بعد مرور أشهر على اعتقال الحكومة السعودية لبعض أبرز الناشطات، أفادت تقاريرجديدة بتعرضهن للتعذيب والاعتداء الجنسي أثناء الاحتجاز. شملت تلك الشهادات المروعة، الواردة من مصادر متعددة، ادعاءات تتراوح ما بين الصعق بالكهرباء والجلد إلى الإجبار على التقبيل والتحرش على أيدي محققين ملثمين.
وإذا ثبتت صحة تلك الشهادات فإنها ستشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية مناهضة التعذيب، التي وقعت عليها المملكة العربية السعودية. كما ربطت مصادر مقربة من هؤلاء النساء سوء المعاملة التي تعرضن إليها بسعود القحطاني، وهو أحد كبار المستشارين السابقين لولي العهد محمد بن سلمان، والمتورط أيضاً في مقتل جمال خاشقجي، المساهم في صحيفة “واشنطن بوست” والناقد السعودي البارز.
ومع ذلك، لم تحظ هذه الأخبار المروعة حتى الآن سوى باستجابة ضئيلة من المجتمع الدولي، الذي تجاهل مراراً مأساة هؤلاء النساء اللواتي بدأت معاناتهن منذ عدة أشهر، إذ اعتقلت العديدات منهن منذ مايو/أيار الماضي، إثر اتهامات ملفقة بالخيانة العظمى. جاء ذلك في الوقت الذي سيطرت فيه حالة من الانبهار بولي العهد على معظم وسائل الإعلام الغربية وقادة العالم، باعتباره المصلح المرتقب، مما حملهم على التراخي عن مواجهة الأمير حول هذه المسألة. وحتى في الوقت الذي حذرت فيه مجموعات حقوق الإنسان من إساءة تطبيق أحكام العدالة، آثرت معظم وسائل الإعلام الرئيسية التركيز على سردية «النهضة السعودية»، التي شهدت منح حاكم شاب معتدل المرأة حق القيادة.
في نهاية يونيو/حزيران، ومع رفع الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة، تغاضى الكثيرون عن المفارقة في بقاء العديد من الناشطات اللاتي أفنين سنوات أو عقود من حياتهن دفاعاً عن حقوق المرأة وراء القضبان. وبعيداً عن الاحتفالات التي نظمتها الدولة، فقد لعبت هؤلاء النساء دور الإنذار المبكر بالخطر، بينما تركهن العالم لملاقاة مصائرهن في هذه الدولة السعودية «الجديدة» التي يحاول ولي العهد إرساء قواعدها.
في النهاية، احتجنا لعملية القتل المفزعة التي تعرض لها خاشقجي للفت انتباهنا لطبيعة حكم ولي العهد. لم تكن حادثة القتل سوى امتداد لما كان قد أصبح بالفعل نهجاً وحشياً راسخاً من القمع من قِبل ولي العهد.
أمسى الاعتقاد الوجيز في مستقبل ولي العهد بوصفه زعيماً عالمياً شرعياً موضع شك، ولا سيما في مواجهة مجموعة متزايدة من الأدلة، بالإضافة إلى الاستنتاج الموثوق الذي توصلت إليه وكالة المخابرات المركزية، المشير إلى تورط ولي العهد. ولكن باستثناء التهديد بفرض القليل من العقوبات الجزئية وبعض التصريحات الصارمة من السياسيين وجماعات حقوق الإنسان، لم تواجه الحكومة السعودية سوى القليل من العواقب الوخيمة. بقي ولي العهد حاضراً على المسرح العالمي، بينما أثنى عليه الرئيس ترامب مراراً وتكراراً وأكد مجدداً على ولاء الولايات المتحدة للسعودية.
وبينما يرى البعض أنه من المرجح أن يزداد ولي العهد حذراً بعد هذه الفترة التي اتسمت بالعديد من الفضائح، فإن مثل هذا التقييم يتجاهل حقيقة تفشي الوحشية في حكمه منذ البداية. وهو ما تبدى بوضوح في قضية الناشطات. إذ أظهرت عمليات اعتقالهن، قبل مقتل خاشقجي بوقت طويل، طبيعة النهج السياسي الوحشي الذي يتبعه ولي العهد لكي يتمكن من القمع الاستباقي للنقاد المحتملين وكذلك للمعارضين النشطين. كانت معظم هؤلاء النساء قد ابتعدن بالفعل عن المشاركة في التنظيم السياسي في وقت احتجازهن، وقد تلقى العديد منهن، بما في ذلك الناشطة الحقوقية لجين الهذلول، تحذيرات من الديوان الملكي لوقف نشاطهن.
