المحاضرة الرمضانية الخامسة عشر للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي (نص)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربِ العالمين، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ الملكُ الحقُ المبينُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمداً عبدُه ورسولُه خاتمُ النبيين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ وباركت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
وارض اللهم بِرضاكَ عن أصحابِه الأخيارِ المُنتجبين وعن سائرِ عِبادِك الصالحين.
أيها الأخوةُ والأخوات، السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته..
وتقبّلَ اللهُ مِنّا ومِنكم الصيامَ والقيامَ وصالحَ الأعمالِ، اللهم اهدنا وتقبل منّا إنكَ أنتَ السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
يقولُ اللهُ سبحانه وتعالى {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}(الإسراء ـ 32)، من أقبحِ الجرائمِ وأشنعِ الذنوبِ والمَعاصي جريمةُ الزِّنَا، وهي مِن الرذائلِ السيئةِ جداً، واللهُ سبحانه وتعالى حرَّمَ الزِّنَا ونَهى عنهُ في كثيرٍ من الآياتِ المباركةِ القرآنية وقرَّرَ إجراءاتٍ عقابيةً في الدنيا، أمّا في الآخرةِ فَجهنَّم والعياذُ بالله، اللهُ جلَّ شأنُه قال بشأن الزِّنَا {إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً}(الإسراء ـ 32)، فاحشةٌ جريمةٌ شنيعةٌ وفَعْلَةٌ قبيحةٌ مِن أشنعِ وأقبحِ الجرائمِ، هذا موقعُه في سُلَّم الجرائمِ في قائمةِ الجرائمِ والرَذائل، أنَّه مِن أشنعِها مِن أقبحِها مِن أسوأها، والزِّنَا هو شنيعٌ جداً وفظيعٌ ولهُ تأثيراتٌ سلبيةٌ مُدمِّرةٌ في نَفْسِ الإنسانِ وفي واقعِ الحياة.
وأولُ الآثارِ السيئةِ لهذهِ الجريمةِ الشنيعةِ القبيحةِ أنَّه يُؤثرُ على الإنسانِ في عَلاقتِه الإيمانيةِ باللهِ سبحانه وتعالى، هذه أولُ كارثة، الإنسانُ الذي يتورطُ في هذه الجريمةِ الشنيعةِ القبيحةِ لا يتورطُ فيها إلا وقد خَسِرَ إيمانَه، في الحديثِ عن الرسول صلواتُ الله عليه وعلى آلِه “لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ”، يكونُ قد فَقدَ إيمانَه بالكامل، وهذه قضيةٌ خطيرةٌ جداً، أكبرُ خسارةٍ يُمكنُ أن يخسرَها الإنسانُ هي علاقتُه الإيمانيةُ باللهِ سبحانه وتعالى، ليس هناكَ في واقعِ هذه الحياةِ شيئٌ يستحقُ هذه التضحيةَ، أن تُضحيَ مِن أجلِه بماذا؟ بإيمانِك، عندما تخسرُ إيمانَك أنتَ خَسِرَتَ الخيرَ كلَّه في الدنيا والآخرة، أنت ألحقتَ بنفسِك أكبرَ الضرر، أنت أدخلتَ نفسَك في دائرةِ المَسخُوطِ عليهم المَغضوبِ عليهم مِن اللهِ سبحانه وتعالى، أدخلت نفسَك في دائرةِ السخطِ الإلهي، اللعنةِ مِن اللهِ سبحانه وتعالى، الوعيدِ الإلهي، وهي الحالةُ التي إنْ مِتَّ عليها تدخلْ جهنَّم، في الدنيا نفسِها كمْ ستخسرُ إذا خَسِرَتَ إيمانَك؟ الإيمانُ صِلةٌ عظيمةٌ باللهِ سبحانه وتعالى، تحظى مِن خلالِها بالرعايةِ الواسعةِ مِن اللهِ سبحانه وتعالى، بالتوفيقاتِ الكبيرة، تكونُ مَحَطَّاً لرعايةِ اللهِ ورحمتِه وفَضلِه ولُطفِه وتوفيقِه ومَحبتِه، يَدفعُ عنك الكثيرَ مِن الشُرورِ، مِن المساوئ، من الأخطار، يُوفقك في كثيرٍ مِن أمورِ حياتِك، وبالذات إذا استقمتَ على نهجِه، إذا بقيتَ مُعتمِداً عليه، إذا كُنتَ واثقاً بهِ مُتوكلاً عليه، إذا اتجهتَ في حياتِك على أساسٍ مِن هذا الإيمانِ في كلِ مَساراتِ الحياةِ تحظى برعايةٍ تامةٍ مِن اللهِ سبحانه وتعالى، فيكونُ لتلك الرعايةِ الأثرُ الكبيرُ في نفسِك في مشاعرِك في أعمالِك في مواقفِك في مواجهةِ تحدياتِ هذه الحياةِ وصعوباتِ هذه الحياة ومشاكلِ هذه الحياة، فإذا خَسِرتَ علاقتَك الإيمانيةَ باللهِ سبحانه وتعالى الذي هو ربُّك وخالقُك ووليُ نعمتِك والذي بِيدِهِ حياتُك ومَوتُك، مَصيرُك ومستقبلُك في الدنيا والآخرةِ فهي خسارةٌ رهيبةٌ جداً.
