نهاية العاصفة.. السعودية والعالم في خطر بعد فشل خطط أمريكا
نهاية العاصفة.. السعودية والعالم في خطر بعد فشل خطط أمريكا
يمني برس:
كثرت مؤخراً المؤشرات على وصول العدوان على اليمن إلى محطته الأخيرة، تصريحات سعودية وإماراتية وإيرانية تلمح إلى ذلك، وتدعمها وساطات وضغوط أهمها الأوروبية، مستغلة بشكل خاص مبادرة اليمنيين بوقف الهجمات على السعودية، المعلنة من المجلس السياسي، في سبتمبر الماضي. من المعروف أن اليمنيين ينشدون السلام المشرف، ويمدون يدهم له اليوم وقبل سنة وسنتين وفي أول أيام العدوان، لأجل كف ويلات الحرب عن وطنهم وشعبهم، ولكن السعودية كرمز للغطرسة رفضت السلام جملة وتفصيلاً مع من تصفهم بـ»الحوثيين الانقلابيين والمليشيا وعملاء إيران» طوال الفترة السابقة، لكنها خلال الأشهر الأخيرة أظهرت ميلا وصف بأنه جاد نحو السلام، فلماذا؟ وهل اقترب تحقيق السلام في اليمن فعلاً؟
السعودية والعالم في خطر
لم يعد هناك شك أن السعودية وتحالفها وصلت إلى طريق مسدود في عدوانها على اليمن، ولم تعد حرب الوكيل السعودي تسير وفق الخطط الربحية للموكل الأمريكي، فبعيداً عن الكوارث الإنسانية التي أنتجها العدوان صارت السعودية تتضرر كثيرا من هذه الحرب، تخسر على أرض اليمن، وتتلقى الضربات في عمقها وبنيتها الاقتصادية، وهذا ليس في صالح الولايات المتحدة بالتأكيد، كون السعودية برميل النفط وخزنة المال خاصتها في المنطقة.
يقول الصحفي والمحلل السياسي أحمد الحبيشي: «على الأرض وسياسياً العدوان وصل إلى عنق الزجاجة، وليس أمامه سوى أن يتوقف أو يختنق، وفي تقديري هناك من يحاول مساعدة السعودية في الخروج من المأزق الذي وصلت إليه، بسبب الفشل العسكري الذريع للتحالف وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها».
ويضيف الحبيشي: «يرجح كثيراً أن العدوان على وشك الانتهاء، ويعزز ذلك المداولات الدولية لمحاولة إنهاء الحرب، وآخرها المفاوضات غير المعلنة التي تجري في إسلام أباد».
بينما ممثلة اليمن لدى الأمم المتحدة أم كلثوم باعلوي، لها رأي آخر، حيث تقول: «نتمنى أن يكون العدوان على وشك النهاية، ويدنا ممدودة للسلم لمن أراد السلام، ولو أن الواقع عكس ذلك، نظراً لاستمرار الغارات الهيستيرية واستهداف المدنيين المتكرر والزحوفات الفاشلة».
وتنفي باعلوي وجود مفاوضات سرية مع دول العدوان، وتقول: «إننا لم نضح كل هذه التضحيات حتى ندخل في محادثات سرية، دماء شهدائنا أغلى من أن ندخل في حديث تحت الطاولة مع العدوان أو المرتزقة. سبق وأكدنا أن يدنا ممدودة للسلم وفقا لمبادرة الرئيس المشاط، وسنتفاوض مع من هم وراء العدوان مباشرة وعلنا لإنهاء العدوان».
ويؤكد الحبيشي أن العدوان تسبب باستنزاف كبير جداً للاقتصاد السعودي، سابقا بسبب مصروفات الحرب، والآن بسبب خسائر الضربات اليمنية الموجعة كضربة «بقيق» و«خريص»، ويضيف: تجدر الإشارة إلى أن اتجاه السعودية نحو قطاع الترفيه والسياحة ليس الهدف منه الإصلاح الاجتماعي وتحسين الصورة الخارجية للسعودية، وجعلها أكثر انفتاحاً، وليس حبا في شعبها وطي صفحة التطرف والتشدد، إنما هدفه حصول السعودية على موارد جديدة، بسبب نزيف الموارد الذي سببه العدوان لها، فبالرغم من أن ما يسمى السياحة الدينية (الحج والعمرة) تدر على السعودية ما بين 6 و8 مليارات دولار سنوياً، إلا أنها تخسر مئات المليارات في السنة حالياً، لذا فهي تعول على حفلات الرقص لتعزيز اقتصادها بعد أن أصبحت موارد الحج والعمرة غير كافية.
