حين يكون الموت عنوان الحياة!
إلى روح الفقيد المناضل / علي صالح عباد (مقبل)
عبد العزيز البغدادي
كان ولايزال دور الفرد في مجتمعاتنا العربية أكبر من دور الجماعة، هذا قول قد يبدو فيه من المجاز أكثر مما فيه من الحقيقة، لكن المجاز له في لغة العرب أكثر مما له في غيرها من اللغات لعوامل عديدة ومتشعبة؛
المهم في الأمر أن دور الفرد كان محورياً وأظنه سيبقى كذلك لأن الفرد نواة المجتمع ولأن تنظيم وحفز النشاط الإنساني يبدأ بفكرة ثم كلمة يلتف حولها الناس ويتوسعون في فهم وتطبيق مضامينها، والفكرة والكلمة حتماً لا تنطلق من عدد من الأشخاص في آنٍ واحد ولكنها تتمحور أولا في ضمير فرد لديه حافز وإحساس بالمسؤولية تدفعه للدعوة إلى البداية في العمل ؛
هكذا كانت الرسالات وهكذا بدأت النظريات التي أثَّرت في المجتمعات وأنتجت كل هذا التطور الإنساني المادي والمعنوي بماله وما عليه: (إنًّ إبراهيم كان أمةً قانتاً للهِ حنيفاً ولم يكُ من المشركين) س – النحل آية (120)، (ياداوودُ إنا جعلناك خليفةً في الأرضِ فاحكم بين الناس بالحقِّ س – ص من آية (26) ؛ (وكل إنسان ٍ ألزمناهُ طائرهُ في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشورًا ) س – الإسراء آية 13- ولأن العلماء ورثة الأنبياء ولكل إنسان رسالة يؤديها في دنياه التي هي مرحلة اختبار وطريق الانتقال إلى الحياة الأخرى فسيظل هذا الإنسان المسؤول مستمراً في أداء الرسالة التي هي خلاصة حياته وجوهرها وما عداها ليس أكثر من غرائز محضة ينطبق عليها ما قاله الإمام علي كرم الله وجهه : ( إن الله سبحانه ركَّبَ في الملائكة عقلاً بلا شهوة وركَّب في البهائم شهوة بلا عقل وركَّب في بني آدم كِلَيهِما فمن غلب عقله شهوته فهو خيرٌ من الملائكةْ ومن غَلَبَتْ شهوته عقلُه فهو شرُّ من البهائمْ .)؛
والغرائزيون اليوم هم أولئك الذين ينطلقون بغرائزهم ومن خلالها من الحالة الفردية إلى حالة تأخذ طابع المؤسسة أو باسمها المتمثلة في حزب أو جماعة أو منظمة أو مؤسسات حكومية تسخَّر في خدمة غرائز البعض الذين غالباً ما كانوا في عصرنا ضمن سلسلة منظمة من الغرائز المحكومة من خارج المنظومات المحلية التي تتشابك مصالحها وتترابط بصورة كان الفرد الشرير الممثل لها قد تحوّل إلى رمزٍ وتحول بقية أفراد المكون أو المنظمة إلى جوقة تابعة ذليلة مسبحة ومهللة بحمد الرموز التي صنعتها وساعد على صنعها الخنوع والاستسلام للتلاعب بالانتماء ورهنه بتحقيق المصالح الشخصية الأنانية للبعض فهم مع الوحدة الاندماجية حين تكون خادمة لأطماعهم ومع الانفصال إذا صار ملبياً لرغباتهم ونزواتهم ولو كان الداعي إليه المملكة التي كانوا يدركون حقيقتها ويطلقون عليها العدو التاريخي مع يقينهم بأنها لا تمثل منذ نشأتها سوى مصالح الشيطان الذي أنشأها ودعم وجودها على حساب كل الجوار وأسسها على الدماء والمآسي!؛
أصحاب هذه الغرائز لهم الدور الأوفر في كل هذا العدوان الذي تتلظّى اليمن من نيرانه منذ أربع سنوات لأنهم أي الغرائزيون قد فتحوا لرأس الشيطان عقولهم ولقرنه قلوبهم ليكون ذلك عنواناً لشرعية الإفساد في هذه الأرض ؛
ما يزال وربما سيظل للمفهوم السحري للقيادة القول الفصل في حياة الشعوب ، ولأن بعض القيادات تتأثر بهالة الإعلام وفاعلية شِلل النفاق فإن روح التجبر والغرور والاستبداد تتمكن من السيطرة عليها والتأثير في سلوكها فتَضلُّ وتُضلُّ لما امتلكته من قدرة على اتخاذ القرار الذي تطور تدريجياً إلى أن أصبح أقرب إلى الحق الإلهي منه إلى العمل الجهادي التشاركي الذي ينتج أفضل الآراء وأكثر القرارات قرباً من الصواب ، وما أتعس الحاكم الفرد المستبد حين يستسلم للغرائز التي يغذيها النفاق ويتحكم فيها التسلط وما أحوج الإنسان إلى معرفة أن ما بين الميلاد والموت إنما هي مسافة اختبار لمدى قدرته على أن يكون إنساناً مثمراً ومنتجاً ومتمسكاً بواجب القيام بما يمكنه القيام به من أجل النجاح في الامتحان ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسنُ عملاً وهو العزيز الغفور ) صدق الله العظيم س – الملك آية (2) .وفي سبيل خالقه الذي دعاه للإخلاص في العمل متمسكاً بالحق والعدل لخير المخلوق أما الخالق فهو أغنى من أن يحتاج لمخلوقه الذي غالباً مايسيء من حيث يظن أنه يحسن وكثيراً ما تصبح الإساءة له منهجاً يرتزق منه ، وهناك نماذج من البشر يدركون أن الدين والوطنية الحقة والإنسانية إنما هي سلوك يجب ترجمته على الأرض لتكون حياتهم رسالة خالدة عبر الأجيال ؛علي صالح عباد (مقبل) إنسان بقي بشموخه وهدوئه المدوي مناضلاً سياسياً يمنياً أصيلاً لم يقبل المتاجرة بالسياسة أو الدين ولابالإرتهان لأي دولة خاصة هذه الدويلات الملكية المصطنعة الفاقعة في استبدادها وعمالتها ونفاقها وتجرؤها الوقح علي اليمن بكل تأريخه وكيانه والتي أراد المتاجرون تحويلها بالتضليل إلى راعٍ لما يسمى ا لشرعية المحنَّطة وحامي حمى أمراء العدوان والحرب والفساد ،الذين ادّعوا كذباً وزوراً تمثيلهم للجمهورية والديمقراطية وذهبوا إلى الرياض ليتسولوا إعادة الجمهورية والوحدة والديمقراطية ودولة القانون ممن يعتبرها أي هذه المفردات جرائم يجب معاقبة كل من يرفع شعاراتها والحكم عليهم بالإعدام ؛ لروح هذا المناضل الشريف من الله الرحمة والغفران وله في الملكوت الأعلى التحية والسلام ولكل ذويه ومحبيه الصبر والسلوان وخالص العزاء.
الموتُ عنوان الحياة
تجدُّداً وتبدلاً
كن مستعداً للرحيل مجاهداً ومعانداً
واخفض جناحك خاشعاً مستبشراً
للوالدين وللإله تفكراً وتشكراً
وانفض غبار الذلِّ للطغيان دون ترددٍ
من ذلّ للطغيان حقّرَه ُالورَى
وانبذ مجاراة الغَرور وأهله
دوماً فرأس البؤس أن تتكبّرَ.