البعضُ مِن الناسِ في سبيلِ أن يُحافظَ على عَلاقتِه بشخصٍ مُعينٍ يَرى أنَّه شخصٌ مهمٌ في هذه الدنيا، مثلاً بِمَلِكٍ أو وزيرٍ أو أميرٍ أو قائدٍ أو شيخٍ أو أي شخصيةٍ مُعينة، قد يُضحي بأشياءٍ كثيرة، وقد يَصبرُ على أشياءٍ كثيرة، ولكن أيُ علاقةٍ أهمُ مِن العَلاقةِ الإيمانيةِ مع اللهِ سبحانه وتعالى ربِّ السماواتِ والأرض؟، مَن يعي قيمةَ العلاقةِ الإيمانيةِ وما يترتبُ عليها فهو يعي أنها علاقةٌ مع ربِّ العالمين، مع رب السماوات والأرض، مع ربِّ الناس ومَلكِ الناس وإلهِ الناس، مع ملك السماوات والأرض، مع مَن بيدهِ الحياةُ والموتُ والرِزق، مع مَن يُحيي ويُميتُ ويُذِلُ وُيعز، معَ مَن إذا أرادَك بِضُرٍ لا يكشفُه أحدٌ إلا هو، وإذا أرادكَ بخيرٍ فلا رادَّ لفضلِه أبداً، لا يستطيعُ أحدٌ أن يَرُدَ فضلِه، مع الربِّ المنُعمِ الخالقِ الرازقِ الرحيم، مع مَن أنت بحاجةٍ إليه حاجةً مطلقةً، لا يمكنُ الاستغناءُ عنه أبداً، ومصيرُك إليه، مع مَن رحمتُه وَسِعَتْ كُلَّ شَيْئ، ومَن لَّا يُعَذِّبُ عَذَاب َهُ أَحَدٌ، ولا يَصِلُ إلى مستوى بَطشِه وعِقابِه أيُ بطشٍ وأيُ عِقاب.
فمِن الخسارةِ الكبيرةِ للإنسانِ أن يخسرَ إيمانَه باللهِ سبحانه وتعالى مِن أجلِ شَهوةٍ عارضةٍ تنطفئُ فيما بعد، ويكونُ الإنسانُ قد خَسِرَ خسارةً فادحةً خسارةً رهيبةً، تتبدلُ علاقتُه باللهِ سبحانه وتعالى مِن حالةِ الرِضا إلى حالةِ السَخطِ والغضبِ، تُغضِبُ اللهَ، ما أحقرَك وما أضعفَك وما أعظمَ غبائَك إذا ورَّطتَ نفسَك فأسخطتَ اللهَ، أغضبتَ اللهَ عليك، مَن أنت؟ وفي أي حالٍ أنتَ حتى تَستهترَ بغضبِ اللهِ سبحانه وتعالى وتتجاهلَ سَخطَ اللهِ ومَقتَ اللهِ سبحانه وتعالى؟، فلو تأملَ الإنسانُ في هذه المسألةِ بحدِّ ذاتِها يجد أنَّه ما مِن شيئٍ في هذه الحياةِ مِن رَغباتِ النفسِ وشهواتِها يستحقُ أن تَخسَرَ هذه الخسارةَ مِن أجلِه وفي سبيلِ الحصولِ عليه أبداً، ما مِن أي شيئٍ آخر.
ثم كذلك الخطرُ الآخرُ والمشكلةُ الثانيةُ والأثرُ الثاني لهذهِ الجريمةِ الشنيعةِ القبيحةِ السيئةِ الرذيلةِ المُدنِّسةِ للإنسانِ أثرُها السيئُ على المستوى النفسي، اللهُ يريدُ لنا كمؤمنين وكمجتمعٍ مُسلمٍ أن نتزكَّى، أن تكونَ نفوسُنا نفوساً زاكيةً طاهرةً، مشاعرُنا نظيفةً، قلوبُنا ووجداًنُنا نقياً.
الزكاءُ في النفْسِ مِن أهمِ ما يحتاجُ إليه الإنسانُ لِصلاحِ العَملِ وللاستقامةِ في هذه الحياة، والنفسُ الزاكيةُ هي التي تتجذَّرُ فيها مكارمُ الأخلاقِ وتنمو فيها المشاعرُ الطيبة، وبالتالي يكونُ لهذا الأهميةُ الكبيرةُ في الواقعِ العملي في واقعِ الحياة، الإنسانُ إذا كانت نفسُه زاكيةً يكونُ عطاؤه في هذه الحياةِ عطاءً جيداً عطاءً إيجابياً عطاءً سليماً، نتائجُ جُهدِه في هذهِ الحياةِ نتائجُ إيجابيةٌ، اهتماماتهُ اهتماماتٌ جيدة، أعمالهُ أعمالٌ جيدة، وهكذا، يكونُ لِزكاءِ النفسِ الأثرُ الكبيرُ في واقعِ الحياةِ وفي مَسيرةِ الحياةِ، في الأعمالِ والاهتماماتِ والمواقفِ، والمواقف، يَقفُ المواقفَ الصحيحةَ، المواقفَ الإيجابيةَ، يستطيعُ أن يتحركَ في هذه الحياةِ وينهضَ بمسؤوليتِه، يكونُ أكثرَ صَبراً وأعظمَ قُوةً وتماسكاً نفسياً في مواجهةِ التحديات، وفي مواجهةِ الصعوبات، وفي النهوضِ بالمسؤوليات.