مملكة النفط في وضع اقتصادي حرج
وضع السعودية صعب جداً الآن، بالاستناد إلى ما قالته وكالة «بلومبرغ» بأن الاحتياطي من النفط السعودي سينتهي بحلول نهاية العام إذا استمر السحب منه بنفس المعدل الحالي، وهذا يعني أن السعودية غير قادرة على تحمل ضربة جديدة كضربة «بقيق» و«خريص»، فضلاً عن أكبر منها، ولن تستطيع السعودية الاستمرار في الشراء من البحر أو من الأسواق السوداء، لأن الموارد المالية للسعودية في وضع حرج جداً.
وأضافت الوكالة عن طريق خبيرها جوليان لي، الذي عمل باحثاً كبيراً في مركز دراسات الطاقة العالمي، أن «التأثير الحقيقي للهجوم على منشآت النفط السعودية (بقيق وخريص) يتجاوز الخسارة المؤقتة لـ5٪ من إنتاج النفط العالمي؛ إنه يضرب في قلب الآلية التي ضمنت أمن إمدادات النفط الخام العالمية خلال الجانب الأكبر من الـ50 عاماً الماضية»، والاحتفاظ بالطاقة الإنتاجية الاحتياطية في العالم كاملة لدى المملكة العربية السعودية، كان خطراً يهدد أمن الطاقة العالمي على الدوام.
ويرى لي أن العجز السعودي في حماية المنشآت النفطية جعل مخزونات الطاقة الفائضة الأكبر في الكوكب في خطر كبير، مشيراً إلى أن ما يحتاجه العالم الآن هو إشاعة السلام، أو على الأقل شيوع فكرة «عش ودع الآخرين يعيشون» في الشرق الأوسط.
ويستطرد: تحاول السعودية أن تصور للعالم أنها قادرة على تجاوز محنة ضربة «بقيق» و«خريص»، وأعلنت أنها ملتزمة بجميع عقود البيع لكل الزبائن في مواعيدها، لكنها في الحقيقة تسحب من خزانات النفط الاحتياطية في «ينبع والطائف وتبوك»، وتبيعه على أنه نفط منتج، كذلك تشتري نفطاً من فوق البواخر ومن السوق السوداء في البحر.
أما باعلوي فتلخص المعطيات على الأرض التي قد تجبر السعودية على الجنوح للسلم، بـ3 نقاط جوهرية هي: «الإنجازات المذهلة من قبل الجيش واللجان الشعبية في الجبهات، والضربات الموجعة على نفط السعودية، والصمود الأسطوري للشعب اليمني».
فشل خطط أمريكا
خطط أمريكا بالسيطرة على مناطق النفط في الوطن العربي لم تسر حسب الطموح الأمريكي في اليمن وسوريا، فاليمن انتقلت من تلقي الضربات إلى تسديدها ونحو القلب السعودي النفطي «أرامكو»، وأصبح الاقتصاد السعودي القائم على النفط وأهم الموارد التي تنعش الاقتصاد الأمريكي -بالقوة أو بالتراضي- معرضاً لخطر التدمير، ومعه النظام السعودي الحاكم، الذي يعد أهم قاعدة استعمارية أمريكية موضوعة في الوطن العربي، شعارها الإذعان التام لأمريكا، قد تعني خسارته خسارة كبيرة للحضور الأمريكي في المنطقة مع مصالحه الاقتصادية والاستراتيجية.
ويرى الحبيشي أن هناك قواسم مشتركة بين الموقفين الأوروبي والأمريكي، ولكن الأوروبيين أكثر صدقاً من الأمريكيين في دعاواهم لإنهاء العدوان على اليمن، فالأمريكيون لا يستطيعون التعبير عن موقفهم بصراحة بأنهم مع الحرب، لأنها في صالحهم، كما أغلب الحروب التي يشعلونها، وقد افتضحت أمريكا قبل أيام بسرقة النفط السوري كما أظهرت صور أقمار صناعية روسية، حيث تقوم أمريكا بتهريبه لتعود أمواله إلى مؤسسات أمنية أمريكية، فأمريكا ليست صادقة في دعواها إنهاء الحرب، وقد تسعى لإطالة الحرب أو تجميدها فقط بأساليب كثيرة، ومماطلة ملفات أي اتفاق، ولليمنيين تجربة سابقة تؤكد ذلك، فقد حاولت أمريكا الضغط لجعل المفاوضات الأخيرة في جنيف المقر الأوروبي للأمم المتحدة، لتكون المفاوضات تحت مظلة القرار 2216، بينما ضغط الاتحاد الأوروبي لتكون في ستوكهولم، كما حاولت السعودية وعملاؤها إفشال المفاوضات أيضاً، ولكن تم التوصل إلى صيغة اتفاق بعد الضغط الأوروبي والأممي، ثم حاولوا عرقلة تنفيذه وإعادة تفسيره.
