من هو القاتل الحقيقي في السعودية؟
يمني برس – عربي ودولي
انتقد الباحث في الشؤون الاقليمية الدكتور وفيق ابراهيم الدور الامريكي في اعدام النشطاء السعوديين.
و تحت عنوان “من هو القاتل الحقيقي في السعودية؟” كتب ابراهيم في جريدة البناء:
هذه دولةٌ قامت على الفتك بالمدنيين منذ تأسيسها في مطلع القرن الماضي بتغطية عسكرية مباشرة من البريطانيين الذين كانوا يحتلون شبه جزيرة العرب.
لقد توافرت لآل سعود بعد انتصارهم فرصة إنتاج مشروع دولة لديها وسائل إقناع اقتصادية النفط مع اسلام معتدل يرعى الحرمين الشريفين ومواسم الحج والعمرة المتواصلة.
لكنها آثرت التمسك بمنطلقات تأسيسها مجرد مجموعة قبلية مرتبطة بالمخابرات البريطانية فتكت بعشرات آلاف العرب من أبناء القبائل الأخرى من السنة والشيعة ومن دون تمييز، فكلّ من شعر آل سعود بخطره على مشروعهم أبادوه.
اسألوا القبائل من شمر وعنترة وطي وتميم وكلاب وغيرها، كيف هرب معظمها الى البلدان المجاورة هرباً من القتل السعودي البريطاني؟
لكن تحوّلهم دولة لم يؤدّ كما يُفترض الى تغيير في الممارسات.
التغيير الوحيد الذي حدث هو على مستوى تغطيتهم الدولية التي أصبحت أميركية منذ 1945، تنشر حماياتها السياسية والعسكرية على كامل جزيرة العرب، وخصوصاً مملكة آل سعود الأغنى نفطياً والأكثر تخلفاً من غيرها.
لذلك بنى آل سعود دولة منحوها اسم قبيلتهم مُقطعين مؤسّساتها السياسية الأساسية والوظائف الدبلوماسية والاقتصادية والإدارية الى أفراد عائلتهم أو من عائلات حليفة لهم، خصوصاً آل الشيخ أحفاد محمد بن عبد الوهاب مؤسّس المذهب الوهابي.
للإيضاح فقط فإنّ آل سعود على مستوى تأسيس مملكتهم هم نتاج تمازج الدور البريطاني الاستعماري وعشيرة آل سعود مع الحركة الوهابية المتطرفة التي بايعت آل سعود بشكل مطلق في السياسة وقيادة الدولة والاقتصاد.
منذ ذلك التاريخ أنتج السعوديون دولة ديكتاتورية تقوم على مفهوم «السمع والطاعة» مخترعين مجتمعاً غير قابل للتحرك بثلاث وسائل: القراءة الوهابية الداعية باسم الإسلام للانصياع لولي الأمر والقمع بالقتل وبتسميات ترقى الى العصور الأولى للإسلام التعزير والحرابة لكلّ من يطالب بحقوق الإنسان وإلغاء التمييز العنصري او ينتقد التسلط الديكتاتوري للدولة، أما الوسيلة الثالثة فهي الوفر الاقتصادي الهائل الناتج من ثروات نفطية خيالية، الذي يسمح حتى الآن بتوفير الحدّ الوسطي من المتطلبات الاقتصادية.
ولأنّ هذه العناصر غير كافية غطى الأميركيون هذه المعادلة السعودية مؤمّنين لها حماية من الخارج الإقليمي والدولي، وقواعد عسكرية في المنطقة لإجهاض أيّ تحرك داخلي.
فتحوّلت السعودية إلى «كهف مُكتفٍ» تسير أموره على نحو رتيب بتسليم قدري من المجتمع الداخلي الذي أصبح مُلِمّاً بعجزه عن إحداث أيّ تغيير لأنه قابل للإجهاض من قبل الأميركيين والجيش السعودي ذي الأصول الباكستانية والسودانية مع طبقة من قياديين من بريطانيا والولايات المتحدة.
