الرئيس المشاط يكتب : رؤية وطنية لبناء دولة موحدة وقوية
الرئيس المشاط يكتب : رؤية وطنية لبناء دولة موحدة وقوية
بقلم فخامة #الرئيس_مهدي_المشاط
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وآله الطيبين الطاهرين ورضي الله عن أصحابه المنتجبين.
أطلق الرئيس الشهيد صالح علي الصماد في يوم السادس والعشرين من مارس 2018م مشروع بناء الدولة وإرساء مبدأ العمل المؤسسي تحت شعار “يدٌ تحمي ويدٌ تبني”، فكان هذا النداء صادقًا وواعيًا ومدركًا حتمية النهوض ومواجهة التحديات التي يمر بها الشعب اليمني؛ لأن الرئيس الشهيد أدرك جذر المشكلة اليمنية وبؤرة الصراعات السياسية في اليمن، وأدرك أيضًا أنَّ أي حلول للصراع السياسي وإيقاف الأطماع الإقليمية في اليمن لا تلامس بناء الدولة اليمنية، إنما هي حلول وقتية لا تبني دولة ولا تحقق استقرارًا ولا تنمية ولا استقلالاً، وحينئذٍ ستظل الدولة اليمنية خاضعة ورهينة للتدخل الإقليمي والدولي، ومطمعًا لقوى الاستئثار والاستحواذ.
وقد كان إطلاق مشروع بناء الدولة كأساسٍ يتفاعل معه كل مخلص من الشعب اليمني وقواه السياسية لبناء الدولة اليمنية الحديثة بفهم ومنهج الشعار الذي أطلقه الشهيد في الحماية والبناء، لتكون الحصن الضامن للوحدة الوطنية للشعب اليمني، التي ترسخ معها مقومات وثوابت أمنه واستقراره وتنميته وتطوره ولتحافظ على عزته وكرامته، وهذا لن يتأتى إلا من خلال إيجاد دولة قوية عادلة أثبتت الأيام والحقائق التاريخية أن لا سبيل لتحقيق ذلك في ظل دولة ضعيفة مسلوبة القرار تقوم على التبعية والتقاسم للسلطة.
لم تشهد الجمهورية اليمنية حتى اليوم دولة مستقرة تنفذ دور الدولة ووظائفها وقيمها وهويتها المتعارف عليها؛ لذا فإننا نطلق اليوم هذه الرؤية الوطنية للتعبير عن هذا المشروع لبناء الدولة بما يحمله معنى البناء من مبادئ وقيم وطنية خالصة تتضمن الإصلاح والتطوير، ومن خلال هذه الرؤية ننشد ونتطلع إلى بناء الدولة اليمنية الموحدة والقوية ذات المؤسسات الكفؤة العادلة، والقادرة على تأدية وظائفها الأساسية وتقديم الخدمات للمواطنين بما يكفل كرامتهم وحقوقهم، تكون السيادة فيها للقانون، من واجباتها إدارة وتنسيق الجهود والموارد، وتذليل الصعاب، والقيام بما لا يقدر عليه الجهد الخاص كمؤسسات أو كأفراد من أجل تحقيق أقصى حد ممكن من العيش الكريم لمواطنيها.
سيادة القانون هو عنوان الدولة اليمنية الحديثة، ومفردات هذا القانون هو مضمونها وهي مفردات تقاس بمدى صيانتها لحقوق الإنسان وحرياته، وفي هذا السياق نؤكد كمجلس سياسي أعلى أن منهجنا سيكون بإذن الله تطبيق العدل بين الناس، وتوفير أعلى سقف للحريات، وحمايته بما لا يستخدم ضد الوطن والمصلحة الوطنية العليا أو يخدم الأعداء المتربصين باليمن، وخاصة في هذه المرحلة الاستثنائية التي نخوض فيها معركة العزة والكرامة منذ أربع سنوات في مختلف الجبهات العسكرية دفاعًا عن الأرض والعرض.
إنَّ دولة المؤسسات ستحقق العدل والأمن، وتوفر الاستقرار السياسي والتنمية من خلال تشريعاتها وقوانينها وصدق التوجه والإيمان به، وستكون بيئة حاضنة وضامنة لتحقيق شروط النهضة من خلال مؤسسات وتشريعات لا تتأثر وظيفتها بتداول السلطة ولا بتغير الحكام، وما نصبو إليه هو مؤسسات قوية شفافة تنساب فيها المعلومات بيسر، مع ضمان تكاملها وتأمين وظائفها بما يحقق التناغم والانسجام في الأداء.
