بين سفينة ” دوريات دولت” و”إعادة الشرعية ” .. الاحتلال الإماراتي يستنيخ ادوات الاحتلال البريطاني
بين سفينة ” دوريات دولت” و”إعادة الشرعية ” .. الاحتلال الإماراتي يستنيخ ادوات الاحتلال البريطاني
يمني برس – تقرير
تمر علينا الذكرى 56 لثورة 14 أكتوبر التي اندلعت في جنوب الوطن حينها ، هذا الجنوب الذي يرزح اليوم تحت وطأة الإحتلال الإماراتي ، وفي هذه المناسبة التي تجعلنا نعود للتاريخ وللحديث عن ثورة أكتوبر لقراءة تشابه مطامع الاحتلالين والسير في نفس النهج والسياسية ، حتى ولو مر على الاحتلال البريطاني سته وخمسون عاما فالهدف وواحد والاساليب واحدة ، السيطرة على مؤاني وثروات اليمن .
بين سفينة دوريات دولت وإعادة الشرعية .
لقد كانت عدن ولا زالت محط أنظار كثير من الدول الطامعة في إرساء قواعد لها على البحر الأحمر والخليج العربي ومن ثَمَّ السيطرة على المحيط الهندي، والحصول على السيطرة الاقتصادية والسياسية في تلك المنطقة، فتوالت على عدن الكثير من القوات و الدول المستعمرة وكان من تلك الدول بريطانيا، حيث قامت ببعض المقدمات لاحتلال عدن فأرسلت في بداية الأمر الكابتن هينس أحد ضباط البحرية إلى منطقة خليج عدن في عام 1835م وذلك لمعرفة مدى صلاحية المنطقة لتكون قاعدة بحرية ومستودعا للسفن البريطانية وقد أشار هينز في تقريره إلى ضرورة احتلال عدن لأهميتها الاستراتيجية .
بدأت بريطانيا بالتحرك والتسابق لإحتلال عدن، وفي البداية كانت خطتها أولا استكشاف المنطقة عن كثب، وإنشاء قواعد العملاء والجواسيس- وربما بعض الصداقات أيضاً التي قد تخدمهم في المراحل القادمة. أما الأمر الثاني فهو محاولة تفجير خلافات نوعية بشأن مصالحهم واتفاقياتهم مع اليمنيين، ثم تطويره ليتحول إلى مبرر لتدخل عسكري مباشر يوصلهم إلى قلب عدن ، وعلى الرغم من نجاحهم النسبي في الأمر الأول، لكنهم أخفقوا في تطوير ذرائعهم وخلافاتهم مع اليمنيين إلى الحد الذي يبرر لهم استخدام القوة.. فلم يكن من صاحبة الجلالة الملكية للعرش البريطاني إلا أن ألقت بالمهمة على عاتق أحد جنرالاتها المشهورين للتصرف بالأمر على وجه السرعة، وكان ذلك الرجل “ستا فورد بتسورث هينس” من مواليد عام 1802م.
بدأ هينس مهمته بالتقدم بشكوى لحاكم عدن يدعي فيها بأن السفن التجارية البريطانية المسافرة بين بريطانيا ومستعمراتها في جنوب شرق آسيا تتعرض لاعتداءات من قبل بعض المناطق اليمنية الخاضعة لسلطة عدن.. وحذر من عواقب تكرار مثل هذا العمل. لكن العبدلي حكام عدن استطاع احتواء الموقف ونفي الادعاءات والتفاهم مع البريطانيين بهذا الشأن.
