“بدر- اف” صاروخ يمني باليستي جديد … أهميته الميدانية والاستراتيجية
شارل ابي نادر
في الحقيقة، لم يعد يجد المتابعون للحرب
على اليمن او الاختصاصيون -مؤخراً- اي غرابة او ما يدعو للتساؤل عن المستوى
المرتفع الذي تتميز به القدرات العسكرية التي تطوِّرُها وتُصنِّعَها دائرة التصنيع العسكري اليمنية، لأننا نتكلم عن مسار متصاعد ناهز الاربع سنوات ونيفاً من التصنيع والتطوير المتقدم، والذي يثَبِّت يوما بعد يوم مصداقية ما يصرح به القادة اليمنيون وفي مقدمتهم قائد انصار الله السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي.
من هنا، جاء الصاروخ “بدر- اف” الاخير ليؤَكد هذه المعادلة ويثبتها، وليضع مرة جديدة تحالف العدوان على اليمن والدول الكبرى التي تشارك به او تدعمه في حيرة من امرها في متابعة هذه الحرب الخاسرة والعبثية، والاستمرار بها مع ما تحمله من خسائر مادية ومعنوية لها، ومع ما تؤمنه لليمنيين من قدرات وتماسك وثبات في الميدان، او في الانسحاب والاستسلام وما يمكن ان يشكل لها ذلك من خسائر استراتييجة قد لن تستطيع تحمُّلَها .
” توشكا اليمن” أو الصاروخ الباليستي “بدر- اف” والذي هو نسخة مطوَّرة ومُحَدَّثة للصاروخ الباليستي الروسي “توشكا” (النقطة)، هو ما وضعته وحدات التصنيع الصاروخي اليمني مؤخرا في الميدان بتصرف وحدات الجيش اليمني واللجان الشعبية، وبالإضافة لامتلاكه كافة تقنيات الاطلاق البعيد وعناصر المحافظة على مسار ثابت وآلية التوجيه الدقيقة، والتي اصبحت من التقنيات الاساسية والثابتة في ما يتم انتاجه وتطويره من صواريخ، يتميز “بدر- اف” بإمكانية الوصول الى مدى يقارب 160 كلم مع قدرة على نشر حوالي 14000 شظية من مختلف الاحجام، تغطي دائرة بقطر 350 متراً بعد ان ينفجر في الجو فوق الهدف على ارتفاع 20 مترا.
فما هي الاهمية الميدانية والعسكرية التي يؤمنها هذا الصاروخ؟ وما هي الابعاد الاستراتيجية التي يمكن أن يقدمها للجيش واللجان الشعبية ووحدات أنصار الله في معركة الدفاع عن اليمن؟
عسكريا وميدانيا
تقدم المميزات التقنية للصاروخ عدة عناصر تؤثر ايجابا لصالح من يمتلكه في المعركة، فمبدأ التشظي من الاعلى يتجاوز الصاروخ من خلاله التضاريس والتحصينات المكشوفة، والتي تؤمن عادة الحماية الافقية للمقاتلين في المواجهات المباشرة، القريبة او المتوسطة، وحيث تكون عادة هذه التحصينات المكشوفة من الاعلى هي الاغلب في المواجهات السريعة، حيث تُنَفَّذ دون تحضير ومن دون ان يسمح الوقت للمقاتلين بتنفيذ تحصينات عمودية (انفاق او خنادق مغطاة ومحصنة من الاعلى)، فتأتي الشظايا من الاعلى حيث لا حماية، لتكون فاعلة جدا وتسبب اكبر قدر ممكن من الخسائر لدى العدو.
أيضاً، من خلال التجارب التي عرضها الاعلام الحربي اليمني، او من خلال ما عَرض من مشاهد وصور حيَّة لعمليات استهداف وحدات وتجمعات العدو بالصاروخ “بدر- اف” ، يمكن استنتاج الفعالية القصوى لطريقة التشظي ضمن دائرة بقطر 350 مترا، حيث من خلال هذه المساحة المستهدفة بشكل كامل، يمكن تغطية اي هدف واسع، ينتشر او يتمركز او ينتقل، بعدد كبير من الآليات والعناصر قد يتجاوز وحدة مقاتلة، يقارب عدد عناصرها المائة مع عتادهم الكامل، وهذا يعتبر فعالاً جداً في مساندة ودعم العمليات الهجومية، وايضاً في العمليات الدفاعية حيث يؤمن استهداف وتشتيت التجمعات التي تتحضر لمهاجمة الوحدات الصديقة .
هناك ميزة مهمة ايضا يستطيع الصاروخ “بدر – اف” تأمينها وهي وصوله فوق الهدف بشكل مفاجئ وعلى مسافة غير متوقعة لحدود 160 كلم، اي في البقعة الخلفية والبعيدة للعدو، وقد تتفوق هذه الميزة على الطيران حيث الاخير يمكن الاحتراس منه بعد سماع صوته قبل اطلاق صواريخه، وهو الامر غير المتوفر بمواجهة الصاروخ “بدر – اف” الذي يصل فجأة وينفجر في الجو فوق الهدف.
الاهمية الاستراتيجية
يساعد مسار التصنيع العسكري الناجح للجيش واللجان ووحدات انصار الله على تمتين قوة وقدرات اليمن بشكل عام، وهذا يُعتبر ورقة رابحة مستقبلا عكس الماضي، حيث كانت الامكانيات المتواضعة لليمن تجعله ضعيفا في مواجهة تأثيرات الاقليم المعروفة، واليوم ومستقبلا، اصبح اليمن قادرا على تحصين نفسه وسلطته وعلى تثبيت سيادته اكثر بمواجهة التدخلات الخارجية، او على الاقل إضعاف هذه التدخلات الخارجية وجعلها اقل تأثيرا على سياسته، بالإضافة طبعا لأنه حاليا يحمي ويحصِّن معركة المواجهة العسكرية والديبلوماسية، وبالتالي فإن هذا المسار الناجح من التصنيع يزيد من اوراق القوة لدى الجانب الوطني (الجيش واللجان وانصار الله).
ايضا، اصبحت الاسلحة الفعالة اليمنية وخاصة الصواريخ الباليستية المتميزة مثل “بدر ـ اف”، تزيد من مصداقية الجيش واللجان الشعبية امام الشعب اليمني، إذ يقوي ذلك عناصر الصمود ويُبعد اليأس والاستسلام، لأنه يزيد من الثقة بالقيادة وبقراراتها، والمدعومة بقدرات عسكرية باليستية استراتيجية.
واخيرا، حيث إنه لم يعد من مجال للعدوان على اليمن ان ينتصر، وهذا قد لمسه بنفسه وأصبح مقتنعا به رغما عنه ويتهرب من الاعتراف ويكابر، تبقى المعركة بالنسبة لأبناء اليمن بالنهاية معركة وجود وصراع بقاء، وتثبيت الموقف والموقع ومعركة استرجاع الارض وإحقاق الحق، وهم سائرون بها حتى النصر، الذي لم يعد بعيداً.
* كاتب وخبير عسكري لبناني