيق الحرفي للقرار الدولي 2216 الذي تم تمريره في ظروف ساد فيها الاعتقاد بإمكان القضاء على (الحوثيين) وحلفائهم خلال أسابيع أو أشهر قليلة، فقد جرى الحديث عن إمكانية إعادة النظر في قرارات مجلس الأمن بما يساعد على وقف إطلاق النار في اليمن وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
بيد أن صراع الإرادات داخل العرش السعودي عطل الحل السياسي في اللحظة الأخيرة، وانفضت مشاورات الكويت دون إحراز تقدم يذكر، الأمر الذي حاولت الإدارة الأمريكية استدراكه من خلال مبادرة وزير خارجيتها جون كيري.
مبادرة كيري للحل الأمني والسياسي
بعد فشل مفاوضات الكويت على النحو الذي شرحناه آنفا، وفيما كان أعضاء وفد صنعاء عالقا في العاصمة العمانية مسقط، جاء تدخل وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، الذي كاد أن يحقق الاختراق الأهم في جدار الأزمة السياسية اليمنية حين اقترح مسارين متوازيين للترتيبات الأمنية والسياسية معاً، مستفيدا من مسار مشاورات الكويت التي كانت تجري تحت نظر السفراء المعنية بلدانهم بالملف اليمني وعلى رأسهم السفير الأمريكي باليمن.
تحرك كيري إلى الرياض ثم إلى مسقط، وأجرى مباحثات مباشرة مع وفد صنعاء بوجود المسئولين العمانيين، وتوصل معهم إلى التوافق على “اتفاق مبادئ” جرى الإعلان عن خطوطه العريضة في مؤتمر صحفي عقده الوزير الأمريكي بمعية وزير الخارجية السعودي في 25-8-2016 بالرياض( ).
وإذ تكتم كيري على تفاصيل الاتفاق، فاسحاً المجال للمبعوث الدولي حتى يستكمل المهمة، كان لافتا أن طرف هادي لم يكن جزءاً من المشاورات، فقد اكتفت الخارجية الأمريكية بتداول الرأي مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ونظيره الإماراتي محمد بن زايد، الأمر الذي أظهر الاتفاق وكأنه مكسب لطرف (الحوثي/ صالح). وعزز من هذا الانطباع أن مبادرة كيري التي تسربت إلى وسائل الإعلام أدرجت في مقدمة بنودها الاستجابة للترتيبات السياسية التي طرحها وفد صنعاء على طاولة مفاوضات الكويت. وتفصيلاً تضمنت المبادرة النقاط التالية( ):
1- يصدر عبد ربه منصور هادي قراراً بتعيين نائب للرئيس أو رئيس للحكومة، ويخوله كامل صلاحياته الدستورية شريطة أن يتم التوافق بين طرفي الأزمة على اسم المرشح لشغل هذين المنصبين أو أحدهما.
2- يقدم الفريق علي محسن الأحمر – بالتزامن مع هذه الخطوة أو قبلها – استقالته من منصبيه نائبا للرئيس ونائبا للقائد الأعلى للقوات المسلحة.
3- يبدأ سريان وقف شامل لإطلاق النار في كل أنحاء البلاد.
4- تشكيل حكومة وحدة وطنية بنسبة الثلث لكل من حكومة هادي وحلفائها، وأنصار الله وحلفائها، والمؤتمر الشعبي وحلفائه.
5- يبدأ فوراً انسحاب انصار الله وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح من أطراف (المدن والقرى الحدودية السعودية).
6- تنسحب كل المجموعات المسلحة من العاصمة صنعاء، وفق جدول زمني محدد، وتشكل لجان أمنية لمعالجة الأوضاع الأمنية في بقية المحافظات، وفي مقدمها تعز والحديدة.
7- تلتزم الحكومة الجديدة بالعمل على دعم جهود محاربة الإرهاب بكل صوره وأشكاله.
8- يتوجب على الحكومة الجديدة العمل على تأمين جميع الممرات الدولية والحدود البحرية.
9- تشرع الحكومة في إعداد قانون وترتيبات للمصالحة الوطنية و”العدالة الانتقالية”.
10- تلتزم الحكومة بالبدء في تحديد آلية للاستفتاء على الدستور، وإعداد قانون الانتخابات وفق جدول زمني يتراوح بين ستة أشهر وعام واحد فقط.