إذا خَسِرَ زكاءَ النفس وتدنَّستْ نفسُه فهذه حالةٌ خطيرةٌ على الإنسان، يكونُ ميَّالاً إلى حدٍّ يَفقِدُ فيه توازنَه وانضباطَه، يكونُ مَيَّالا إلى الرذائل، نحوَ المفاسدِ، نحو الأشياءِ السيئة، يَصعُبُ عليهِ أن يَضبِطَ نفسَه ومشاعرَه، وبالتالي أن يتوازنَ في مواقفِه وأعمالِه، تتغيرُ نفسيتُه، تتغيرُ اهتماماتُه، تتغيرُ وتتبدلُ مشاعرُه، تتأثرُ أيضاً أعمالُه بالتالي، مستوى التحمّلِ والتوازنِ والتماسكِ والاستقرارِ النفسي والمَعنوي لديه يَختَّل، وهذا يُؤثرُ عليهِ في مواقفِه في تصرفاتِه في أعمالِه في أشياءٍ كثيرة، أيضاً مكارمُ الأخلاقِ ستنقلعُ جُذورُها مِن نفسِها، يصبح دنيئَ النفسِ مُنحطَّ النفس، يكونُ متقبِّلاً ومُستسيغاً للأمورِ القذرةِ والرذائلِ والخَسائسِ والنقائص، ميَّالاً إلى سَفَهِ الأمور، مُنحطَّاً في تصرفاتِه، هذا يُوجهُ ضربةً قاضيةً لإنسانيةِ الإنسان، لكرامةِ الإنسان، لهويته الإنسانية، يكونُ قريباً مِن حالةِ الحيواناتِ الأخرى التي لا تعيشُ في واقعِ حياتِها التوازنَ النفسيَ لأنَّها تتبعُ الغرائزَ، الحيواناتُ الأخرى تشتغلُ بالغريزةِ لا تشتغلُ بالضوابطِ الأخلاقية والشرعية، بالغريزة، ولا لومَ عليها لأنَّ حالَها يختلفُ عن الإنسان، حالَ الكلابِ حالَ الحميرِ حالَ الحيوانات الأخرى، أمَّا الإنسانُ فاللومُ عليهِ وفي موقعِ التكليفِ والذي مَنحَهُ اللهُ ورَسَمَ له طريقَ الخيرِ والشرفِ والكرامةِ والمؤهلاتِ والعواملَ المُساعدةَ التي تساعدُه على سُموِ النفسِ وزكائِها، والمَسألةُ خطيرةٌ جِداً، الإنسانُ إذا تدنَّستْ نفسُه وإذا ألحقَ بِعُمقِ نفسِه ومَشاعرِه هذا الأثرَ السيئَ للرذائلِ والمفاسدِ يتأثرُ تلقائياً في أعمالِه وفي مَسيرتِه في الحياةِ، ولهذا يُركِّزُ الأعداءُ أعداءُ الأمة، يُركِّزون على نَشرِ هذه المفاسدِ لأنَّها تحُقِقُ لَهم هذه الأهدافَ جُملَةً وتفصيلاً، فَصْلُ الناسِ عَن اللهِ سبحانه وتعالى في رعايتِه في نَصرِه في تأييدِه في توفيقِه، إلى آخره، إبعادُ الناسِ عن العلاقةِ الإيمانيةِ باللهِ وما يترتبُ عليها مِن نتائجَ إيجابيةٍ في الرعايةِ الإلهية وأيضاً في الأثرِ النفسي، ثم كذلك مَا يترتبُ على الموضوعِ مِن تأثيراتٍ نفسيةٍ سَلبيةٍ جداً، والتأثيراتِ كذلك في الواقعِ العملي، وهذه مسألةٌ خطيرةٌ جداً، إنَّ سموَ النفسِ وزَكائَها ومكارمَ الأخلاقِ هي أغلى رصيدٍ يَمتلكُه الإنسانُ، أغلى مِن المال، أغلى من كلِ ثَروة، أغلى مِن كلِ ما يُمكنُ أن تَمتلكَهُ في هذه الحياة.
سموُ النفسِ وزكاؤها ومكارمُ الأخلاقِ، عندما تكونُ إنسانا ـ إنساناً بما تَعنيه الكلمةُ ـ تمتلكُ نفساً زاكيةً، نفساً طموحةً للخير، نفساً خَيِّرةً صالحة، نفساً تحملُ في وجداًنها ومشاعرِها مَكارم َ الأخلاقِ المُتجذِّرة، مَكارمَ الأخلاقِ المُتجذِّرة في أعماقِها، إنساناً شهماً، إنساناً ذا مُروءةٍ، هذه نعمةٌ كبيرةٌ، هذا شرفٌ كبير، إنساناً غيوراً، إنساناً يتوقُ لِمَعالي الأمور، إنساناً تتجذَّرُ فيهِ الكرامةُ الإنسانيةُ، هذا هو أهمُ رصيدٍ تمتلكُه في هذهِ الحياة، أغلى مِن كلِ الدنيا، وأعزُّ مِن كلِ شيئٍ، فإذا خَسِرتَ هذا المعنى الإنسانيَ الإحساسَ بالكرامةِ بالعِزةِ بالشرفِ بمكارمِ الأخلاقِ وتبدَّلَتْ مشاعرُك إلى مشاعرِ السُوءِ والانحطاطِ والخِسّةِ والدناءةِ والرذيلةِ والمَيلِ وراءَ الأشياءِ السيئةِ هذه خسارةٌ، أنتَ تَنْحَطُّ، تَنْحَطُّ مِن الواقعِ الإنساني إلى حالةِ الحيواناتِ التي كما قلنا تتحركُ في حياتِها بالغريزةِ وحَسْب، على أساسٍ مِن الغريزة.
الإنسانُ هيَّأ اللهُ لهُ أن يَضبِطَ غرائزَه سواءً في الأثرِ الإيماني والتربوي أو في التشريعاتِ الإلهيةِ التي تُمثِّلُ عاملاً مُهماً ومساعداً يُساعدُ الإنسانَ على ذلك.
