كيف بدأ الطيران اليمني المسيّر يؤثر في المعادلات الدولية.؟
.
شارل ابي نادر
في مؤتمر صحافي خلال زيارته الأخيرة أمس لقاعدة الخرج العسكرية (جنوب الرياض)، ادعى فرانك ماكينزي قائد القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط “سينتكوم”، أن الأدلة تثبت صلة إيران بالهجمات على المدنيين والمنشآت المدنية في السعودية. وقال إنه اطلع على مجموعة من مختلف الصواريخ، منها الصواريخ الباليستية، بالإضافة إلى مكونات الطائرات بدون طيار التي استخدمت لمهاجمة السعودية من اليمن، وأكد على أن الدليل واضح أن هناك صلة إيرانية بهذه الهجمات.
بمعزل عن صحة المزاعم حول مسؤولية ايران المباشرة في تسليم الاسلحة النوعية اللافتة ( الطيران المسير والصواريخ الباليستية للجيش واللجان الشعبية اليمنية)، او مسؤوليتها غير المباشرة في تقديم الاستشارات المناسبة لتصنيع وتجميع تلك الاسلحة، فإن كلام المسؤول العسكري الاميركي يوحي وكأن القاذفات والصواريخ الموجهة والقنابل الذكية التي يُستهدف بها اطفال اليمن ومنشآته المدنية والحيوية هي صنع المملكة العربية السعودية، وقد تم تخطيط قدراتها في مراكز ابحاث الرياض للدراسات العسكرية، وتم جمعها في معامل الطائف للصناعات الدقيقة، وأُجريت التجارب عليها في حقول وصحاري نجران.
هذا الجدال العقيم حول حقيقة مصدر هذه القدرات اليمنية الاستراتيجية، تدحضه سخافة التبرير الذي يقول بما أن اليمن محاصر، فهذا يعني أنه عاجز عن تطوير قدرات عسكرية وأسلحة نوعية، متناسين أن ايران أيضًا حوصرت عشرات السنوات وما زالت، وهي الآن تسبب لهذا المجتمع الغربي عقدة نفسية وتوترًا واسعًا، بسبب القدرات الاستراتيجية التي صنَّعتها وطوَّرتها، والتي استدعت هذا الاستنفار الدولي غير المسبوق.
من هنا، تأتي القيمة العسكرية والاستراتيجية التي حققتها القدرات اليمنية النوعية وعلى رأسها الطيران المسير، والتي بدأنا نلمسها في متابعة مسار الحرب على اليمن، وكيف آلت الأمور بعد ادخال هذا السلاح في المعركة، في الميدان داخل اليمن، أو خارجه داخل المحافظات السعودية الجنوبية، وكيف أصبح هذا السلاح يسبب مشكلة للدول الغربية، تستدعي المتابعة وإعطاء جهد أكبر لمعالجتها.
في الحقيقة، لم يكن من الضروري القيام بزيارة للمسؤول العسكري الاميريكي الى القواعد الجوية السعودية، لكي يتم اتهام ايران بمسؤولية حيازة اليمنيين على الاسلحة والقدرات النوعية، فهذا الموضوع (اتهام ايران) ليس جديدًا، وهو معزوفة طويلة عمرها أكثر من أربع سنوات، وهي من ضمن النفوذ الايراني المستهدف بمناورة الانسحاب الأميريكي من الاتفاق النووي. ولكن طبعًا هناك أسباب عسكرية تقنية بالكامل لهذه الزيارة، لأن الأهداف السياسية تأتي من ضمن صلاحية الدبلوماسيين ويتكفل بها وبكل جدارة، صقر الادارة الأميركية وزير الخارجية مايك بومبيو، والصقر الآخر مستشار الامن القومي جون بولتون، ويمكن تحديد هذه الاهداف العسكرية للزيارة بالتالي:
من خلال متابعة مسار التركيز الفعال مؤخرا للطيران المسير اليمني على مطارات المنطقة الجنوبية الغربية في المملكة، يبدو ان الاميركيين اصبحوا على قناعة بان تلك المطارات، بامكانياتها العسكرية والمدنية معًا، هي على الطريق لكي تخرج من الخدمة، وحيث ما زالت استراتيجيتهم (الأميركيين) بمتابعة العدوان على اليمن قائمة، وحيث تحتاج هذه الاستراتيجية المستندة بالكامل الى التغطية والاستهداف الجوي، الى مطارات آمنة وصالحة للاعمال الجوية المختلفة، فلا بد من البحث عن طريقة لذلك والتي يمكن تأمينها من خلال ثلاثة خيارات وهي :
اولا: ايجاد بديل لهذه المطارات، يكون قريباً جغرافيّاً من بقعة عمل قاذفات تحالف العدوان وخاصة لتغطية البقعة الحدودية اليمينة السعودية المشتعلة حاليا ، ولان امكانية استعمال مطارات داخلية سعودية صعبة حاليا نظرا لبعد المسافة عن الحدود، فاحد البدائل يمكن ان يكون عبر حاملة طائرات اميريكة، تتمركز في البحر الاحمر مقابل سواحل جيزان، وهذا يمكن ان يقرره الجنرال الاميركي الزائر حيث يدخل نقل وتحريك القدرات العسكرية في الشرق الاوسط ضمن صلاحيته، وهذا الخيار وارد بسبب تكلفته الضخمة ماليا على المملكة، وهذا هو المطلوب.
ثانيا: اعادة تفعيل هذه المطارات العسكرية المستهدفة من خلال رفع مستوى منظومة الدفاع الجوي عنها، لمواجهة اغلب الطائرات اليمنية المسيرة، طبعا بعد إقناع مسؤولي المملكة بعدم نجاعة المنظومات التي يملكونها حاليا، مما يستدعي تسلم السعودية نماذج جديدة وحديثة من تلك المنظومات مثل ” ثاد ” او باتريوت باك 3 الحديث، الامر الذي يتطلب توقيع عقود مالية ضخمة بعشرات المليارات من الدولارات، وهذا الخيار غير مستبعد وهو ممكن بقوة.
ثالثا: المساهمة الاميركية المباشرة في الدفاع عن المطارات، من خلال وضع وحدات دفاع جوي اميركبة في تلك المناطق، وتكليفها بتنفيذ المدافعة الجوية وحماية المطارات السعودية. وهذا الامر ايضا له تداعياته المالية وتكلفته الباهظة، وهو ممكن بقدر ما يؤمن بدلا ماليا ضخما للاميركيين.
من هنا، قد نشهد قريبا بعد هذه الزيارة للمسؤول العسكري الاميركي الى قاعدة الخرج السعودية، وبهدف متابعة العدوان الواسع على اليمن والذي لامس الخمس سنوات، من خلال تفعيل التغطية الجوية المطلوبة، لجوء الاميركيين الى احد هذه الخيارات الثلاثة المذكورة.