وبشأن مسألة وجود مفاوضات في الكواليس لإنهاء العدوان على اليمن، يذكّر الحبيشي بما حدث في مفاوضات الكويت، حيث يقول: كنا قد وصلنا في الجولة الثانية إلى صيغة تفاهمات إيجابية، لكن جاء السفير الأمريكي ووزير الخارجية الكويتي، وهددا الوفد اليمني بأنه إذا لم يتم التوقيع على الاتفاقيات التي رفضها وفدنا الوطني، فانتظروا حرباً اقتصادية وأزمة مالية لن يساوي الريال فيها قيمة الحبر الذي يطبع به. وحذر الحبيشي من التجاوب مع دعوات الكويت لاستضافة مشاورات سلام.
واشنطن تسعى لحفظ ماء الوجه
بدأ التحول في الموقف الأمريكي نحو تغيير مسار العدوان لإنقاذ السعودية، مع التسريبات عن حوار أمريكي يمني في مسقط، الذي علق عليه معهد واشنطن للدراسات بأن «استمرار الضربات الصاروخية الحوثية، وإرسال الطائرات المسيرة إلى السعودية، يكشفان عن الخطر الذي تتعرض له السعودية، وهو ما يفسر التغيير في استراتيجية واشنطن، وفتح حوار مع الحوثيين قد يكون في وقته، خاصة أن الإدارة الأمريكية لن تكون قادرة على مواجهة الكونغرس الداعي لإيقاف الدعم عن حملة التحالف العسكرية في اليمن وتقييد صفقات السلاح لها».
يرى مراقبون أن أجراس الخطر قد قرعت في الولايات المتحدة والعواصم الغربية خوفاً على المملكة من وصولها إلى نقطة اللاعودة في حربها مع اليمن التي تخسرها بكل وضوح، ومؤخراً زادت المبادرات الغربية والضغوط على الملك سلمان وولي العهد لإيقاف العدوان، وهذا بطلب من الملك وابنه، كما قال الأوروبيون، الذين يبحثون عن سبيل لإخراج محمد بن سلمان من حرب اليمن مع حفظ ماء الوجه.
كما انتهز الأوروبيون فرصة مبادرة المجلس السياسي الأعلى وقف الهجمات على السعودية مقابل وقف الغارات الجوية لتحالف العدوان، لإقناع السعوديين بوقف الغارات الجوية، التي يعني وقوفها انتهاء الحرب فعليا، كما نقلت «رويترز» عن مصادر أوروبية، لأن السعودية لا تمتلك حلولاً وقدرات كبيرة على الأرض.
ويرى الحبيشي أن التصعيد السعودي الذي أعقب طرح مبادرة المجلس السياسي إنما يعد مؤشراً لرغبة السعودية في التوصل إلى سلام، حيث يقول: عبر التاريخ كانت الحروب تنتهي بمفاوضات سلام، وعندما تصبح الحاجة إلى سلام ملحة يزداد التصعيد من أجل تعزيز موقف التفاوض، وهذا ما تفعله السعودية حالياً، لكنها تقصف المقصوف، وليس لديها أهداف جديدة، حتى السعودية نفسها لا تتوقع تحقيق شيء من تصعيدها، وإنما هذا نوع من الزوبعة والضغوط على الجيش واللجان والقيادة السياسية، لكن هذا لا يجدي بوجود قدرات عسكرية قوية ورادعة وقيادة واعية، وهذا هو فعلاً وضع اليمن، فلم تعد كما كانت قبل 5 أعوام، فلديه قدرات جوية ممتازة استطاعت أن تحرم العالم الصامت من النفط السعودي، وتجبر السعودية على الاقتراض وبيع السندات، وتهددها بمصير خطير.
(تقرير – غازي المفلحي)