الأثرُ الآخرُ المُدمِّرُ في هذه الجريمةِ الشنيعةِ الفظيعةِ القبيحةِ الخَسيسة، الأثرُ السلبيُ في الواقعِ الاجتماعي، تُدمِّرُ بُنيةَ المجتمعِ، اللبناتُ الأساسيةُ التي يتكونُ مِنها المجتمعُ هي الأسر، والأسرةُ تتكونُ مِن خلالِ الزوجِ والزوجة، والروابطِ المشروعةِ بينَ الزوجِ والزوجة، والتي تَصبُ فيها الغريزةُ الجنسية، الشهوةُ، الإنسانُ يقضي شهوتَه مع زوجتِه، الزوجةُ تقضي شهوتَها مع زوجِها، وهنا يَحفظُ اللهُ النسلَ البشريَ باستمرارِ التناسلِ المشروعِ، وتتكونُ الأسرةُ، تبتني الأسرةُ عِندَما يَرزقُ اللهُ الزوجين بالأولادِ بالذُريةِ، ثم يتجهُ الزوجان أيضاً إلى أن تكونَ لهما ذريةٌ طيَّبةٌ صالحةٌ مستقيمةٌ، وتكونُ لَبِنَةً صالحة في المجتمع، لَبِنَةً متماسكةً تربطُ بينَها رابطةُ النَسبِ وأواصرُ الرَحَامةِ، ثم أيضاً العَلاقةُ ما بينَ هذه الأسرةِ وتلك، علاقةُ الصَهَارةِ التي تُمثِّلُ أيضاً رابطاً آخرَ من الروابط، وهكذا ينشأُ المجتمعُ مُجتمَعاً لهُ روابط، بدءاً مِن الأسرةِ التي تربطُها رابطةُ الأسرةِ رابطةُ الرَحَامةِ والقَرابَةِ، والتي تُساعدُها أن تعيشَ في واقعِ الحياةِ مُتعاونَةً، متكاتفةً، متعاطفةً مع بعضِها البعض، وهكذا يكونُ المجتمعُ مجتمعاً منظماً ومجتمعاً متماسكاً ومترابطاً ومجتمعاً متعاوناً.
عندما تشيعُ الفاحشةُ والجريمة، جريمةُ الزِّنَا والمَفاسِدُ الأخلاقيةُ تُوجِهُ ضَرْبَةً إلى هذه اللبنةِ المُهمة، لَبِنَةِ الأسرة، وتؤدي إلى تفككٍ في واقعِ المجتمع تفككٍ كبيرٍ وخطيرٍ جداً، ثم تؤدي كذلك ـ بدلاً مِن كلِ الآثارِ الطيَّبةِ التي هي في الإطارِ الأسري، الرحمةُ والأواصرُ القويةُ والقرابةُ والتعاونُ والتكاتفُ ـ تؤدي إلى نُشوءِ حالاتٍ في المجتمعِ هي نتاجٌ لذلك التفكك، حالاتٍ لا ترابُطَ بينَها، أولادٌ غيرُ شرعيين، وتؤدي كذلك إلى ضَعفِ الإقبالِ على الزواج وتكوينِ الأسر، وتؤدي إلى مفاسدَ كبيرةٍ في الواقعِ المجتمعي، مفاسدَ كبيرةٍ جداً، المجتمعاتُ الغربيةُ مِن أكبرِ ما يُهددُها اليومَ هذا التفككُ الاجتماعي، هذا التفككُ الخطيرُ جداً الذي يصِلُ في بعضِ المناطقِ ببعضِ البلدانِ أن تكونَ نسبةَ الأولادِ الذين لا أبَ لهم، لا أُسرَ لهم إلى نسبةٍ مئوية، عشرين بالمائة، ثلاثين بالمائة، في بعضِها أربعين بالمائة، أولادٌ لا أُسرَ لهم، ينشأُ بدونِ أسرةٍ، لَقَطُوهُ مِن الشارعِ فقط وذَهبوا بهِ إلى مَا ينُشئونه هناك مِن مؤسساتٍ للحضانةِ، ثم ينشأُ لم يحظ بِما حَظيَ به ابنُ الأسرةِ الذي حظيَ برعايةِ أسرتِه ونَشأَ في إطارِ أسرتِه، في جوِ الأسرةِ، ينشأُ ذلكَ ابنُ الشارعِ في حالةٍ مِن الانفلاتِ والضَياع، ثم تأتي أيضاً مؤسساتٌ ومنظماتٌ إجراميةٌ تستغلُه، تستغلُه، تجدُ فيهِ شخصاً مُنفَلِتَاً، لمْ يحظ بتربيةٍ ولا حمايةٍ مِن أسرتِه ولا مِن أحدٍ، فتستغلُهُ استغلالاً كبيراً في أشياءٍ كثيرةٍ يَستغلونه بما فيها الجريمة، فالقضيةُ خطيرةٌ جداً، المجتمعُ إذا تفكَّكَ ضَعُفَ، ولا مُستقبلَ له، الترابطُ الاجتماعيُ مِن أهمِ عواملِ القوةِ، ومِن أهمِ عواملِ الاستقرارِ الذي يُفيد المجتمعَ وينفعُ المجتمعُ ويصلحُ المجتمع، فالأعداءُ يحاولون أن يُلحِقوا ضرراً كبيراً في البُنيةِ المُجتمعيةِ وأن يَدفعوا بالبعضِ إلى الابتعادِ عن الزواجِ المشروعِ الذي مِن خِلاله يقضي الإنسانُ شهوتَه في مَحلِها ويُكوّنُ أسرةً، وإذا حَملَ الفَهمَ الصحيحَ واستوعبَ الرؤيةَ الصحيحةَ لِبناءِ الأسرةِ وفقَ تعاليمِ الإسلامِ يستطيعُ الناسُ مِن خلالِ ذلك أن يتوجَّهوا لبناءِ مُجتمَعٍ عَظيمٍ وصَالِحٍ تقومُ دعائمُ الحياةِ فيهِ وروابطُ الحياة فيهِ على أساسٍ مِن تعليماتِ الله وتوجيهاته، على أساسٍ مِن مكارمِ الأخلاق، على أساسٍ مِن الشرفِ والزكاءِ والطهارةِ والكرَامة، ويكونُ لهذا الأثرُ الكبيرُ على مستوى القيمةِ الإنسانيةِ والأخلاقية وعلى مُستوى الاستقرارِ المُجتمعي والأمني، ولهذا عندما قالَ اللهُ جلَّ شأنُه عن ج ريمةِ الزِّنَا {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}(الإسراء ـ من الآية 32)، أسوأُ طريقةٍ لقضاءِ الشهوة، أسوأُ طريقةٍ، لأنَّ اللهَ قد رَسَمَ طريقةً صحيحةً سليمةً مِن كلِ تلك الآثارِ السلبيةِ جداً لقضاءِ الشهوةِ، وهي الزواج، ومِن خلالِ الزواجِ يكونُ حتى للشهوةِ أثرٌ إيجابيٌ في تعزيزِ الروابطِ ما بينَ الزوجِ وزوجتِه بدلاً مِن أن تكونَ لها أيُ آثارٍ سَلبيةٍ على المستوى النفسي أو على المستوى الإيماني أو على مستوى العلاقاتِ الاجتماعية.