11- تتعهد الحكومة باتخاذ القرارات والتدابير اللازمة خلال هذه الفترة بشأن قضايا حقوق الإنسان ومكافحة الفساد وإعادة إعمار ما دمرته الحرب وغير ذلك.
تحفظت حكومة (الشرعية) على مبادرة كيري منذ اليوم الأول لإعلانها، وأكدت تمسكها بترتيبات قرار مجلس الأمن 2216، ثم ما لبثت السعودية والإمارات أن تراجعتا أيضاً عن دعم المبادرة. وحسب مراقبين فإن المبادرة الأمريكية طرحت في الوقت الضائع، مع اقتراب مغادرة إدارة أوباما السلطة، ما جعل بعض الخبراء الأمريكيين يشكك في إمكانية استمرار الدعم لمبادرة كيري التي جرى الإعلان عنها قبل شهرين فقط من انطلاق الانتخابات الرئاسية ونصف التشريعية في الولايات المتحدة الأمريكية( ).
مبادرة كيري بدت أيضاً غامضة للبعض في الداخل الأمريكي، وقال ماثيو ماكينيس الباحث في مؤسسة “أميركان إنتربرايز” إن الكثير من الناس في واشنطن لا يفهمون ما الذي يسعى إليه وزير الخارجية جون كيري بالضبط في مفاوضاته بشأن اليمن، وعزا ذلك إلى حرج الخارجية الأميركية التي تواصل دعمها لقرارات مجلس الأمن، وتجد صعوبة في الاعتراف بأن الكثير من قرارات الأمم المتحدة للحل في اليمن لم تعد قابلة للتطبيق على الأرض( ).
لاحقا ألمح تقرير للسفارة الأمريكية باليمن في يونيو 2018م أن الإدارة الأمريكية السابقة أرسلت إشارة خاطئة حين التقى كيري بالحوثيين في مسقط ومنحهم أوهاماً كاذبة في السلطة، وذلك على عكس موقف الإدارة الأميركية الحالية، حسب التقرير( ).
الترتيبات الأمنية في خطة ولد الشيخ
انشغلت الإدارة الأمريكية بالانتخابات الرئاسية، وتركت للمبعوث الأممي إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ، استكمال مهمة إقناع مختلف الأطراف بقبول مبادرة كيري، واستئناف المفاوضات على ضوئها. ومن الملاحظ أن الأمم المتحدة قد تعاملت بشيء من التناقض، فبينما كان مبعوثها يلمح إلى طرح مبادرة جديدة تتضمن الحل السياسي والأمني معاً، كانت المنظمة الدولية عاجزة عن توفير شروط آمنة لعودة وفد صنعاء المفاوض إلى اليمن، بعد أن أغلق التحالف السعودي مطار صنعاء الدولي في وجه الملاحة الجوية التجارية، ومنع السلطات العمانية من استئناف تسيير رحلات طيرانها إلى اليمن، والتي كانت مخصصة لنقل المرضى والجرحى.
في الأثناء أقدم التحالف في 8 أكتوبر 2016م على ارتكاب مجزرة بشعة بحق المئات من المدنيين الذين كانوا متواجدين في صالة عزاء آل الرويشان بالعاصمة اليمنية. ووجدت الأمم المتحدة نفسها في مواجهة ضغوطات متعددة تطالب بإيقاف الحرب والدفع بعملية السلام إلى الأمام، وهو ما حاول ولد الشيخ فعله حين عرض على الأطراف مبادرة أممية تتكئ إلى مقترحات كيري آنفة الذكر.
تضمنت خارطة الطريق الأممية دعوة الأطراف إلى “اتفاق مبدئي يتضمن ترتيبات أمنية وسياسية معا، وذلك لمنح الثقة لجميع الأطراف بأن الاتفاقية ستنفذ، وهذه الخطوات مجتمعة ستشكل اتفاقية كاملة وشاملة”( ).
لكن على عكس مبادرة كيري منحت الخارطة الأممية الجانب الأمني الأولوية في التنفيذ، على الأقل من ناحية الشكل، حين أشارت إلى ضرورة تنفيذ الانسحابات من صنعاء وتعز والحديدة، باعتبارها النقطة الحاسمة التي تمكن من تشكيل حكومة جديدة، ثم أشارت إلى ضرورة التوافق على شخصية جديدة لتعيينه نائبا للرئيس، وشخص ثان يتم تعيينه رئيساً للوزراء( ).