أما هينس فلم يهدأ له بال فكان يبحث عن عذر لإحتلال عدن حتى تجهز للخطوة الأساسية إذ رفع العلم البريطاني على سفينة تجارية هندية يطلق عيها اسم (دوريات دولت)، وجعلها تمر بشاطئي عدن، وهناك ادعى أن قبائل إحدى المناطق اليمنية اعتدوا على السفينة ونهبوها وقتلوا بعض رجالها رغم أنها ترفع العلم البريطاني.. ومن غير أن يتيح فرصة للدفاع أو شرح الموقف، وجه “هينز” مدافعه نحو عدن وباشر بضربها بقوة.. ثم أنزل بعض رجاله على شواطئ عدن لمحاولة الدخول إلى المدينة واحتلالها، إلا أنهم واجهوا مقاومة شديدة من أهالي عدن الذين قتلوا عدداً كبيرا من القوة المهاجمة واضطروا الآخرين للفرار وعلى أثر هذه الواقعة كتب “هينس” لحكومته طالباً الدعم والتعزيز، إلا أن الرد كان سلبيا حيث اعتذرت حكومته عن إمكانية إرسال أي قوة إضافية سواء من بريطانيا أم من مستعمراتها ونصحته بالتصرف وفقاً لإمكانيات القوة المخصصة تحت قيادته. فعمل “هينس” على المناورة بأسلوب الكر والفر لعدة أسابيع، ثم هجم بكامل قوته على عدن وتسنى له دخولها في يوم 19 يناير 1839م، وزف في اليوم نفسه بشائر احتلاله لعدن إلى بريطانيا فكان أن استغربت حكومته من المفاجأة، وعندما سألوه عن الكيفية التي نجح فيها من اقتحام عدن رغم تحصيناتها وقلة أفراد قوته، أجابهم بأنه كان يستعين بأناس من الداخل في عدن لتزويده بالمعلومات وتحركات القوات اليمنية وأحجامها، وأنه كان يشتري منهم هذه المعلومات”العظيمة والثمينة” بثمن بخس جداً، ولا يستحق الحديث عنه.
هذا كان عذر بريطانيا لإحتلال الجنوب ، عذر لا يستوعبه أحد ، لكن لكل مستعمر اعذر يرتكز عليها ويبرر بها احتلاله ، لم يختلف الاحتلال البريطاني في عذره عن الاحتلال السعودي الاماراتي للجنوب ، فالإمارات والسعودية شنوا عدوان على الشعب اليمني بحجة اعادة الشرعية ، ومع مرور الوقت وسيطرت الإمارات على عدن ومينائها كانت اول من تتخلص منه من عدن الشرعية ، ليتكشف ان عذر اعادة الشرعية ما كان إلا مجرد غطاء لإحتلال الإماراتي السعودي للمحافظات الجنوبية .
فرق تسد .. القاعدة البريطانية الإماراتية .
وضح يعقوب “جاكوب” التفكير المبكر لقائد الاحتلال البريطاني لعدن الكابتن “هنس”في تقسيم اليمن بقوله: اعتقد هنس (1839_1854م) انه من المضر بالمصالح البريطانية أن يصبح “الشمالي” قريبا جدا من “عدن”والجنوب.
وكانت بريطانيا تعمل جاهدا بأن لا يتوحد الجنوب والشمال ،ولهذا رسمت الحدود ووقعت اتفاقيات مع الشمال بعد التدخل بالجنوب ، اليوم ما يقوم به الاحتلال الإماراتي نفس تلك الاساليب فيقوم برسم الحدود بين الشمال والجنوب ويبحث عن انفصال الجنوب ، ويدعم مليشات هناك انفصالية هدفها الاساسي انفصال الجنوب ، وما يقوم به المجلس الانتقالي ومليشياته من طرد لأبناء الشمال والخطاب التحريضي ضدهم ومطالبته بالانفصال التي وصل للمطالبه به قيادات اماراتيه ، وكأن قاعدة فرق تسد البريطانية اصبحت أماراتيه فهي تزرع الاحقاد بين ابناء الجنوب والاقتتال فيما بينهم وأخرها ما خدث قبل اشهر في عدن خير دليل على تشابه الادوات والاساليب والخطط .
المليشيات اليمنية .. ادوات الاحتلال
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وضع الجنرال الإنكليزي جاكوب خطة لتشكيل قوات يمنية محلية، لتخفيف العبء عن القوات البريطانية في جنوب اليمن في مواجهة الدولة الوليدة في الشمال بعد انسحاب الأتراك منها. وقد راهن جاكوب على عدم ظهور نزعة قوية للقومية اليمنية تؤدي لتعصب الجنوبيين مع الشماليين أو العكس. أسّس أول فرقة عسكرية من اليمنيين في الجنوب عام 1918. وعند قيام دولة الإمام يحيى في الشمال باستعادة مناطق الساحل الغربي التي سيطرت عليها بريطانيا أثناء الحرب العالمية الأولى ثمّ سلمتها لحليفها مصطفى الإدريسي المعادي للإمام يحيى، حاول الإنكليز مواجهة توسّع إمام الشمال بقوات يمنية تمركزت في جزيرتي ميون “باب المندب” وكمران في البحر الأحمر. إلاّ أنّ تلك القوات رفضت قتال اليمنيين المناهضين لبريطانيا وقامت بقتل قائدها في ميون الجنرال لورانس والفرار إلى منطقة الشيخ سعيد الواقعة تحت سيطرة قوات الإمام يحيى، ما أدى إلى تسريح ما تبقّى من هذه القوات عام 1925، لتشكيلها خطراً على الإنكليز بدلاً عن كونها أداة لهم، وسقطت بذلك نظرية جاكوب عن ضعف النزعة القومية اليمنية التي راهن عليها.
ولأن حاجة الإنكليز لوجود قوات محلية تتحمّل أعباء الأمن وإخضاع التمرّدات القبلية ومواجهة المناوشات على حدود الشطرين (وفق الاتفاقية التركية البريطانية لترسيمها في 1914)، فقد قامت بريطانيا بإنشاء قوات جديدة ابتداءً من عام 1928، لكنها أخذت بعين الاعتبار تجربتها الأولى، وأسست قوى عسكرية عدة منفصلة عن بعضها جيش عدن أو “جيش الليوي”، الحرس الحكومي، الحرس القبلي، جيش البادية الحضرمية، الجيش اللحجي، جيش المكلا النظامي، الجندرمة القعيطية والكثيرية، وذلك لتتمكّن من توظيف كل قوة ضد الأخرى. وفي الوقت نفسه، اختارت المجنّدين على أساس مناطقي فصيل العوالق والعواذل، فصيل يافع وعزان، فصيل الحسني والميسري بحيث يمكن لجيوش كل قبيلة إخضاع الأخرى من دون أن تثنيها عن ذلك عوامل القرابة والولاءات القبلية، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن تشكّل هذه القوات المقسّمة تكتلاً عسكرياً كبيراً يمثّل خطراً على الإنكليز لاحقاً.
إن التجربة الإماراتية اليوم تكرر السيناريو نفسه بالنسبة لتركيبة الجيوش وقوى الأمن الموزعة على أسس مناطقية، وقامت بإنشاء جيوش من اليمنيين ينفذوا توجياتها وتعليماتها ومشاريعها وقامت بتدريب وتسليح جيوش محلية في أكثر من محافظة، كالنخبة الحضرمية في حضرموت والنخبة الشبوانية في شبوة، والحزام الامني بالضالع وابين وعدن ، وابو العباس في تعز ، وطارق صالح في الساحل .
مسيميات الاحتلال البريطاني .. مشاريع الاحتلال الاماراتي
أعادت الإمارات عبر مرتزقتها استخدام مسميات بريطانيا لجنوب اليمن بالجنوب العربي، وهي التسمية التي يعتمدها المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة عيدروس الزبيدي ، كمجلس معارض لستمرار الوحدة مع الشمال من جهة أخرى. ويستخدم في إطار ذلك تسمية الجنوب العربي لجنوب اليمن وهي التسمية التي اعتمدتها بريطانيا بين 1959 و1967 مع تأسيس “اتحاد إمارات الجنوب العربي”، قبل أن تضم إليها عدن وتعدل التسمية إلى “اتحاد الجنوب العربي”.
مرتزقة الاحتلال .. الحضور دائما .
حينما أحتلت بريطانيا عدن كان اول اعمالها شراء ولاءات السلاطين وقوى جنوبية لهذا قامت لندن أيضاً بدعم قوى جنوبية موالية لها من السلاطين و”عدن للعدنيين” للقيام بالتفاوض حول الجنوب بدلاً عن القوى الوطنية المناهضة لها خصوصاً الجبهة القومية. وتقوم الإمارات اليوم بدعم تمدّد المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أصبح يتحدّث عن كونه الممثل للقضية الجنوبية، في ظلّ إعلان قوى جنوبية أخرى تعتبر قيادات تاريخية في الحراك الجنوبي، كحسن أحمد باعوم، رفضها للمجلس الانتقالي. كما أنّ القمع البريطاني للجبهة القومية حين رفعت راية الكفاح المسلح ضد الاحتلال تمارسها اليوم الإمارات ضد قوى أخرى في الجنوب ترفض سياستها، كما كان سابقاً بين بريطانيا والقوميين العرب.
فالتاريخ اليمني يقول بأن المحتل الأجنبي دائما ما كان يستعين ويقاتل بالمرتزقة اليمنيين ، لكنه يقول بأن الاحتلال دائما ما يهين ويقتل ادواته ، وليس بعيد عن التاريخ القديم ، قتلت الإمارات مرتزقتها بالطيران قبل عدة اشهر ، مع هذا هناك العديد من اليمنيين لم يستوعبوا دروس التاريخ او الدروس الحالية بشأن الإحتلال .