أيضاً مِن الآثارِ السيئةِ والخطيرةِ لجريمة الزِّنَا انتشارُ الآفاتِ والأوبئةِ المُدمِّرةِ للحياةِ وفي مُقدمتِها مرضُ الإيدز، أهمُ عاملٍ رئيسي لانتشارِ مَرضِ الإيدز هو المفاسدُ الأخلاقية، الانحرافُ الجنسي، جرائمُ الزِّنَا والفسادُ الأخلاقي أهمُ سببٍ لانتشارِ مرضِ الإيدز، وهو مِن الأمراضِ الخطيرةِ والفتّاكةِ والقاتلةِ لأنَّه يُدمِّر المَناعةَ في الجسم، يُدمِّر المَناعةَ في الجسم، وإذا انتهتْ وتعطلتْ ودُمرت المناعةُ في الجسمِ يُصبحُ الجسمُ ضعيفاً وقابلاً للانهيار، وصحةُ الإنسانِ معرضةً للانهيارِ الكُلي تجاهَ أي مَرض، لا تقاومُ أيَ مَرَضٍ من الأمراض، وهذه حالةٌ خطيرةٌ جداً، والأعداءُ عندما يسعون إلى نَشرِ هذه المفاسدِ في مجتمعاتِنا فهي أيضاً مِن الوسائلِ القاتلةِ والمدمِّرةِ لمجتمعِنا، مع أمراضٍ وأوبئةٍ أخرى، أمراضٍ أخرى ليسَ هذا فحسب، إنّما هذا في مُقدمةِ الأمراضِ والأوبئةِ التي تنتشرُ في المجتمعاتِ التي ينتشرُ فيها الفسادُ الأخلاقي وتنتشرُ فيها جرائمُ الزِّنَا، فالمسألةُ خطيرةٌ جداً، واقعُ الإنسانِ إذا أصبحَ مُصابَاً بهذا المرض، وهو أيضاً مَرَضٌ مُعدٍ، المشكلةُ أنَّه يَنشرُ العدوى، في كثيٍر مِن المجتمعاتِ يُضطرون إلى أن يَعزِلوا مَن يُصابون بهذا المرضِ ضمنَ إجراءاتِ الحَجْرِ الصحي، وهذه مأساةٌ على الإنسانِ في بقيةِ حياتِه عندما يُصبحُ يُشكِّلُ خطورةً بينَ المجتمعِ ويحتاجونَ إلى أن ينعزلَ عن المجتمعِ في حَجْرٍ صحي لأنّه أصبحَ يُشكِّلُ خطورةً على الآخرين حتى لا يُصيبَهم بهذه العدوى، فالمسألةُ خطيرةٌ جداً، الأعداءُ لا يُريدون لنا أيَ خير، عندما يَعملون على نشرِ هذه الجرائمِ في مجتمعاتنا هُم يُريدون قتلَ مُجتمعِنا وتدميرَه بكلِ الوسائل، بكلِ الأساليب، بكلِ الطُرقِ المتاحةِ لهم.
وهذه الجريمةُ الشنيعةُ القبيحةُ التي هي رذيلةٌ وخِسةٌ ودناءةٌ وانحطاطٌ وتدميرٌ للقيمةِ الإيمانيةِ والإنسانيةِ والأخلاقيةِ وهتكٌ للعِرض، الإنسانُ المُجرِمُ الذي يُمارِسُ هذه الجريمةَ هو يعتدي أيضاً، يعتدي على أعراضِ الآخرين، على أعراضِ الناس، معتدٍ ومُسرِفٌ ومُجرم، ومِن أسوأِ المجرمين، يتحولُ الإنسانُ سواءً كان رجلاً أو امرأةً إذا مارسَ هذه الجريمةَ يتحولُ مِن أسوأِ المُجرمين المَسخوطِ عليهم الملعونين عندَ اللهِ المغضوبِ عليهم، يَخسرُ إيمانَه، يَخسرُ قِيمتَه الإيمانية يَخسرُ شرفَه، يخسرُ كرامتَه، قضيةٌ شنيعةٌ جداً، خطيرةٌ للغاية، ووراءَها جهنَّم في الأخير، الزِّنَاةُ مصيرُهم إلى جهنَّم، الفاسدون أخلاقياً مصيرُهم إلى جهنَّم، والوعيدُ لهم بالنار وعيدٌ متكررٌ في آياتٍ قرآنيةٍ أخرى، في سورةِ الفرقان وفي سورٍ قرآنيةٍ أخرى، فالقضيةُ خطيرةٌ جداً، خطيرةٌ جداً جداً وسيئةٌ للغاية.