وفي التفاصيل تضمنت الخارطة دعوة الأطراف للاجتماع مجددا لفترة لا تزيد عن أسبوع، وذلك لوضع اللمسات الأخيرة على نصوص الاتفاقية الكاملة، والشاملة، ومن ثم توقيعها. وعقب التوقيع تعلن الأمم المتحدة عن الخطوات التالية( ):
1- تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال 30 يوما، إذا نفذت جميع الأطراف التزاماتها، كلا فيما يخصه.
2- بمجرد التوقيع على الاتفاقية الكاملة والشاملة، يستقيل نائب الرئيس الحالي، (الفريق علي محسن)، ويعين الرئيس هادي النائب الجديد للرئيس “المسمى في الاتفاقية”.
3- بموجب تراتبية الخطوات السياسية والأمنية التي تم التفاوض بشأنها والاتفاق عليها، تنفذ جموع صالح والحوثيين الانسحابات المتفق عليها من صنعاء، وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة.
4- تنقل جموع صالح والحوثيين جميع راجمات الصواريخ البالستية إلى طرف ثالث، ويعين الرئيس هادي أعضاء اللجان الأمنية التي ستشرف على تنفيذ الترتيبات الأمنية، ابتداء من اليوم الأول بعد الاحتفال بتوقيع الاتفاقية حتى اليوم الثلاثين تقريبا.
5- عند اكتمال الانسحابات من صنعاء، وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، بما في ذلك راجمات الصواريخ البالستية، ينقل الرئيس هادي، كافة صلاحياته إلى نائب الرئيس، ويعين نائب الرئيس رئيس الوزراء الجديد، الذي يحل محل الحكومة السابقة، في اليوم الثلاثين أو حولها، من بعد توقيع الاتفاقية.
6- تشرف حكومة الوحدة الجديدة على الانسحابات الإضافية وتسليم الأسلحة من المحافظات الأخرى، ومن تعز والحديدة، والتي يجب أن تكون قد بدأت، في اليوم الخامس والأربعين أو حولها، من بعد توقيع الاتفاقية.
7- تلتزم حكومة الوحدة الجديدة، بسياسية احترام حدودها الدولية، وحرمتها وسلامة أراضيها، واستخدام كافة موارد الدولة لاجتثاث المنظمات الإرهابية العاملة داخل الحدود اليمنية، وتمنع استخدام الأراضي اليمنية لتصدير الأسلحة القادمة من أطراف ثالثة لهدف تهديد المياه الدولية، أو أمن جيران اليمن.
8- بمساعدة الأمم المتحدة، ستبدأ حكومة الوحدة الجديدة، حوارا سياسيا لوضع اللمسات الأخيرة على خارطة الطريق الانتخابية ومسودة الدستور، وتطوير برنامج العدالة الانتقالية، في اليوم الستين أو حولها، من بعد الاحتفال بتوقيع الاتفاقية، متى ما أدى الوزراء اليمين الدستورية.
لم تخرج خطة ولد الشيخ الجديدة في معظمها عن تلك الأفكار والمقترحات التي تضمنتها مبادرة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، التي ارتأت أعادة ترتيب أولويات الحل السياسي من خلال “مسارين متوازيين” لكنها ظلت غامضة بشأن مستقبل هادي ونائبه علي محسن في السلطة، وضمان خروج آمن لهما، بالطريقة التي وفرتها المبادرة الخليجية للرئيس اليمني السابق( ).
وكما هو الموقف من مبادرة كيري رفض طرف هادي خطة ولد الشيخ، فيما اعتبرها وفد صنعاء أرضية مناسبة للنقاش( )، وبينما لزمت السعودية الصمت بانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ظهرت أصوات إعلامية خليجية تستحسن الخارطة الجديدة للحل السياسي والأمني من منطلق أنها “تحافظ على الشرعية، وتضع حدا للانقلاب الذي يلغي مؤسسة الحكم”، ورداً على موقف الحكومة (الشرعية) التي تعجلت ورفضت المبادرة، واعتبرتها مكافأة للانقلابين، لفت الصحفي السعودي عبدالرحمن الراشد إلى أنه لا يمكن انجاز مصالحة يدفع ثمنها طرف واحد من المتحاربين، وزارد بالقول: إذا كان الرئيس هادي يستطيع أن يفرض حلاً أفضل بالقوة، أو بالتراضي، من المؤكد أننا سنرحب به وندعمه، لكننا نعرف أنه لا يستطيع أن يفرض حله الذي يناسبه، ومثله الانقلابيون لا يستطيعون أن يفرضوا سلطتهم على الدولة رغم أنهم يحكمون صنعاء. وبالتالي في ظل هذا الاشتباك لا بد من طرح حلول فيها تنازلات من الجانبين( ).