هذا ما سمح لآل سعود باعتقال المجتمع، فمنعوه من التطوّر العلمي والصناعي جاعلين منه مثالاً على المجتمعات القرون أوسطية، فكرياً، فاستدام هذا الوضع على هذه القاعدة ولم يشُذ عنها، إلا بانتفاضة جهيمان العتيبي في السبعينيات الذي كان يحمل مشروع الوهابية القديمة التي ترفض ايّ اتصال بالأجنبي وتريد منع الأميركيين والغربيين ومجمل الأجانب من الإقامة في «الأرض الحرام»، كما كانوا يقولون.
واستلزم القضاء على هؤلاء مشاركة قوات أردنية وفرنسية وأميركية.
إلا أنّ نجاح الثورة في إيران في 1979 أصاب آل سعود بجنون الخوف على مملكتهم فخرجوا عن باطنيتهم مشاركين إلى جانب الاميركيين بمحاولة القضاء على ثورة الامام الخميني مموّلين كلّ الحروب والحصار والمقاطعات التي تتعرّض لها حتى الآن.
بالتوازي واصلوا اعتقال المجتمع ممارسين قتلاً منهجياً بين المواطنين السنة والشيعة على السواء وسط تجاهل دولي لمجازرهم حتى أنّ أحداً لم يستنكر مذابحهم.
ومع تطوّر الصراع الأميركي الإيراني استعمل الحلف الأميركي السعودي الإسرائيلي أسلوب تأجيج الفتنة السنية الشيعية للمزيد من التضييق على الحركة الإيرانية في الإقليم مثيرين مناخاً مذهبياً على حساب تراجع الصراع مع «إسرائيل» ما منح السعوديين فرصة كافية لقمع دموي دائم ومتواصل استهدف المدنيين الشيعة في القطيف، ومن يعترض من السنة.
الملاحظة الأولى انّ الغطاء الاميركي الشامل حمى آل سعود من ايّ نقد دولي مع تلميع إعلامي بدا حريصاً على تقديمهم نموذجاً للدولة الإسلامية المروّجة للقيم الإنسانية وهي لا تعتقل إلا الإرهابيين المسيئين لتعاليم الدين او المجرمين.
الأميركيون سياسياً وإعلامياً ومعهم الأوروبيون غطوا هذا التلميع بشكل صارم وسط صمت صيني وروسي. ما عطل هذا المفهوم هي تلك الخلافات التي عصفت بالعلاقات بين الرئيس الاميركي الحالي ترامب والحزب الديمقراطي الأميركي المنافس له وبعض قوى أوروبا وتركيا، هؤلاء كمنوا لترامب عند حادثة اغتيال الإعلامي الخاشقجي من قبل مجموعة أمنية تابعة لولي العهد محمد بن سلمان، فشنّوا هجوماً مسعوراً على السعودية بهدف التصويب على ترامب وسياساته، أدّى هذا الوضع الى ولادة حذر سعودي في اقتراف مجازر داخلية لشعورهم بتراجع التغطية الأميركية.
وأخيراً عادت الحاجة الأميركية الماسّة إليهم في مسألة تعويض النقص المحتمل من النفط الإيراني بسبب الحصار الأميركي، فطرحت السعودية نفسها البديل المستعدّ للتعويض، وقامت فوراً بإعدام 37 سعودياً بينهم أربعة من داعش و33 مدنياً من الشيعة لم يفعلوا سوى المطالبة بالحقوق المدنية. ألا تدفع هذه الأمور الى السؤال عن هوية القاتل الفعلي لهؤلاء؟ السعودية هي اليد التي نفذت الإعدام، لكن صاحب الأمر هو الراعي الأميركي الذي يواصل ارتكاب المجازر في العالم والشرق الأوسط منذ 1945 مباشرة أو بواسطة أعوانه السعوديين و«الإسرائيليين».
العالم