ما الذي يُوقِعُ الإنسانَ في هذه الجريمةِ، عواملُ تُوقِعُ البعضَ في هذه الجريمةِ، منها وفي مُقدمتِها الخللُ الإيمانيُ والإخلالُ بالضوابطِ الشرعية.
اللهُ سبحانه وتعالى قد جَعلَ مِن التوجيهاتِ والتشريعاتِ مَا يُساهمُ على حِمايةِ مُجتمعِنا المُسلمِ مِن خِلالِ الالتزامِ بِها من الوقوعِ في هذهِ الجريمةِ، وجَعلَ في تلك التشريعات ما يُمثِّلُ حاجزاً يَصونُ المرأةَ ويَصونُ الرجلَ مِن الوقوعِ في هذهِ الجريمة، هذه الضوابطُ الشرعيةُ هي مُهمةٍ جداً في صِيانةٍ مُجتمعِنا المُسلمِ في الحفاظِ على عِفَتِهِ على طَهارتِه على شَرفِه، على كرامتِه، على إنسانيتِه، على أخلاقِه، على روابطِه الأسرية، الضوابطُ الشرعيةُ ذاتُ قيمةٍ عاليةٍ وهي التي تُشكلُ الضمانةَ المؤكدَةَ لحمايةِ المجتمعِ المُسلم.
عندما نلاحظُ في النصِ القرآني كيف قال {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا}، أتى بمُفرَدَةِ {تَقْرَبُوا}، المشكلةُ على الإنسانِ هي الاقترابُ، هي الاقترابُ، الزِّنَا لا يأتي إلا عبرَ المُقدِّمَاتِ، له مُقدماتُه، الوقوعُ في المُقدِّمَاتِ هو الذي يُوقِعُ في الجريمة، هو الذي يُسقِطُ الإنسانَ إلى هذه الجريمةِ الشنيعةِ الفظيعةِ السيئةِ للغاية، ولهذا أتت عبارةُ {لَا تَقْرَبُوا}، {لَا تَقْرَبُوا}، اِحذَرْ مِن المُقدِّمَاتِ لأنَّه لا يُمكنُ أبداً الوقوعُ في هذه الجريمةِ إلا من خِلال المُقدِّمَاتِ.
المُقدِّمَاتُ يَمنعُكَ عنها الضابِطُ الشرعي، الالتزاماتُ الشرعيةُ التي تُحرِّمُها، يُحرِّمُ الإسلامُ التبرُّجَ الذي يُمثِّلُ حالةً مِن الإغراءِ واستمالةِ الآخرين، وهذا تحريمٌ على النساء، يَحْرُمُ على المرأةِ الت برُّجُ الذي تُغري به الآخرين، عندما تُظهِرُ زينتَها ومَفاتنَها أمامَ الآخرين غيرِ الأرحام، هناك دائرةٌ مُحدَّدةٌ للمرأةِ يمُكنها أن تُظهِرَ فيها زينتَها، أن تتزينَ وتلبَسَ زينتَها فيها حدَّدها القرآنُ الكريم في سورةِ “النور” في إطار المَحارِم، عندَ الزوج الذي له مساحةٌ كبيرةٌ جداً ليست لغيرِه في إظهارِ الزينةِ والمَفاتِن، حدودٌ معينةٌ أيضاً ـ أقلُّ مما يَخصُ الزوجَ ـ في إطارِ بقيةِ الأرحامِ، الأب، الأخوة، في إطارٍ معُين بأقلِ مِن الزوج، للزوجِ ما ليسَ لغيرِه في ذلك مِن إظهارِ الزينةِ والمفاتن.
أمّا في حدودِ بقيةِ الأسرةِ فلا يجوزُ أيضاً إظهارُ المفاتنِ ولا التعري بأي شيئٍ مِن الجَسدِ مِما يَحرُمُ إبداؤه أمامَ الآخرين، ولكن بالنسبةِ للملابسِ هناك مساحةٌ معينةٌ أمامَ الأرحام، أمّا الأجانبَ الآخرين فلا، لا يجوزُ التبرُّجُ وإظهارُ الزينةِ أمامَهم، كذلك النظرةُ الحرامُ تُمثِلُ مشكلةً خطيرة، النظرةُ التي يُحاولُ الإنسانُ فيها أن يستمتعَ ويتلذذَ بالنظرِ إلى الآخر، سواءً الرجل إلى المرأة، أو المرأة إلى الرجل، ثم كذلك كَسرُ حاجزِ العَلاقة، الدخولُ في عَلاقةٍ مباشرةٍ، وخاصةً ما بينَ أي رجلٍ أجنبي مع امرأةٍ أجنبيةٍ أخرى، هذه العلاقةُ التي يدخلُ فيها إمّا مُغازلةً أو خُلوةً أو تعاملاً فيه اختلاطٌ مُؤثِر، أو كذلك ما يحصلُ مِن البعضِ مِن خلالِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي أو التراسلِ بالجوالات، تبادلُ الرسائلِ الخاصةِ بالغَزَل، والتأثيرُ على العواطفِ والمشاعرِ، ثم إثارةُ الغرائزِ والرغبة.