لكن بمجرد فوز ترامب بالسلطة ووصوله إلى البيت الأبيض في نتيجة غير متوقعة، تبخر الأمل بالحل السياسي في اليمن، ولأن خطة الأمم المتحدة ارتبطت بمبادرة الإدارة الأمريكية السابقة، فقد فشل المبعوث الأممي في تسويق أفكار جديدة للحل تتطابق مع هوى الإدارة الأمريكية الجديدة، الأمر الذي عجل باستقالته، وتعيين المبعوث الأممي الثالث إلى اليمن مارتن غريفيث.
أمن السعودية والقناة الخلفية للتفاوض
برغم أن السعودية تزعم أن تدخلها العسكري في اليمن يأتي استجابة للرئيس هادي ولاستعادة ما يسمى بالشرعية، إلا أنها لا تخفي مخاوفها بشأن الأوضاع الأمنية لحدودها الجنوبية في ظل سيطرة أنصار الله على الدولة اليمنية. وعليه يؤكد مراقبون أن الحل للأزمة اليمنية لن يتأتى دون ضوء أخضر سعودي، وأن المملكة التي تواجه تحديا أمنيا في حدودها مع اليمن بعد أن تحولت إلى مسرح لعمليات عسكرية نوعية للجان الشعبية اليمنية، وللقوة الصاروخية البالستية، باتت بحاجة إلى قناة خلفية للتباحث مع أنصار الله من أجل ترتيبات معينة تضمن أمن المملكة في حال توقفت الحرب.
وحسب خبراء عديدين فإن الرياض لن تقبل بأي خطة سلام في اليمن لا توفر لها على المدى البعيد شريكاً مقبولاً يضمن تحييد سلاح أنصار الله وتسليم أسلحتهم الثقيلة وترسانتهم الصاروخية لطرف حكومة مرضي عنها سعوديا، إضافة إلى توفر ضمانات أخرى تتعلق بتحصين حكام السعودية من المسؤولية القانونية والأخلاقية عن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في ظل الحرب( ).
واستجابة لهذه المخاوف تضمنت مبادرة كيري نقطة مهمة تنص على انسحاب أنصار الله وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح من أطراف المدن والقرى الحدودية السعودية. وبالمثل فقد اقترح ولد الشيخ في خارطة الطريق آنفة الذكر إقامة منطقة عازلة مع السعودية، من خلال سحب كل المسلحين داخل الأراضي اليمنية المحاذية للحدود السعودية، إلى ما وراء مسافة ثلاثين كيلومترا.
المبعوث الدولي الجديد مارتن غريفيث هو الآخر لمح في أكثر من تصريح إلى ضرورة البدء من حيث توقفت مفاوضات الكويت، وأشار ضمنيا إلى المخاوف السعودية على أمن حدودها في ظل تصاعد إطلاق الصواريخ البالستية من اليمن( ).
في هذا الإطار يطالب البعض بآلية دولية ضامنة لتنفيذ الالتزامات( )، وهو مقترح وجيه من شأن إعماله تبديد الكثير من المخاوف وردم هوة عدم الثقة بين مختلف الأطراف.
نحو مفاوضات يمنية سعودية مباشرة
في ستينات القرن الماضي وقفت السعودية ضد ثورة 26 سبتمبر 1962م، والنظام الجمهوري الجديد في شمال اليمن، كما اتخذت موقفا معاديا من دولة الجنوب اليمني ونظامها الاشتراكي، غير أن خروج مصر من اليمن بعيد نكسة 1967م، جعل السعودية اللاعب الرئيس في شمال اليمن طوال ما يزيد عن نصف قرن.