إن من أولويات مهام الدولة اليمنية الحديثة الحفاظ على استقلالية اليمن وسيادته ووحدته من أي هيمنة أو وصاية أو تبعية أو احتلال، وبناء علاقات متكافئة مع الدول العربية والإسلامية وكل دول العالم على القواعد والمصالح والمنافع المشتركة، ملتزمين بكل الواجبات تجاه أمتنا العربية والإسلامية والعالم.
إنَّ نجاح الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة هو تحدٍ سيكون له ساحاته النضالية المتعددة على المستوى الشعبي والسياسي والاقتصادي والإداري والخدمي والاجتماعي والثقافي، وهذا يتطلب منا جميعًا استنهاض قوانا الذاتية بآفاقها العظيمة لخوض معركة التحدي دفاعًا عن بناء الدولة اليمنية وسيادتها.
كما لا يمكن للدولة أن تستقر وللتنمية أن تزدهر ما لم تكن محاربة الفساد على رأس أولوياتها، فمواجهة العدوان تتطلب وعيًا كبيرًا بخطورة الفساد والمفسدين الذين جعلوا خلال عدة عقود أجهزة ومؤسسات الدولة مسرحًا لثقافة الفساد المالي والإداري. كما أن السلام والحل السياسي اللذين ننشدهما يقومان على الشراكة والتوافق، وإننا إذ ندشن هذا المشروع الوطني العملاق ندعو كل القوى السياسية إلى وضع حد للصراع الذي يضعف الدولة اليمنية، ونقول لهم تعالوا إلى كلمة سواء بيننا لنتحد في مشروع حقيقي لبناء الدولة اليمنية الحديثة العادلة ، تستوعب مخرجات الحوار الوطني المتوافق عليها وكل ما تحتاج إليه من متطلبات لبناء الدولة اليمنية الحديثة، وتعزيزًا لمصداقية توجهنا في توحد أيدي اليمنيين ندعو كل القوى السياسية إلى مصالحة وطنية شاملة، وأن نجعل كل ما يعيقها من صراعات أو ثارات سياسية خلف ظهورنا، ولنمضي بعون الله وتوفيقه يدًا بيد مع كل المخلصين لهذا الوطن فيما يحقق مصلحة الوطن العليا ومصلحة الأجيال القادمة.
وإذ نضع أولى لبنات هذا الصرح الوطني الرائد وفاءً لدماء الرئيس الشهيد صالح الصماد وكل الشهداء الذين سقطوا في سبيل الدفاع عن الوطن، نعتبر هذا الجهد الذي نقدمه بين يدي الشعب كمنهج وموجهات عامة، وبرنامج عمل للأجهزة والمؤسسات الرسمية كل في ما يخصه إنما يأتي انطلاقًا من المسؤولية والواجب نحو تنفيذه وتطويره وتحديثه وفق القنوات الرسمية ذات العلاقة، لا نبتغي من ورائه المزايدة، إنما نقدمه لخدمة الشعب والنهوض بالوطن.
لقد ظلت الدعوة لبناء الدولة اليمنية الحديثة العادلة مجرد شعارات وأهداف ترفع دون أن تتحول إلى أهداف نضالية وواقعًا معاشًا، أما اليوم فالإرادة السياسية تقف بكل قوة خلف هذا المشروع الذي ينبغي أن يتحول إلى واقع في كل الأجهزة والمؤسسات الرسمية، ليكون نقطة تحول مضيئة نحو المستقبل تستقطب كل الوطنيين.
إن العمل وفق هذه الرؤية الوطنية بإرادة وعزم يضع اليمن على الطريق القويم نحو المستقبل المشرق، وذلك كفيل بإيجاد موطئ قدم ثابت وراسخ لليمن في المنطقة والإقليم وبين الأمم، نعم هذا هو مشروعنا للمستقبل نقدمه ونحن ندرك جيدًا كل العوامل المحيطة بواقعنا والتحديات التي يأتي في مقدمتها العدوان والحصار بكل أنواعه وآثاره، فلتتكاتف كل الجهود المخلصة لهذا الوطن للبدء في التأسيس الصحيح لبناء الدولة اليمنية الحديثة، وعلى بركة الله ندشن معًا أولى لبنات هذا الأساس ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.