أكثر ما يؤلمك ككاتب هو أن تَضِلَّ حروفك في الغالب طريقها إلى الفكرة المنشودة منها لتقع فريسة لأنياب التأويل بالضد لما ترمي إليه، وأكثر ما يعزيك أن هذا حدث ويحدث مع كتاب الله ذاته ، فالدلالات – في تفاوتها – ليست موقوفة على وضوح اللغة أو إلغازها بل على تفاوت مصالح المتلقي المادية والروحية من حملها على ما لا تحتمل تخديماً لها بين يدي غرائزه ونقائصه وأهوائه وتحولاتها في الزمان والمكان.
إن وضوح اللغة يجعلها أكثر عرضة لتضارب التلقي ، منها حين تكون ملغزة ، فالناس بجبلتهم – عدا عن أهوائهم – يشيحون أبصارهم عن الضوء كلما ازداد سطوعاً وجلاءً ويأنسون للظلام كلما اشتد ويلوذون بالشموع فراراً من الشموس وإلا لما تضاربت وتعددت التفاسير حول (قرآن عربي مبين) و (غير ذي عوج) فألحد به فريق من أقحاح العرب إلى أعجمي ملغز غريب!
إن الدلالات هي من الوفرة خارج النص أكثر منها داخله، بما يجعل من كل نص غريباً عن ذاته أمام تأويلاته التي لا صلة لها بما أودعه مبدع النص فيه من قصدية ودلالة إلا في النادر.
الكتابة إذن هي فن الغواية لا الهداية وهي تغدو آسرة وذائعة ومؤثرة بقدر ما تحمله من فخاخ دلالية منغمة مخبوءة خلف الجرس العذب وطراوة الأديم وملق الخطاب وشطحات المخيال ووخز الغرائز لا بقدر ما تحمله من حقيقة وجرأة وسطوع ومكاشفة بلا ذلاقة ولا مداهنة.