الدولة اليمنية الحديثة بين الرؤية والتطبيق
الدولة اليمنية الحديثة بين الرؤية والتطبيق
من المؤكد أن المجلس السياسي الأعلى حين تقدم بمشروع الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة كان يدرك حجم التحديات التي تعترض خطواته الداخلية لترتيب البيت اليمني برؤيته التي أراد من خلالها إرسال مؤشرات إيجابية للدفع بالوضع الراهن والمتأزم للأمام حين حملت رؤيته عناوين تطمين وتحفيز في ذات الوقت لمن لازال يتوجس رهبة وخيفة من توجه حركة أنصار الله بالذات وسياساته في عدة مواضيع كالتعددية السياسية والحريات العامة والتوجه المدني التي تم تسويق الأمر للداخل والخارج على حد سوا بأن مستقبلا مظلما ينتظر البلاد فيما لو وضعت الحرب أوزارها على نتائج تعزز من تمدد وسيطرة الحركة على الوضع العام خاصة في المناطق التي يسيطر عليها المجلس السياسي الأعلى في البلاد.
لذلك تقدم برؤيته تلك ليوجه عدة رسائل منها هذا ومنها أنه يمضي قدما في تعزيز قوة إدارته للوضع السياسي بنفس قوة إدارته للمواجهة العسكرية وأنه يمثل توجها مدنيا سيسهم حاليا ومستقبلا في بناء دوله يمنيه تتمتع بمشاركه واسعة لألوان الطيف السياسي والاجتماعي في البلاد .
ومن المؤكد أيضا أن كثير من المهتمين قد اطلعوا على ما تناولته الرؤية ومنهجية إعدادها وخطواتها التنفيذية الإستراتيجية المزمنة وما حملته بين دفتيها من رؤى وأفكار وأهداف تصب بمجملها الى الخروج باليمن من مستنقع الفساد الشامل الرسمي والشعبي وجبر الضرر الناتج عن الصراعات السياسية والعسكرية والتي بلا شك أن نتائج العدوان الحالي واحدا منها.
ما يهمنا في الموضوع برمته أننا وبحكم الانتماء للقضية الام قضية الوجود التي نسعى لان يكون بدوله نعتز بترابها وتاريخها ويهمنا أن تتعافى من كبواتها التي أحدثتها سياسات أنظمة متعاقبة أفسدت وسلمت اليمن للهيمنة الإقليمية والدولية وكذلك فهي استجابة لطلب مقدمي الرؤية بإبداء الرأي والملاحظة حول ما تضمنته الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة.
وخلاصة القول أن هذه الرؤية ومن حيث المضمون فقد حملت إيجابيات متعددة لو لم تكن الا إنها قدمت في زمن لا صوت يعلو فيه على صوت البندقية ما يعني ان اهتمام المجلس السياسي الأعلى بتقديمها وتزمينها ما هو إلا حلقه مضيئة من حلقات الحكمة اليمانية ولكن ذلك لا يعني انها قد قدمت رؤية شامله وعلاجات ناجعة يمكن الركون والوثوق عليها وبها لتكون هي الحل الأول والأخير فالرؤية لازالت بحاجة الى إعادة قراءة في بعض بنودها ومن وجهة نظري الشخصية فإن قضية شكل الدولة وامتدادها الجغرافي الذي ستطبق فيه الرؤية فيها غموض كامن لانه حسب فهمي لا يتعدى حدود ج . ع . ي هكذا أراها وربما هي كذلك عند مقدمي الرؤية ويؤكد هذا الرأي مرجعية التنفيذ والرقابة والضامن لتنفيذها ونجاحها والذي لم يخرج عن سلطه المجلس الاعلى وحكومة الإنقاذ في صنعاء وهذا بنظري يعد اختزال لنضالات شعب الجمهورية اليمنية خاصة في الجنوب وتسليم لمعضلة القضية الجنوبية ليد دعاة الشرعية المزيفة ومن ورائهم التحالف الغاشم والاستكبار العالمي الذي يقود عدوانه على اليمن ليستعيد قراره وهيمنة وحينها نكون بهذا القصور قد ضيقنا من عمقنا الإستراتيجي المتعلق بالأمن القومي اليمن.
هنا يجب التأكيد على اعادة النظر في حساب أولويات الرؤية خاصة في مرحلتها الأولى بحيث تشمل وضع الحلول الكاملة لكوارث العدوان والتي أهمها سعيه الحثيث لتجزئه البلاد وأقلمتها وكذا إعادة منظومة الحكم السابق الفاسدة للواجهة من جديد وهذا مالا يمكن القبول به كونها تتعارض مع أهداف ثوراتنا المتلاحقة وتفرط في تضحياتنا الجسيمة.
وهنا علينا ان نضع في أول أولوياتنا هاتين المعضلتين واللتان تشكلان كارثة ستدفع مستقبلا إلى مزيد من الأزمات والحروب وما تبقى من عناوين قدمتها الرؤية فهي مكملة للوصول الى بناء دوله يمنيه حديثه تتضافر فيها جهود المخلصين والشرفاء من أبنائها للقضاء على منظومة الفساد وتعيد للعملية السياسية اعتبارها وتحافظ على الحقوق والحريات العامة والعدالة والمساواة طالما امتلكت قرارها السياسي والسيادي المستقل.
والله من وراء القصد ..
*عميد معهد التدريب الإعلامي