خطاب القدس للسيد نصرالله: رسائل ومعادلات بالجملة
.
على وقع إحياء الملايين ليوم القدس العالمي في الدول العربية والإسلامية، أشهر السيد نصرالله سيفه في خطاب القدس معلناً استعداده للنزال والانتصار في أي مواجهة مقبلة.
السيف الذي رفعه السيد نصرالله كان ذا حدّين، الأول تمثّل بمواجهة صفقة القرن، والثاني من خلال معادلة الصواريخ الدقيقة التي أشعلت الداخل الإسرائيلي المتأزم سياسياً على وقع فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة.
بدا لافتاً أن الحزب الذي بدأ مسيرته داخلياً، وتحوّل خلال العقد الماضي إلى حزب إقليمي، بات اليوم حزب ما بعد الإقليم عبر رسائل تحدّي وجّهها إلى واشنطن بأننا سنسقط صفقة القرن والمشروع الأمريكي الجديد، تماماً كما نجح الحزب في إسقاط المشروع الأمريكي المسمّى بتنظيم داعش الإرهابي.
وضع السيد نصرالله في خطابه النقاط على الحروف مؤكداً أنه “لا حرب بين إيران وأمريكا بسبب قوة طهران”، وأن “الاستخبارات الأمريكية تعلم أن الحرب على إيران ستشعل المنطقة ولن تبقى على حدودها ومن سيدفع الثمن إسرائيل وآل سعود”، كما أن “أي اعتداء إسرائيلي على أي هدف للمقاومة في لبنان سنرد عليه سريعاً ومباشرة وبقوة”.
إن خطاب الردع الذي رسم السيد نصرالله معادلاته بالأمس، يمكن تقسميه إلى شقّين رئيسين، الأول محور المقاومة وصفقة القرن، والثاني حزب الله ومعادلة الصواريخ الدقيقة.
محور المقاومة وصفقة القرن
بدا السيد نصرالله واثقاً في المحور الأول، مشيراً إلى إمكانية مواجهة صفقة القرن لأنّ جبهة المقاومة أقوى من أي زمن مضى. السيد نصرالله استند في خطابه إلى مواقف الشعوب العربية والإسلاميّة الداعمة للقضية الفلسطينية مشيراً إلى العديد من الدول من بينها إيران واليمن والبحرين.
لم يخفِ السيد نصرالله أن صفقة ترامب هي التحدي الأساسي اليوم في المنطقة، مؤكداَ ضرورة “مواجهتها لأنها صفقة الباطل، وتضييع الحقوق الفلسطينية العربية، إنها عار وجريمة تاريخية، ويجب أن تواجه بكل المعايير”.
تساءل السيد نصرالله عن قدرة المحور على الوقوف بوجه هذه الصفقة ليجيب بكل ثقة: “بكل تأكيد نعم”، ويضيف: يجب أن يكون لدينا كلّ الأمل والوضوح، بأننا نستطيع تحقيق الهدف ونمنع هذه الجريمة التاريخية من أن تتحقق”.
السيد نصرالله وفي معرض إشارته إلى قدرات المحور تطرّق إلى صواريخ المقاومة الفلسطينية التي وصلت إلى ما بعد تل أبيب، وكذلك القدرات المتطوّرة لجبهة لبنان، فضلاً عن التطورات في سوريا.
لم تغب أيضاً اليمن “القوة المتصاعدة، التي فشلوا في فرض إراداتهم عليها” عن كلام السيد نصرالله، فضلاً عن إيران التي اعتبر أن “أهم عناصر القوة هي إيران، كلّ التركيز عليها لإضعاف محور المقاومة، هي الموقع المركزي في المحور، والقوة الإقليمية الأولى والعظمى. صاحبة القوة الذاتية والحقيقية، في حين قوى إقليمية أخرى تستند إلى أمريكا والغرب وأجهزة المخابرات والقواعد العسكرية الأمريكية”.
السيد نصرالله وفي حين تطرّق إلى نقاط الضعف في المحور الآخر، جدد التأكيد على أن محور المقاومة، وجبهة الرافضين لصفقة القرن، أقوياء وقادرون على مواجهتها، إذا بقينا حاضرين في كلّ الميادين، متمسكين بالحقوق، واثقين بوعده بالنصر، المستقبل للقدس وليس لترامب ولا الأقزام الذين يعملون معهم وفق تعبير السيد نصرالله.
حزب الله ومعادلة الصواريخ الدقيقة
من موقع القوي والواثق بقدرات الحزب، تكلّم السيد نصرالله بصراحته المعهودة حول المواجهة القائمة مع الكيان الإسرائيلي، ليرسم معادلة جديدة تضاف إلى معادلات الجليل والأمونيا وديمونا. أطلق السيد نصرالله في خطاب القدس معادلة الصواريخ الدقيقة التي تمتلكها المقاومة، مشيراً إلى محاولات واشنطن وضعها في سلة مفاوضات واحدة مع ترسيم الحدود البرية والبحرية، لكن السيد نصرالله أكد أنه إذا ما استمر المسؤولون الأمريكيون بالسؤال عن امتلاك حزب الله مصانع صواريخ دقيقة، “فسنبدأ التأسيس لهذه المصانع… لدينا القدرة على التصنيع”، مُمازحاً أنّه بما أنّ تجارة السلاح هي أهمّ سوق في العالم، “يُمكننا أن نُصنّع الصواريخ ونبيعها للعالم، وندعم الخزينة”.
بصراحته المعهودة، أكد السيد نصرالله حق المقاومة في امتلاكها أي سلاح للدفاع عن البلد، مشيراً إلى تأكيد الحزب لجميع الذين سألوا عن امتلاك حزب الله لهذا النوع من الصواريخ الذي لا يتحمّله الكيان الإسرائيلي، إننا “نعم لدينا صواريخ دقيقة وتطول كل الأهداف المطلوبة في الكيان الصهيوني، واليوم أُعيد على مسمع العالم: نعم لدينا في لبنان صواريخ دقيقة وبالعدد الكافي الذي يستطيع أن يُغيّر وجه المنطقة، وأي استهداف للصواريخ، سنردّ عليه سريعاً وبقوة، وسنردّ الصاع صاعاً وربما أكثر”.
إذن تعدّ معادلة الصواريخ الدقيقة كلمة السرّ في أي حرب مقبلة، ولاسيّما أنها تعزّز معادلتي الأمونيا وديمونا، ما أكّده السيد نصرالله قدرة الحزب على صناعة هذه الصواريخ، وبالتالي فإن عمليات الاستهداف الإسرائيلية التي تحصل في سوريا لصواريخ المقاومة قد باتت ساقطة عسكرياً، لأن امتلاك الحزب لتكنولوجيا الصواريخ الدقيقة تضعه على سكّة الاكتفاء الذاتي في حال حصول أيّ تطورات عسكرية جديدة.
باختصار، إن خطاب الردع السياسي والعسكري الذي أطلقه السيد نصرالله من منصّة يوم القدس العالمي الذي أطلقه الإمام الخميني قبل أربعين عاماً جدّد التأكيد على أن الرهان السياسي والعسكري لمواجهة الكيان الإسرائيلي ومن خلفه واشنطن هو على المقاومة وعلى موقف الشعوب وليس على مواقف الأنظمة المتخاذلة ومسار التفاوض الذي لم يقدّم للقضية الفلسطينية قيد أنملة، لا بل على العكس، كبّل كل انتصاراتها
الوقت