ما سر التصعيد المتبادل بين برنامج الغذاء العالمي وحكومة..؟
كتب / حميد رزق
في جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول اليمن المنعقدة يوم 17 يونيو، شن مدير برنامج الغذاء العالمي ديفيد بيسلي هجوما مركزا على حركة انصار الله في اليمن، متهما إياها بعرقلة وصول المساعدات الانسانية الى مستحقيها بل وسرقتها من افواه الجائعين، وتوعد مدير البرنامج بتعليق عمليات الاغاثة الانسانية في المناطق الخاضعة لسيطرة المجلس السياسي الاعلى وحكومة الانقاذ في صنعاء المناهضة للتدخل السعودي في اليمن.
التهديد بوقف المساعدات المتزامن مع حملة اتهامات مركزة ضد أنصار الله، بدت غريبة لحجمها وتوقيتها.. صحيح أن علاقة حكومة الانقاذ في صنعاء ببرنامج الغذاء العالمي ليست مثالية لكن ثمة تعاونا وتفاهماً مشتركاً يحرص عليه الطرفان، غير أن الامريكي ديفيد بيسلي بدا في جلسة مجلس الأمن الأخيرة خصما مباشرا وطرفا لا تختلف لغته عما يرد في بيانات دول التحالف السعودي.
ليست المرة الأولى التي يلجأ التحالف السعودي الامريكي الى تسييس ملف المساعدات الانسانية في سياق الحرب الدائرة على اليمن، فقبل حوالي ستة شهور ترددت نفس الاتهامات ولكن بنبرة أقل حدية وأكثر تهذيبا مما حدث خلال الأيام القليلة الماضية.
في صنعاء، رفضت حكومة الانقاذ اجراءات برنامج الغذاء العالمي الذي يريد اعتماد أخذ بصمة الوجه والعين بالإضافة إلى معلومات تفصيلية عن المستفيدين، الأمر الذي يضع علامة استفهام حول الأهداف الحقيقية لمثل هذه الإجراءات التي حولت السلة الغذائية الى وسيلة لجمع المعلومات والبيانات لسكان المناطق غير المحتلة.
ملف المساعدات الانسانية وتنظيم عمليات الاغاثة والاستجابة الانسانية في اليمن ليست مثالية وتواجهها اشكالات عديدة، منها ما يعود الى قصور أو فساد محلي ومنها ما يتعلق بسياسات المنظات الدولية التي ترتبط بأجندات خارجية، وتوقيت الحملة التي دشنها مدير برنامج الغذاء العالمي ديفيد بيسلي على الاطراف الحاكمة في صنعاء لا ينفصل عن التطورات العسكرية والميدانية.
فبعد أيام من بدء التحول الاستراتيجي في الرد اليمني على السعودية وتواتر الضربات الصاروخية والجوية في عمق المملكة، برزت الى السطح اتهامات برنامج الغذاء العالمي وتهديداته بإيقاف المساعدات عن ملايين الجوعى في اليمن.. حكومة صنعاء فسرت الأمر باعتباره ردا على الرد اليمني بقصف الأهداف الحيوية والاستراتيجية داخل السعودية، وبجردة بسيطة لحسابات الحرب والمواجهة يتضح أن النظام السعودي استنفذ خلال الأعوام الأربعة الماضية كل ما لديه من أوراق الضغط العسكرية والسياسية والاقتصادية، وفشل في اجبار اليمنيين على الاستسلام، فكان اللجوء الى تسييس نشاط المنظمات الاغاثية والانسانية كورقة أخرى يحاول التحالف استخدامها للضغط على اليمنيين.
السعودية بعد أربع سنوت من الحرب واستنفاد كافة أوراقها لتسجيل الحسم العسكري، تفاجأت بالتحول الاستراتيجي في المعركة، بعدما دشن الجيش اليمني مرحلة القصف شبه المتواصل والمركز على الأهداف الحيوية والحساسة داخل المملكة.
وفي هذا السياق، تفهم صنعاء حملة التصعيد التي يقودها مدير برنامج الغذاء العالمي وتهديده بوقف المساعدات عن ملايين اليمنيين المحاصرين، ليضيف الى مشاكل حكومة صنعاء المزيد من الأعباء الضاغطة والمؤثرة.
تسييس المساعدات الانسانية وتحويلها الى ورقة من أوراق الحرب ليس جديدا ولا حكرا على الحالة اليمنية، فتاريخ المنظمات الدولية حافل بالوقائع المشابهة، حيث تتحول الأزمات والكوارث والحروب الى فرصة للكسب وجمع الأموال الهائلة على حساب ملايين الجوعى والمحرومين.
وبحسب دراسات، فقد بلغت المنظمات العاملة في اليمن حوالي 69 منظمة محلية ودولية، استلمت في عام 2018 ففط 2.6 مليار دولار، وقائمة أخرى بعدد 62 منظمة استلمت خلال الأشهر الأربعة الاولى من العام 2019 حوالي 450 مليون دولار.
وبلغ اجمالي المساعدات من بداية العدوان حوالي 20 مليار دولار، نصفها جمعت تحت مظلة الأمم المتحدة من الدول المانحة والنصف الثاني تبرعات من دول وجهات خارج الامم المتحدة.