هذه الممارساتُ بكلِها مُمارساتٌ محرَّمةٌ في الإسلام، يَحرُمُ عليكَ أن تدخُلَ في عَلاقةٍ مباشرةٍ خاصةٍ مع امرأةٍ أجنبية، يَحرُمُ عليك أن تَخلو بها، الاختلاطُ يُمثِّلُ خطورةً كبيرةً أيضاً وسلبيةً كبيرةً جداً، كَسْرُ هذه الحواجزِ والدخولُ في المُقدِّمَاتِ التي فيها إقامةُ روابطَ وعلاقاتٍ محرَّمة، ثم إثارةٌ للغرائز، ثم وقوعٌ وسقوطٌ في الجريمة، فالمُقدِّمَاتُ هي الخطرُ، وهي التي تُوقِعُ الإنسانَ في الجريمةِ، كذلك التفكيرُ، التفكيرُ السلبيُ، عندما يجلسُ الإنسانُ يفكرُ في الحرامِ، يتخيلُ الحرام، يُركِّزُ على الحرام، ينشغلُ ذهنياً وخيالياً، هذا يُؤثرُ عليهِ تأثيراً خطيراً جداً، فالإنسانُ إذا صانَ نفسَه مِن هذهِ المُقدِّمَاتِ والتزمَ بالضوابطِ الشرعيةِ واجتنبَ هذه العلاقةَ غيرَ المشروعةِ مع المرأةِ الأجنبية، اجتنبَ، ليسَ هناك أيُ لُزومٍ لأي علاقةٍ مباشرةٍ مع امرأةٍ أجنبية، هناك ضوابط، هناك أرحام، هناك تشريعاتٌ تصونُ الإنسانَ عن الوقوعِ أو الدخولِ في هذهِ العلاقةِ الشخصيةِ المباشرةِ التي تخلو فيها مع تلك، سواءً في المكان، أو تخلو من خلالِ الرسائلِ، وهذه الروابطُ التي لا ضرورةَ لها ليست ضرورةً ولا شرعيةَ لها، وتكسِرُ الحاجزَ، حاجزَ الحياء، ثم تؤسسُ للُميولِ والرغباتِ، ثم تُوقِعُ الإنسانَ في الجريمةِ والعياذُ بالله، فالإخلالُ بالضوابطِ الشرعيةِ يُمثلُ خطراً كبيراً، والحفاظُ على الضوابطِ الشرعيةِ يصونُ المجتمعَ، يصونُ الإنسانَ، يصونُ النفسَ، يساعدُك على أن تكونَ مُنضبِطاً، مشاعرُك متوازنة، لا تعيشُ حالةَ الانفلاتِ في هذه المشاعر، حالةَ الاستِعَارِ في هذه الرغباتِ والشهوات، لا، بل تكونُ في حالةٍ مِن التوازن.
مِن الأشياءِ المُهمةِ جداً جداً العملُ على تيسيرِ الزواج، وتشجيعِ الزواج، هذه مسألةٌ مُهمة، الطريقةُ الشرعيةُ، الطريقةُ التي تحفظُ المجتمعَ المُسلمَ، ثم تجعلُ مسألةَ الشهوةِ في إطارِها الصحيح، في إطارِها السليم، في إطارِها الفطري، الفطري حتى في واقعِ البشرِ بكلِهم، هذا هو الإطارُ الصحيحُ لقضاءِ الشهوةِ، الزواج، مِن الأشياءِ المؤسفةِ جداً صعوبةُ تكاليفِ الزواجِ، صعوبةُ الزواجِ عن طريقِ ارتفاعِ تكاليفِه، المشكلةُ في هذا تأتي مِن أين؟ أنَّ البعضَ مِن الآباءِ يَعتبرُ ابنتَه سِلعةً، يُريدُ أن يحَصُلَ مِن خلالِها على ثمنٍ كبير، لأنَّه يأكلُ المَهْرَ، لو سَلِمَ الناسُ أكلَ المُهورِ لانخفضت التكاليفُ، الكثيرُ مِن النساءِ قد ترغبُ بالزواجِ وقد تتفهمُ هي، لأنَّ الزواجَ هو حاجةٌ للمرأةِ وحاجةٌ للرجل، حاجةٌ لكليهما، فالكثيرُ من العانِساتِ والمعانياتِ مِن بقائِهنّ لفترةٍ طويلةٍ لم يتزوجنّ قد تتفهمُ أن تُخفِّضَ مِن التكاليف، الكثيرُ الكثيرُ مِن النساءِ ليسَ توجُهُهَا في هذه الحياةِ مُركّزاً على الحُصول على أموالٍ هائلةٍ جداً، هي تريدُ حياةً مُستقرة، هي بفطرتِها ترغبُ في تكوينِ أسرة، ترغبُ أن يكونَ لها أولادٌ، وترغبُ أن تعيشَ حياةً أسريةً مُستقرة، فعندما يُركِّزُ البعضُ مِن الآباءِ على أن يَحصُلَ مِن خلالِ ابنتِه على مبالغَ ماليةٍ هذا ظُلمٌ لها، ظُلمٌ لها عندما يتأخرُ زواجُها كثيراً وتُعاني نتيجةَ ذلك، وظُلمٌ لها لأنَّه سيأكلُ مَهرَها وهو مالٌ حرامٌ، عندما يأكلُ مَهرَها هو أكلَ مالاً حراماً عليها.
