إلى أصدقاء اليمن في حزب العمال البريطاني
عبد العزيز البغدادي
في يوم الثلاثاء 12/ فبراير 2019 قرأت منشوراً على صفحة (labour friends of Yemen) في الفيس بوك يقول: (بأن مجموعة أصدقاء اليمن في حزب العمال البريطاني تعمل كمنتدى سياسي داخل حزب العمال لتوفير مناخ ملائم لنقاشات بناءة ومسؤولة حول كل ما يتعلق باليمن بهدف تعزيز ودعم رؤية واضحة لكل ما من شأنه تحقيق سلام مستدام ومساعدة الشعب اليمني في إعادة بناء دولة حديثة قائمة على مبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان وسيادة القانون والمواطنة المتساوية).
لنفترض أن مثل هذه المبادرات والجهود الشخصية الفردية لبعض الطيبين من منتسبي حزب العمال أو غيرهم من أبناء الشعب البريطاني يمكن أن تساعد على غض الطرف عن التاريخ المليء بالمآسي لبريطانيا الاستعمارية في المنطقة ودورها الرئيس في زرع ودعم إنشاء الكيان الصهيوني والكيانات العربية المتصهينة والتي لا تزال تديرها كإحدى وسائل نهب ثروات المنطقة وتمويل الإرهاب؛
لنفترض أن غض الطرف عن هذه الأدوار التي لعبتها بريطانيا في صناعة الأنظمة الديكتاتورية قبل انسحابها من الوجود المباشر في المناطق التي كانت واقعة تحت احتلالها خلال القرن الماضي، وكل عربي ومسلم على استعداد لأن يبدأ صفحة جديدة مع بريطانيا قائمة على العلاقات السوية بين الدول التي من مبادئها الاحترام المتبادل ورعاية المصالح المشتركة التي لا تقوم إلا بالاعتراف الكامل والصادق بسيادة واستقلال الدول وعدم التدخل في شؤونها؛
ولكن غض الطرف عن الجرائم وفتح صفحة جديدة لا تكون مقبولة ومجدية في بناء المستقبل إلاّ حين ترى تغييرا في سلوك مرتكبها أو تعبيراً عن الاستعداد للتغيير، فهل يرى أصدقاؤنا أن لدى بريطانيا اليوم الاستعداد لفتح صفحة جديدة من العلاقات تقوم على هذه المبادئ وهي التي استبدلت الاستعمار الخشن بنسج خيوط الاستعمار الناعم ذي الأوجه المتعددة؟!
وهل يرى أصدقاؤنا المناخ مهيً لمثل هكذا مبادرة ؟!،
بلا شك أن السعي لتحقيق هذه المبادئ الأساسية والاعتراف بها والانطلاق من خلالها عمل إنساني وأخلاقي عظيم يستحق كل تقدير ولكن يتوجّب على الساعين أن يسألوا أنفسهم بداية هل باستطاعتهم تحقيق هدف بسيط وبسيط جداً يعبر كما يقال عن صدق النوايا وهو دفع الحكومة البريطانية إلى الإسراع بتبني قرار بديهي جداً جداً وهو العمل على تشكيل لجنة دولية محايدة للقيام بالتحقيق حول جريمة اختطاف الشرعية الدولية واستخدامها لدعم جرائم العدوان على اليمن التي ارتكبها منذ أربع سنوات ولا يزال يرتكبها صباح مساء وبوحشية لا نظير لها دون تفريق بين أهداف عسكرية أو مدنية بل وبتعمد أن تكون الأهداف الرئيسية هي ضرب المدارس والمستشفيات والموانئ وصالات العزاء والأفراح ومزارع الدجاج والأبقار والأسواق الشعبية والمساجد وجميع الأهداف المدنية والإنسانية ومعلوم أن بريطانيا هي إحدى الدول الرئيسة التي هندست لهذا العدوان وإن اطلق عليه التحالف السعودي فالجميع يعرف أن السعودية والإمارات ليستا أكثر من ألعوبة تافهة بيد بريطانيا وأمريكا والكيان الصهيوني وقد كشفت زيارة وزير خارجية بريطانيا الأخيرة لعدن في3/3 2019 والتصريحات التي أطلقها هذه الحقائق ؛