ومع ذلك، يبدو أن إمكانية ضلوعهن في المزيد من النشاطات في المستقبل كانت أكثر مما يُمكن أن يتقبله ولي العهد، الذي كافأ امتثالهن بسحبهن من منازلهن إلى غياهب نظام العقوبات السعودي. (في بعض الحالات، تعرضت هؤلاء النساء لحظر السفر في وقت سابق أو الإعادة القسرية إلى الوطن، وهو ما يحمل أوجه تشابه مشؤومة لما حدث مع خاشقجي في المنفى). كما كان ينبغي أن تكون المعاملة التي تعرضت لها هؤلاء النساء بعد اعتقالهن مؤشراً، فبينما كان يجرى التعامل مع المعتقلات من النساء في المملكة العربية السعودية في صمت عادةً، تعرضت هؤلاء النساء لحملة غير مسبوقة من التشهير العام. ووزعت الحكومة تقارير مخيفة تتهمهن بالتجسس لصالح جهات أجنبية، وبالضلوع في المؤامرات القطرية، واتهمتهن بتشويه سمعة الدولة السعودية. كما نشرت الحكومة صوراً شخصية لكثير من هؤلاء النساء، وهي خطوة صادمة في مجتمع لا يزال محافظاً. وكما قال لي أحد خبراء حقوق الإنسان العاملين في المنطقة، «لم نر أبداً صور وجوه النساء مطبوعة على الصفحات الأولى بهذه الطريقة، إنه اعتداء على شرفهن، وشرف عائلاتهن، ما يُمثل خطراً جسيماً عليهن جميعاً». (من الجدير بالذكر، أن الثمانية عشر سعودياً الذين اعتقلتهم الدولة فيما يتعلق بمقتل خاشقجي لم يُكشف عن أسمائهم علانية).
في هذه اللحظات، كشف ولي العهد أنه لا يلتزم حتى المعايير التقليدية لثقافته أو دولته. ومن خلال عدم الاعتراف بالقسوة غير المسبوقة في هجومه على المعتقلات، فقد المجتمع الدولي العديد من الفرص الهامة لمعاقبة ولي العهد، وهو العقاب الذي كان ليأتي قبل أشهر من وفاة خاشقجي. وبدلاً من ذلك، أرسل التجاهل الجماعي لسوء معاملة هؤلاء النساء إشارة إلى ولي العهد بالمضي قدماً في مسيرته نحو السيطرة أحادية الجانب على كل من القوى الصارمة والناعمة في المملكة.
لقد كانت هذه المهمة أحادية الجانب هي ما شجع ولي العهد على تشديد الرقابة على الصحافة السعودية، في الوقت الذي أنفق فيه الملايين للترويج لنفسه على أنه مصلح ليبرالي. هذه الرقابة هي التي دفعت خاشقجي إلى الفرار من المملكة، وهي التي شجعته على نقد العائلة المالكة علناً، رغم دعمه السابق لها. أدرك خاشقجي هذه الإشارات، ودفع ثمناً باهظاً لقراره بتسليط الضوء عليها.
لقد فات أوان التشكيك في طبيعة حكم ولي العهد منذ فترة طويلة. وكما تذكرنا تلك التقارير المروعة عن عمليات التعذيب، لا يزال هناك الكثيرون ممن يدفعون ثمناً باهظاً لسذاجتنا التي لم تكن في محلها. وبينما لن يرى معظمنا السجون السعودية من الداخل، فإن وجود ولي العهد لا يشعر بالندم على أفعاله، يعد خطراً عالمياً. وإذا ما بقي ولي العهد مقتنعاً بأنه لن يواجه أي عواقب وخيمة جراء أعماله الوحشية، يمكننا أن نتوقع أن تسيل المزيد من الدماء في المملكة العربية السعودية وفي اليمن، وربما في أماكن أخرى.