وحين قامت الثورة الشبابية في 2011م، كان نفوذ السعودية ما يزال قويا، الأمر الذي مكنها من إطلاق المبادرة الخليجية التي أدت إلى إزاحة الرئيس صالح من رأس النظام وتقاسم السلطة بين طرفي المؤتمر الشعبي واللقاء المشترك على النحو المعروف.
لكن بعيد ثورة 21 سبتمبر 2014م وظهور أنصار الله كقوة معتبرة تبين للرياض أن نفوذها الكبير والتاريخي أصبح على المحك.
وبهدف استعادة النفوذ المفقود جاءت “عاصفة الحزم”، التي ظهرت في البدء وكأنها عملية عسكرية خاطفة تشكل ضغطا على أنصار الله تحديدا حتى يعلنوا ولاءهم للرياض كما فعلت بقية القوى السياسية التي استجابت وشاركت بمؤتمر الرياض بشأن اليمن، المنعقد بالسعودية خلال الفترة 17-19مايو2015م.
رفض أنصار الله الرضوخ لسياسة العصا والجزرة، وتعاملوا مع عاصفة الحزم كعدوان سعودي وأمريكي على اليمن. وبرغم أنهم ظلوا منفتحين على الحوار والتفاوض السياسي مع الأطراف اليمنية إلا أنهم أكدوا أكثر من مرة أن قرار الحرب والحل السياسي أصبح بيد السعودية نفسها.
طالت الحرب وأصبحت الرياض الطرف الأساسي فيها، وغدت مع دول التحالف العربي المسؤول الأول عن تداعياتها الإنسانية، ومع ذلك ما تزال المملكة ترفض التعامل معها كطرف في الصراع، وذهبت بها المبالغة في تقدير الذات إلى تسويق مقترح يدعو الأطراف اليمنية إلى التفاوض وتوقيع اتفاقية سلام في مكة المكرمة( ).
لكن بعد نحو أربع سنوات من هذه الحرب تتعاظم الخسائر السعودية سياسيا وعسكريا واقتصاديا، فقد فشلت في تأمين حدودها الجنوبية، ومع تصاعد عمليات القوة الصاروخية لأنصار الله أصبح العمق السعودي بكله تحت الخطر، كما أن اللجان الشعبية اليمنية لا تزال تسيطر على الكثير من المواقع والقرى السعودية في المحافظات الحدودية عسير، جيزان، ونجران.
وبالإضافة إلى استنزاف الاقتصاد السعودي في هذه الحرب، فإن فشل ما يسمى بالشرعية في إدارة المناطق التي تسيطر عليها، وتعاظم الصراع السعودي والإماراتي في الجنوب اليمني، يشكل تحديات كبيرة أمام استمرار الحرب، ويضع خطة استعادة النفوذ السعودي في مهب الريح.
كما إن الغطاء السياسي الدولي الذي تحظى به السعودية يتعرض لمحنة حقيقية في ظل التداعيات الإنسانية للحرب والحصار المطبق على اليمن. ومع تزايد تقارير المنظمات الدولية التي تتهم النظام السعودي بارتكاب جرائم حرب في اليمن – وآخرها تقرير لجنة الخبراء التابعة لمجلس حقوق الإنسان- ( )، تبدو الحاجة ملحة إلى البحث عن مخرج آمن للسعودية من مأزقها في اليمن.
إلا أن هذا المخرج الذي قد توفره الأمم المتحدة من خلال هندسة التسوية السياسية، لن يغني عن تفاوض يمني سعودي مباشر يضع حدا للحرب، ولكل المخاوف المشتركة بين البلدين.
ولا شك أن التفاهم السعودي اليمني سيوفر الإطار الضامن لاستئناف العملية السياسية في اليمن، وتجاوز عقدة الترتيبات الأمنية.
بيد أن أي عملية تفاوضية يمنية سعودية تتطلب هي الأخرى وسيطا دوليا- وربما عربيا- يضمن تنفيذ التزامات أطراف الصراع، ويساعد الأمم المتحدة على إنجاز تسوية سياسية شاملة ومستدامة.
وكما أن السعودية هي رأس الحربة وصاحبة الكلمة الفصل في الحرب على اليمن، فإنها وحدها من يمكنه إيقاف نزيف الدم اليمني، بشرط أن تفهم أن اليمن التي عرفتها وتعاملت معها في ستينات وسبعينات القرن الماضي قد ولت إلى الأبد.