مع العلم أن هذا المطلب البديهي كان المفترض أن يتم منذ اليوم الأول للعدوان، فهو مطلب تقتضيه مبادئ العدالة الدولية وحقوق الإنسان المغيبة خلال سنوات العدوان التي برهنت على أن العالم يعيش في غابة لا يستطيع أحد وصف ما فيها من توحش وتجاهل واضح لكل المبادئ والقيم والتشويش عليها باستخدام الأكاذيب والتضليل، هذه ليست دعوة لليأس لكنها تساؤلات تبحث عن محاولة للإجابة!؛
أعلم أن جزءاً كبيراً من هؤلاء الأصدقاء لا يعتبرون ما يجري على اليمن عدوان بل ويصفونه منذ بدايته بالحرب المشروعة وقد رأيت من يصف تحالف العدوان بتحالف الشرعية وتتبجح السعودية بأنها تقوده بحجة إعادة الفار العبقري الشرعي هادي وفرقته المقاسمة له في الفساد ليحكم لأنه يندر بل يستحيل أن يوجد مثيل لكفاءته وشرعيته !؛
ولإدراكنا أن بعض الأصدقاء على قدر كبير من المصداقية ولكن غابت أو غيبت عنهم الحقيقة فإن المطلوب ليس الاعتراف بدون وعي بأن ما يجري عدوان وانما إعادة قراءة القانون الدولي والإنساني ومبادئ حقوق الإنسان وحينها سيعلمون أن ما يجري على اليمن هو أبشع جريمة عدوان مصرح له دولياً عبر التأريخ مصحوب بآلية تضليل ومغالطات غير مسبوقة لعبت فيها بريطانيا وأمريكا أقذر الأدوار وإلا فهل يعقل أن تكون النخب الحاكمة والسياسية في بريطانيا والعالم تجهل تأريخ الإجرام السعودي منذ إنشاء مملكتهم على يد بريطانيا وممارسات هذه المملكة في دعم الإرهاب ونشر ثقافته على مستوى العالم وهل يعقل أن يكون تحالف يقوم بكل هذه الجرائم المشهودة عالميا مؤهلاً لأن يطلق عليه (تحالف دعم الشرعية ) هل يعقل أن يوجد لدى هؤلاء ذرة من عقل أو بعض من ضمير؟؟؟!! ، المطلب البديهي لكل انسان له أبسط علاقة بالإنسانية هو الدعوة الجادة لتشكيل لجنة دولية محايدة إن أمكن إيجادها للتحقيق حول ما ارتكبته ولاتزال ترتكبه هذه الشرعية المحترمة والمدعومة من دول تدعي أنها ديمقراطية وتتباكى على حقوق الإنسان المنتهكة في البلدان غير التابعة لها وتتغافل عن جرائم يندى لها جبين الإنسانية تقوم بها الدول والكيانات التي أنشأتها أو دعمت إنشائها!؛
فهل هذا ممكن أيها الأصدقاء الأعزاء، صحيح أن الوقت قد تأخر لكن مثل هذه الجرائم لا تتقادم وسيظل الوقت دائماً أداة لمن هو على استعداد لفتح أبواب عقله وضميره؟!
أما استمرار اعتبار الجرائم التي ترتكب بحق أطفال اليمن وأبنائه دعما للشرعية فلعنة السماوات والأرض على هذه الشرعية وعلى من يحمل مثل هذا الاعتقاد ويدعمه أو يسكت عنه، ونسأل الله للطيبين والمخلصين الهداية والسداد والشكر لكل من يستحق الشكر وتحية المحبة لكل من يُجدُّ في البحث عن الحقيقة والعدالة ولن يكون ذلك ممكناً مع استمرار هذا التوظيف السيئ للأفراد والدول!
شرعية الموت
تحصي الأنفاس وتذيب الضمائر
تنهب الأرواح
وتغطي العقول بغطاء من لهب
يحسبه الجائع ذهباً
إنه عصر الأكاذيب المشيدة
على أعمد ة من ورق