على الرغم من المحاولات الحثيثة لواشنطن لدفع مجرى الأحداث في الشرق الأوسط لمصلحة “إسرائيل” وذلك عبر العمل على تنفيذ مشاريع غايتها تصفية القضية الفلسطينية وإغلاق هذا الملف قدر المستطاع عبر ترويض ما أمكن من الدول العربية للمساهمة أيضاً في هذا الاتجاه، وقد تمكّنت الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دونالد ترامب من أن تتخذ بعض القرارات المجحفة بحق الفلسطينيين ولكنها حتى اللحظة لم تؤتِ أوكلها كما هو مخطط له ويعود الفضل في ذلك إلى تضافر جهود قيادات المقاومة في المنطقة لإحباط مثل هذه المشاريع والتي كان آخرها “المشروع الأمريكي لإدانة حماس”.
المشروع الأمريكي لإدانة حماس
تقدّمت المندوبة الأمريكية نيكي هيلي بمشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين إطلاق حركة حماس الفلسطينية الصواريخ على الأراضي الإسرائيلية وكان هذا أول مشروع قرار يدين حركة حماس ويطرح أمام الجمعية العامة التي تضم 193 عضواً، ولكن نتيجة هذا المشروع جاءت محبطة للجانب الأمريكي والإسرائيلي، فقد رفضت الجمعية العامة للأمم المتحدة الخميس مشروع القرار، في المقابل اعتبرته الحركة الفلسطينية “صفعة” لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وفشل مشروع القرار الذي تقدّمت به السفيرة الأمريكية نيكي هيلي في الحصول على أغلبية الثلثين اللازمة لإقراره، وذلك بعد أن نجحت الكويت بأكثرية ثلاثة أصوات فقط في تمرير قرار إجرائي ينصّ على وجوب حصول مشروع القرار على أكثرية الثلثين لاعتماده، وهي أغلبية تعذّر على واشنطن تأمينها.
وأيدت مشروع القرار الأمريكي 87 دولة فيما عارضته 57 دولة وامتنعت 33 دولة عن التصويت.
ولم تفلح واشنطن في حشد التأييد اللازم لمشروع القرار على الرغم من الضغوط التي مارستها في الأيام الأخيرة والتي أثمرت دعماً بالإجماع من دول الاتحاد الأوروبي في تأييد نادر.
وفور سقوط مشروع القرار سارعت حماس إلى الترحيب بنتيجة التصويت، معتبرة إياها “صفعة” لإدارة ترامب، وصرّح الناطق باسم الحركة سامي أبو زهري: أن “فشل المشروع الأمريكي في الأمم المتحدة يمثّل صفعة للإدارة الأمريكية وتأكيداً على شرعية المقاومة ودعماً سياسياً كبيراً للشعب والقضية الفلسطينية”.
واعتبر القيادي في حركة حماس سامي أبو زهري أن فشل مشروع القرار في الأمم المتحدة يمثل صفعة للإدارة الأمريكية، وتأكيداً على شرعية المقاومة ودعماً سياسياً كبيراً للشعب والقضية الفلسطينية، كما رحّبت الرئاسة الفلسطينية بفشل تمرير هذا القرار.
كما اعتبر بيان لحركة حماس أن “فشل الإدارة الأمريكية في تمرير هذا القرار بمثابة انتصار كبير للحق الفلسطيني، وللحاضنة العربية والإسلامية، ولأحرار العالم، ولمحبي الشعب الفلسطيني، وفشل ذريع لسياسة الهيمنة والعربدة الأمريكية، وهزيمة مدوّية للإدارة الأمريكية وسياساتها في المنطقة”.
دلالات القرار الجديد
أولاً: فشل تمرير القرار يدل على أن قدرة واشنطن على التأثير وإن كانت لا تزال قوية نسبياً إلا أنها لم تعد قادرة على إجبار العديد من الدول حتى الحليفة منها على تمرير مثل هذه القرارات ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط التي ذاقت أغلبية دوله مرارة التمادي الإسرائيلي ودوره في إثارة القلاقل والنعرات في المنطقة.
وعلى الرغم من قيام بعض الدول العربية ولاسيما الخليجية منها على تطبيع العلاقات مع تل أبيب في الأشهر الأخيرة، إلا أن معارضتهم لهذا القرار “لأي سبب من الأسباب” تدلّ على أنهم لا يتخلّون عن دعم القضية الفلسطينية بسهولة وأنهم ما زالوا يفكرون فيها.
وخلال التصويت لعبت الجزائر وإيران والكويت وقطر وتركيا، فضلاً عن العديد من دول أمريكا الجنوبية، دوراً مهماً في عدم التصويت على هذا القرار، كما أن السلطة الفلسطينية بزعامة محمود عباس، وعلى الرغم من الخلافات الموجودة بينها وبين الحركة، إلا أنها دعمت حماس وبذلت جهداً جاداً لمنع تمرير القرار.
ثانياً: يدين القرار الصواريخ التي تطلقها حماس على الجانب الإسرائيلي إلا أنه لم يذكر أي هجمات أو أعمال إسرائيلية ضد الفلسطينيين وكأن الصهاينة يرسلون الورود إلى الضفة وغزة، لماذا لم يذكر القرار الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وكيف يحاصرون القطاع ويمنعون عن سكانه كل شيء؟.
الحقيقة أن الإدارة الأمريكية الحالية تحاول تمرير ما أمكنها من قرارات عبر الضغط على دول الاتحاد الأوروبي وتهديد هذه الدول بالعقوبات، ونفس الأمر مع الجانب العربي، ولكن لم تستطع حتى اللحظة قلب الموازين لمصلحتها لا عبر الأزمة السورية ولا الداخل اللبناني ولا حتى في الداخل الفلسطيني الذي أثبت تلاحماً منقطع النظير عند الشدائد.
ثالثاً: هناك أمران آخران اتضحا من خلال هذا القرار، الأول: رضوخ واشنطن لإسرائيل واللوبيات الإسرائيلية في واشنطن حيث اتضحت الأمور أنها على هذا النحو منذ وصول الرئيس دونالد ترامب لرأس السلطة وما تبع ذلك من قرارات لم يجرؤ أي رئيس سابق على تمريرها ولاسيما موضوع نقل السفارة.
الأمر الثاني: أن نيكي هيلي التي حاولت بكل ما تستطيع خدمة “إسرائيل” خلال فترة عملها في الأمم المتحدة إلا أن جميع محاولاتها باءت بالفشل وما محاولة تمرير هذا القرار إلا دليل على أن هيلي تقوم بمحاولتها الأخيرة لتقول إنها أنجزت أمراً ما قبل نهاية عملها في الأمم المتحدة والتي أصبحت قريبة جداً.