مِن المُهمِ أن يتعاونَ الجميعُ، مِن جانبِ الدولةِ، من جانبِ المجتمع، مِن جانب عمليةِ الزواج، هذه مسألةٌ مُهمةٌ في الإسلام، رسولُ اللهِ صلوات اللهِ عليه وعلى آلِه هو القدوة، كم كانت تكاليفُ زواجِهِ هو عندما تزوّج، وعندَما زَوّج، كم كانت تكاليفُ الزواجِ عندما زَوّج ابنتَه سيدةَ نساءِ العالمين؟ فاطمةَ الزهراء، أعظمَ إنسانةٍ في الواقعِ البشري بكلِه، هل كانت قيمتُها مرهونةً بثمنٍ مادي؟ الأرضُ بكلِها لم تكنْ لتكونَ ثمناً لفاطمةِ الزهراءِ عليها السلام، العالمُ بكلِه ما كانَ ليكونَ ثمناً لفاطمةِ الزهراءِ عليها السلام، قيمةٌ إنسانيةٌ إيمانيةٌ عاليةٌ جداً، ولكن المسألةَ بالنسبةِ للمَهرِ وتكاليفِ الزواجِ لا تُعبّرُ عن قيمةِ المرأة، لا تُعبّرُ عن قيمةِ المرأة أبداً، هي عمليةُ إحسانٍ وتكريمٍ وتقديرٍ تكونُ بالقَدرِ المُمكِن، بالقدرِ المُتيسرِ، بالقدرِ الذي لا يُحوّلُ مسألةَ الزواجِ إلى مسألةٍ مُعقَّدةٍ وصعبة، لا يستطيعُها الكثيرُ مِن الشباب، الكثيرُ من الناس، وللأسفِ الشديد يُعاني مَن يُريدُ الزواجَ المشاكلَ الماديةَ سواءً على مستوى ما يقدّمُه لولي أمْرِ المرأةِ، لوالدِها أو لأخيها، أو الإشكاليةَ الأخرى المُتعلقةَ بالتكاليف، تكاليفِ العُرْس، وتأتي مسألةُ استئجارِ الصالات، وتأتي مسـألةُ العاداتِ والتقاليدِ التي ترتبطُ بها تكاليفُ ماديةٌ أخرى، تتحولُ المسألةُ إلى عُقدةٍ كبيرةٍ جداً، يحتاجُ إلى ما يقدّمُه للزوجةِ مِن “حاضِر” مِن تكاليفَ لأسرتِها لوالدِها إلى آخرِه، وما يحتاجُه هو عندَهُ لإقامةِ العُرْسِ، ثم ترتبطُ بالمسألةِ كذلك عاداتٌ وعاداتٌ تُصبِحُ مكلّفةً جداً ومُرهِقة وتتعذرُ على الكثيرِ مِن الفقراءِ، وإذا تعسّرتْ مسألةُ الزواجِ فلذلك آثارٌ سلبيةٌ جداً في الواقعِ المجتمعي.
فمِن المهمِ جداً العملُ على تيسيرِ الزواج، لأنَّ ذلك ما يُساهم في الحفاظِ على الكرامة، على الشرَفِ، على العِرض، بما يساهمُ في صَونِ مُجتمعِنا المُسلم، والحفاظِ على الشبابِ والشاباتِ مِن هذهِ الجرائم.
في الواقعِ الزوجي والحياةِ الزوجية مُهمٌ كذلك تعزيزُ الحالةِ الإيمانية، الروابط، الروابطِ ما بينَ الزوجِ والزوجة، العَلاقات، المَحبَة، واجتنابُ كلِ العواملِ التي تؤثرُ سَلباً في زَكاءِ النفوسِ وفي المَيل، المَيلِ نحوَ الحرامِ والعياذُ بالله، التشريعاتُ الإلهيةُ كافيةٌ في ضَبطِ هذهِ الغريزةِ وفي قضاءِ هذه الشهوة بشكلٍ صحيحٍ وسليم، وفي صَونِ المجتمعِ المُسلم، واللهُ قالَ عن تشريعاتِه في القرآن الكريم {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا}(النساء ـ 27،28)، اللهُ قد قدَّمَ التشريعاتِ اللازمةَ التي ترعى هذا الإنسانَ، واللهُ يعلمُ بنقاطِ الضَعفِ لدى هذا الإنسانِ فقدّم التشريعاتِ التي تَحفظُه تُساعدُه على الالتزامِ على الانضباط.
نُؤكدُ أيضاً على الشبابِ والشابات، على الناسِ جميعاً، في ما يتعلقُ بمواقعِ التواصلِ الاجتماعي، سواءً في “الفيس بوك أو الواتس” أو كل تلك المحطَّاتِ التي يتواصلون مِن خلالِها والمواقعِ بِمختلف مُسمياتِها، أن يَتقوا الله، أن يَحذروا هذا الدخولَ في علاقاتٍ شخصيةٍ مُباشرةٍ تدخلُ في مرحلةِ التأثيرِ النفسي وتعزيزِ روابط غيرِ مشروعةٍ، ثم تدخلُ أيضاً في مرحلةٍ أخرى مِن الغَزَلِ، ثم تدخلُ في مرحلةٍ أسوأ، مِما يُوقِعُ الإنسانَ في الجريمةِ والعياذُ بالله، المراسلاتُ عبرَ “الجوالات” كذلك، الإنسانُ يَصونُ نفسَه، الرجلُ يَصونُ نفسَه والمرأةُ تصونُ نفسَها عن الدخولِ في مِثلِ هذه الروابطِ والمُراسلاتِ والعَلاقاتِ المُفسِدةِ الخطيرةِ جداً، على الإنسان وعلى نفسيتِه.
نكتفي بهذا المِقدارِ مِن الحديثِ على ضوءِ هذه الآيةِ المباركةِ، ونسألُ اللهَ سبحانه وتعالى أن يُوفقَنا وإياكم لما يُرضيهِ عنّا، وأن يرحمَ شهدائَنا الأبرارَ، وأن يشفيَ جَرحانا، وأن يُفرِّج عن أسْرَانا، وأن ينصرَنا بنصرِه، إنه سميعُ الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه