عطان وعبدالملك ونقم وسكود والصماد وصمود .. أسماء فرضت نفسها في زمن العدوان
عطان وعبدالملك ونقم وسكود والصماد وصمود .. أسماء فرضت نفسها في زمن العدوان
يمني برس – استطلاع / بشرى الغيلي
في العام 2015م صرّحت الأحوال المدنية أن أغلب الآباء القاطنين بأمانة العاصمة، الذين رزقوا مواليد جدداً، تقدموا بطلب شهادات ميلاد بأسماء الجبال اليمنية الشامخة: عطان، وعيبان، وغيمان، و«صمود» نسبة لصمود الشعب اليمني في وجه العدوان الغاشم والهمجي على اليمني، والذي دمّر كل شيء، فيما كان لأسماء الشخصيات القيادية والمؤثرة النصيب الأوفر، والصواريخ التي تزامن إطلاقها من قبل الجيش واللجان الشعبية كتوشكا، وسكود، وبركان، وزلزال،
مع ميلاد أطفال جدد تمت تسميتهم بها. المشاركون في الاستطلاع الذي أجرته «لا» أكدوا أن الشعب اليمني وفيٌّ بالفطرة ويعتز بمن يرفع اسمه عاليا ويحمي مقدساته، لذلك يفاخرون بأن يسموا مواليدهم حسب مناسبة الحدث.
تفاصيل أكثر ضمن سياق الاستطلاع التالي.
شعبٌ وفي لرموزه
أمة الملك الخاشب (كاتبة وناشطة سياسية) تقول إن الشعب اليمني يحب من يدخل البهجة في نفسه، ويرفع رأسه دائما، ويحب من كان صاحب فضل عليه وإحسان، وتضرب مثالا أن الشعب اليمني عرف بتعلقه بمعلمه الأول وهو الإمام علي (عليه السلام) ونصرته لذريته وإطلاق أسماء أهل بيت النبي على أولادهم، فلا تجد بيتاً يخلو من اسم محمد وعلي وفاطمة وحسن وحسين.
وتقارن الخاشب فترة العدوان بمراحل سبقت، حيث تقول: في فترة العدوان انتشر اسم «توشكا» جدا بعد ضربة صافر، وانتشر اسم «صمود» تعبيرا عن صمود الشعب اليمني ككل، وكذلك اسم «نصر الله» تيمنا بالسيد حسن نصر الله، وأيضا انتشر اسم «صماد»، وتؤكد أنها كانت في المستشفى بنفس اليوم ورأت مولودين أطلق عليهما اسم «صماد». كما أن بعض الآباء ممن صادف تاريخ ميلاد بناتهم يوم الغدير، أطلقوا عليهن اسم «غدير»، وحتى في ذكرى الإمام زيد ينتشر الاسم أكثر.
وتختم الخاشب حديثها بالقول: اسم عبدالملك انتشر كالبرق، وأينما اتجهت تجد هذا الاسم، تيمنا بالسيد عبدالملك، وكذلك «جبريل» و«عطان»، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن شعب الوفاء يبادل الوفاء بالوفاء، وأنه شعب يعتز بتاريخه وبحاضره، ويعتز بمن يعزه ويرفع اسمه عالياً، شعب تجري الثورة في شرايينه، وتربى على العزة، وثار على كل من حاول إذلاله.
مواكبة الأحداث
أمل الماخذي (رئيسة المركز اليمني لحقوق الإنسان) تؤكد أن تسمية المواليد الجدد حسب الأحداث، هي طبيعة الشعب اليمني، وتضرب مثلا في حرب الخليج عام 1990م أكثر المواليد الذكور كانت أسماؤهم «صدام»، والفتيات «بغداد»، حتى في فترات السلم كان اليمنيون يسمون مواليدهم بأسماء شخصيات تلفزيونية، وتضرب مثالا بمسلسل الجوارح الذي في فترة بثه انتشر
اسما «أسامة» و«العنقاء».
وتواصــــــــل الماخذي: لكن في فترة العدوان أصبح أغلب أسماء المواليد مسببة، إما تيمناً بأسماء القادة مثل عبدالملك وجبريل وغيرهما، أو أسماء الشهداء داخل الأسر. وعن تجربة شخصية تقول الماخذي: سمينا أنا وزوجي ولدنا باسم طه على اسم الشهيد طه المداني سلام الله عليه.
لكل زمان رجاله
حسن شرف الدين (المدير التنفيذي باتحاد الإعلاميين اليمنيين) يرى أن لكل زمان رجاله، وأن الأحداث الجسام هي التي تصنع الرجال وتؤسس الدول، بالمقابل هي التي تزعزع عروش الطغاة وتزيل أنظمة الفساد، والعدوان أثر تأثيرا مباشرا على جميع مكونات الشعب، وجعلهم جميعا صفا واحدا ضد العدوان تحت قيادة القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي، وهذا التوحد رسم معالم دولة جديدة بعيدة عن الهيمنة والسيطرة على القرار السياسي. كما أن ذلك جعل الشخصيات البارزة محببة وقريبة من قلوب الأطفال والنساء والرجال، وأصبحوا قدوة في الصمود والقتال والمواجهة وإدارة الحرب، وحاولوا تخليد تلك المآسي في الأجيال القادمة. ويضرب شرف الدين مثالا بأحد زملائه الذي أطلق على مولوده «عطان» في نفس يوم جريمة جبل عطان، بينما آخرون سموا أطفالهم بأسماء القادة والشهداء، فمنهم من سمى مولوده «عبدالملك» تيمنا بقائد الثورة، وآخر سمى طفله «حسين» تيمنا بسبط رسول الله، أو بمؤسس المسيرة القرآنية، وآخر سمى مولوده «حيدر» تيمنا بالإمام علي كرم الله وجهه، أو بالقائد الميداني «أبو حيدر الحمزي».
ويضيف شرف الدين جزئية أخرى في الموضوع أن كره الشارع اليمني لقيادات العدوان ومرتزقتهم جعل الآباء الذين لديهم أسماء أبناء نفس قياداتهم البارزة مثل «سلمان» و«عبدربه» و«زايد» يعانون كثيرا من تلك الأسماء، وأن البعض منهم سعى إلى تغيير اسمه أو اسم ولده لأنه يشعر بعدم الرضا عن الاسم الذي ارتبط بشخص ارتكب أبشـــــــــع الجرائم فــي حق أبناء الشعب اليمني، ويدل على ذلك أن أحد الآباء تقدم إلى المحكمة بطلب تغيير اسم ولده من «عبد ربه» إلى اسم آخر.
من هو عطّان؟
لم يعد مجرد جبل صمد أمام أعتى وأشرس الغارات الجوية التي تلقّاها من قبل دول العدوان، عطان واجه القنبلة النيتروجينية التي راح ضحيتها المئات، ولازال صامدا، بل صار اسما في سجلات مواليد الأطفال بالأحوال المدنية منذ بدء العدوان على بلادنا. ويقع جبل «كولة عطان» في الجهة الجنوبية من العاصمة صنعاء، ويضم حي «فج عطان» الذي يعتبر أحد أحياء مديرية السبعين، ويبلغ عدد سكانه 13.165 نسمة وفقاً للتعداد السكاني للعام 2004م، بالإضافة إلى حارة حصن عطان وهي إحدى حارات حي العفيف بمديرية السبعين، ويبلغ تعداد سكانها 193 نسمة، ويعتبر حصن عطان أحد أهم الحصون التاريخية الأثرية التي دمرها العدوان السعودي ضمن مواقع أثرية عديدة في العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى. ومن الجهة الشرقية للعاصمة صنعاء يقع جبل «غيمان» المعروف بجبل «نقم»، والذي تعرض ولايزال لعشرات الغارات الجوية أيضا، أما جبل «عيبان» فيقع في جنوب العاصمة صنعاء خلف جبل «عطان»، وهو أكثر ارتفاعا من عطان وأكبر طولا منه.
مواقف مبهرة
نادية محمد (بكالوريوس محاسبة ـ كلية التجارة والاقتصاد ـ جامعة صنعاء) تؤكد أن أهم الأسباب من وجهة نظرها في التسميات إما تكون لتخليد أشخاص صنعوا مواقف مبهرة كما حدث لأسماء برزت في فترة العدوان، فاستحقوا أن يكونوا قدوة لسواهم، وترى أن ذلك يخص الأسماء المعاصرة، أما الأسماء القديمة فهي دائما ما تكون لإحياء ذكرى أعلام الهدى وتبني اتجاهاتهم أو بدافع الحب والتشيع (مناصرة التوجه)، أما أسماء الأماكن فلأنها تمثل أروع ملامح الصمود أو لتأكيد الحق التاريخي لليمن في تلك المناطق المنضوية تحت وطأت اتفاقية، أو صلح أعوج، حسب تعبيرها.
مصدر شعور بالفخر
أمل الغيلي (علم نفس جامعة صنعاء) بدأت مداخلتها بأن اليمنيين يلاحظ عليهم التأثر بالأحداث، ومثالها على ذلك: أحداث العراق التي تفاعل معها الشعب اليمني وأغلبهم أطلقوا على مواليدهم «صدام، وعدي، وقصي»، وحتى عندما تحدث انتفاضة في فلسطين تكثر أسماء «غزّة، حماس، جنين»، مضيفة أنه ليس بغريب أن يتأثر اليمنيون بحدث داخلي كالعدوان الغاشم الذي دمر الشجر والحجر، فسموا مواليدهم بأسماء يشعرون معها بالفخر والقوة وإظهار الانتماء والولاء لحدث معين أو شخصية أبلت بلاءً حسنا كـ«عطّان، عيبان، جبريل، صماد، طه»، ومن أسماء الأسلحة «توشكا، وسكود».
«سكود» طفل في عامه الرابع
ومن تسمية المواليد بأسماء الجبال الشمّاء «عطان، عيبان، وغيمان»، والشخصيات القيادية البارزة، إلى التسمية بأسماء الأسلحة، حيث تحدثت «أم سكود» قائلة: تزامن وضعي لطفلي مع إعلان المتحدث الرسمي باسم الجيش واللجان الشعبية عن إطلاق صاروخ «سكود» على قاعدة «السليل» الجوية السعودية في وادي الدواسر آنذاك، وقد كنّا ننوي تسميته «عطان»، فغيّرنا الاسم إلى «سكود» وكانت الفرحة فرحتان.
وفاء النهاري (قسم ترجمة جامعة صنعاء) تحدد مداخلتها بأسماء الشخصيات الفذة حيث تسمي الأسر مواليدهم بأسماء شهدائهم ليخلدوا ذكراهم بعد استشهادهم في ميادين الشرف والكرامة، ثم تعرّج على أسماء الأماكن التي حدثت فيها انتصارات، أو واجهت أشرس الغارات الجوية، وتضيف: في عائلتهم مولود أطلق عليه اسم «سام» نسبة إلى إذاعة «سام FM» التي رافقت الشعب حينها ببث روح الجهاد والحماس لدى المستمعين الذين رأوا في الجهاد واجباً وطنياً، وكما يقال بأن لكل مسمى من اسمه نصيب.
أما أفنان الوجيه فتختصر رأيها قائلة: إن العائلات تسمي المواليد بأسماء الرجال الأوفياء الذين سطروا أروع الملاحم البطولية، وفاء لهم، ولكي يحذوا حذوهم مواصلين دربهم في تحقيق النصر لليمن.
اتفق جميع من شملهم الاستطلاع أن الشعبَ اليمني وفيٌّ بالفطرة لرموزه وللشخصيات التي تضع بصمتها وتكون مؤثرة على جميع المستويات سياسيا، واجتماعيا، وعسكريا، وحتى المواليد الذين صادفت ولادتهم أثناء إطلاق صواريخ من قبل الجيش واللجان الشعبية رسمت فرحة على تلك العائلات التي كانت فرحتها مضاعفة… فصارت أسماء الجبال والأسلحة والمواقع التاريخية تمشي على قدمين بلحم ودم.
صحيفة لا