تحذيرات من التقسيم بعد «انقلاب عدن»: لا بدّ من صنعاء..
.
تقرير – رشيد الحداد
تتجه سلطات صنعاء نحو تشكيل لجنة للمصالحة الوطنية والحل السياسي، بالاستفادة من الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة عدن، والتي ترى قيادة العاصمة أنها كشفت مجدداً عن «مخطط تقسيمي» يُراد لليمن، شمالاً وجنوباً، أن يبتلي به. مخططٌ باتت عدة أحزاب محسوبة على جبهة «التحالف» واعية له، لكنها تتردّد إلى الآن في قلب الطاولة بفعل ارتهان قياداتها للرياض
صنعاء | على رغم أن الأحداث الدامية الأخيرة التي شهدتها مدينة عدن، وانتهت إلى سقوط «العاصمة المؤقتة» للحكومة الموالية للرياض بأيدي الميليشيات المحسوبة على أبو ظبي، أسقطت آخر أوراق «شرعية» الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي والتي اتُخذت (ولا تزال) غطاءً للحرب المستمرة على اليمن للعام الخامس على التوالي، إلا أن سلطات صنعاء تنظر إلى تطورات الأيام الماضية على أنها مؤشر جديد وواضح إلى «مؤامرة» تمسّ وحدة البلاد، وهو ما تعدّه مؤشراً خطيراً يستدعي الوقوف بمسؤولية من أجل إفشال مخطط التقسيم، والذي ترى أنه كان هدفاً لـ«التحالف» منذ اليوم الأول لتدخله في اليمن.
القيادات السياسية والحزبية في صنعاء لا تعتبر سقوط عدن انتصاراً لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» ولا هزيمة لحكومة هادي، بقدر ما تجد فيه حلقة من مخطط سعودي ــــ إماراتي يؤسّس لجولات من الاقتتال الأهلي، ويستهدف إعادة البلاد إلى ما قبل 1990 (قبل الدخول في الوحدة). وهو عين ما ذهب إليه عدد من الأحزاب الموالية لـ«التحالف»، ومنها حزب «التجمع اليمني للإصلاح» (إخوان مسلمون) الذي دعت قيادات من داخله إلى فكّ «الشراكة» مع الرياض، والعودة إلى صنعاء لبناء تحالفات جديدة مع «أنصار الله»، فيما لا تزال قيادة الحزب، المقيمة تحت ما يشبه الإقامة الجبرية في السعودية، تعلّق آمالاً على الأخيرة لاستعادة ما فقدته من حضور في عدن.
دعت «أنصار الله» إلى استعادة العملية السياسية الداخلية، والاتفاق على تشكيل سلطة انتقالية(أ ف ب )
وبالتزامن مع توجه «المجلس السياسي الأعلى» في صنعاء نحو تشكيل لجنة للمصالحة الوطنية والحل السياسي خلال الأيام المقبلة، دعا عضو المكتب السياسي لـ«أنصار الله»، محمد البخيتي، «الانتقالي» و«الإصلاح»، إلى الحوار، والعمل على إنهاء الحرب، واستعادة العملية السياسية الداخلية، والاتفاق على تشكيل سلطة انتقالية تُمكّن الجميع من المشاركة في القرار السياسي وتقرير مستقبل اليمن، مؤكداً في تصريحات صحافية «انكشاف الشرعية الوهمية بسقوط عدن»، وواضعاً «تمسك الرياض بها في إطار الحفاظ على شرعية التدخل العسكري لتحالف العدوان». وأشار إلى أن «مشروع فصل الجنوب وفق الأجندة البريطانية السعودية الإماراتية يُعدّ فخاً لاستهداف أبناء المحافظات الجنوبية قبل غيرهم»، مضيفاً أن «المجلس الانتقالي سيجد نفسه عمّا قريب عاجزاً عن الدفاع عن كيانه المنشود أمام جشع دول قوية تملك حق التحكم في قراره وفي إدارة الصراعات والتناقضات الداخلية».
من جهته، يصف محافظ عدن المعين من قِبَل صنعاء، طارق مصطفى سلام، «ما تشهده المحافظة من صراعات وحروب ميليشياوية» بأنه «مخطط إماراتي سعودي لتعزيز الشقاق والتفرقة بين الشعب اليمني الواحد، بما يضمن للدولتين الاستمرار في وصايتهما واحتلالهما لليمن». ويقول سلام، في حديث إلى «الأخبار»، إن «سيطرة الميليشيات التابعة لقوات الاحتلال الإماراتي على عدن، بعد طردها أذيال حكومة هادي العميلة للسعودية، لن يغير شيئاً في واقع عدن المرير، بقدر ما سيضاعف معاناة المواطنين الأبرياء، الذين يدفعون ثمن كل هذه الصراعات والحروب المثخنة بالانتقام والكراهية، التي أسّس لها المحتل، وعزز وجودها في نفوس الضعفاء والمرتزقة». ويحذر سلام من «سياسة الانتقام والقتل التي تمارسها قوى متطرفة في عدن ضد أبناء المحافظات الشمالية، والتي تُعدّ سابقة خطيرة على حضارة عدن وتاريخها، بعدما حوّلها الأعداء إلى مستنقع للفوضى والخراب ومدينة أشباح تحتضن الإرهابيين والمتطرفين من مختلف أصقاع الأرض»، لافتاً إلى أن «العدو الإماراتي السعودي الحاقد، وبأيادي الانتقالي الانفصالي والشرعية المزعومة العميلة، هم من ذبحوا عدن من الوريد إلى الوريد وشرّدوا أهلها».
قياديون جنوبيون: قضية الجنوب اليوم مع المحتل الغازي، وتحريرها من تحالف العدوان أولوية
ممارسات لا يزال مسلسلها مستمراً في صورة مداهمات واعتقالات وعمليات اقتحام تستهدف حتى القيادات الجنوبية التي وقفت مع القوات الموالية لهادي أو على الحياد، فضلاً عن إجبار أسر العشرات من تلك القيادات على مغادرة عدن بسيف الترهيب من اقتحام منازلها وسلب ممتلكاتها. كل ذلك يجري تحت ستار «الانتصار للقضية الجنوبية»، على حدّ تعبير رئيس «الانتقالي»، عيدروس الزبيدي، الذي قال، الأحد الماضي، إن «إعادة تحرير عدن بداية فعلية لتحرير المحافظات الجنوبية». في هذا الإطار، يرى القيادي في «أنصار الله» في محافظة أبين، صالح الجنيدي، أن ثمة «مخططاً إماراتياً خطيراً اتضحت ملامحه خلال الأيام الماضية، وتمثل في اقتحام منازل قيادات عسكرية وسياسية من أبناء أبين وشبوة من قِبَل ميليشيات أبو ظبي بهدف ضرب السلم الأهلي، وإدخال المناطق الجنوبية في صراعات انتقامية لا تُحمد عقباها». ويعرب الجنيدي، في تصريح إلى «الأخبار»، عن اعتقاده بأن «قضية الجنوب اليوم إنما هي مع المحتل الغازي، وتحريرها من تحالف العدوان أولوية»، مشيراً إلى أن «السيطرة على مدينة عدن إنما تَحققت لميليشيات موالية لأبو ظبي، تنفذ أجندة خارجية لا علاقه لها بالقضية الجنوبية»، متّهماً «دول الاحتلال بتدمير النسيج الاجتماعي الجنوبي، وزع العداوات بين أبناء المحافظات الجنوبية».
جريدة الأخبار