اتفاق «الرياض- جدة» توقيع بالإكراه! بنو سعود يستجْدون صنعاء.. «الوقـت» يحسم الميدان ضد الأصيل والوكيـل في العدوان على اليمن
اتفاق «الرياض- جدة» توقيع بالإكراه! بنو سعود يستجْدون صنعاء.. «الوقـت» يحسم الميدان ضد الأصيل والوكيـل في العدوان على اليمن
يمني برس:
بين «التوقيع» و «التصعيد» من غير المتوقع فوز بني سعود، وإن فازوا فلن يتعدى الفوز بضعة أيام قبل اندلاع موجة جديدة من التصعيد العسكري بين الوكلاء في الجنوب اليمني: قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات عبد ربه منصور هادي الرئيس المنتهية ولايته وشرعيته.
هذا اليوم، الثلاثاء الخامس من تشرين الثاني 2019 قد يفوز بنو سعود بفرض التوقيع على الوكلاء، أي التوقيع على الاتفاق الذي تم التوصل إليه في مفاوضات «الرياض – جدة» التي بدأت أوائل الشهر الماضي وأفضت إلى «حكومة مناصفة» لا يبدو أن أياً من الوكلاء راضٍ عنها، فيما يُمنّي بنو سعود أنفسهم بأن يُوقف هذا الاتفاق الاقتتال بين الوكلاء من جهة، والقضاء على «تمرد» المجلس الانتقالي الجنوبي بإضعافه عبر دمجه عسكرياً وسياسياً في حكومة و«جيش» يتبعان لمنصور هادي .. من جهة ثانية.
قد يفوز بنو سعود بفرض التوقيع، ولكن ماذا عن التنفيذ؟
حتى الآن، كل المقدمات لا تشي بنتائج تنحو لمصلحة بني سعود خصوصاً أن نياتهم تجاه المجلس الانتقالي الجنوبي مكشوفة، أو على الأقل ليس من الصعب قراءتها.. في حين إن أبرز المسؤولين في «جبهة» منصور هادي يرفضون اتفاق «الرياض – جدة» أولاً لأنه – كما يقولون – يعطي شرعية لمن لا شرعية له، ويقصدون هنا المجلس الانتقالي. وثانياً لأنه يضع اليمن تحت تصرف السفير السعودي حسب تعبير كل من أحمد الميسري (المسمى وزيراً للخارجية في حكومة هادي) وصالح الجبواني (المسمى وزيراً للنقل في حكومة هادي أيضاً).. وبسبب هذا الرفض يُعتقد أن كليهما كان مستهدفاً بانفجار وقع يوم الجمعة الماضي في مدينة عتق مركز محافظة شبوة (جنوب شرق اليمن).
وعليه قد يتجه اتفاق «الرياض – جدة» نحو تأجيل جديد سيكون الرابع على التوالي، وإلى أجل غير مسمى هذه المرة في حال اندلعت موجة جديدة من الاقتتال بين الطرفين، وكلاهما يحشد لها منذ أيام، وهذا ما سيضعف إلى الحد الأدنى موقف بني سعود في مفاوضاتهم مع المقاومة الوطنية اليمنية التي تنتقل ميدانياً من إنجاز إلى إنجاز، وعلى مستوى القدرات والخبرات القتالية والتسليحية..(وهذه المفاوضات حسب المُعلن عسكرية أولاً تمهيداً للتفاوض السياسي).
دخول بني سعود – مُجبرين تحت وطأة الهزائم والضربات القاصمة – في مفاوضات مع المقاومة اليمنية يحظى بأولوية المراقبين والمحللين.. منهم من يرى أن بني سعود سيكملون طريق المفاوضات حتى نهايته وإن كان فيه هزيمة نهائية لهم في اليمن، فما باتوا يريدونه حالياً هو حفظ ماء الوجه لا أكثر ولا أقل.. ومنهم من يرى أنه برغم تصريحات بني سعود المتكررة عن «النية والرغبة بالتوصل إلى حل سياسي في اليمن»، لكن الخيار العسكري لا يزال رهانهم الأساسي في اليمن بدليل:
أولاً- القوات الإضافية التي يستمر وصولها منذ أيام إلى الجنوب خصوصاً إلى عدن.
ثانياً- استمرار بني سعود في استراتيحية التصعيد الحدودي.
ثالثاً- غرفة عمليات أجنبية (بقيادات أجنبية) تم تشكيلها في عدن مؤخراً.
رابعاً- بدليل عملية إعادة الانتشار التي ينفذها بنو سعود منذ أيام وعلى عدة جبهات وذلك لهدفين: 1- إطلاق موجة تصعيد جديدة ضد المقاومة اليمنية عبر توسيع الجبهات ومضاعفة عددها واعتماد تكتيك أن تكون جبهات منفصلة بعمليات قتالية غير مرتبطة ببعضها وبما يشتت جهد المقاومة ويربك استراتيجياتها الموضوعة للمرحلة المقبلة. 2– السيطرة على اقتتال الوكلاء عبر عملية تفريق وتشتيت تحت ستار إعادة الانتشار آنفة الذكر، بالتوازي مع استراتيجية الجبهات المنفصلة والمتضادة (أي المتعادية) مع بعضها بعضاً، حتى ضمن الفريق (الوكيل) الواحد.
مرة أخرى.. هي نيات مكشوفة للجميع لدرجة تبدو معها استراتيجيات بني سعود الأغبى والأكثر سذاجة، بمعنى أن كل أوراقهم مكشوفة، المُعلن منها والمُؤجل، بينما المقاومة اليمنية وفي كل مراحلها تفجر المفاجآت المدوية وبما يُذهل ويُبهر، وبما يفوق قدرة بني سعود و«تحالفهم» وداعميهم على التوقع والتنبؤ.
لذاك هم اليوم يلهثون وراء التفاوض مع المقاومة اليمنية استجداءً ودفعاً لمزيد من الهزائم، ليس في اليمن فقط ، بقدر ما هي هزائم في عقر دارهم وهي الأخطر على بني سعود الذين يدورون في حلقة مُغلقة مُطبقة لا فكاك منها إلا بالتسليم مهما طال الوقت.. وهو للمناسبة لم يَعُد طويلاً.
المُعلن والمُؤجل
ظاهرياً، تغيب الولايات المتحدة عن مشهد «التفاوض» القائم بين بني سعود والمقاومة الوطنية اليمنية، لكنها في الكواليس حاضرة وبقوة، حتى في الإمكان القول إنها هي من يفاوض ويدير ويقرر بانتظار الانتقال إلى مرحلة التفاوض المباشر، وهذه مرحلة يحكم قربها أو بعدها زمنياً فشل أو نجاح بني سعود ومن خلفهم الأميركيون في فرض اتفاق «الرياض – جدة» على الوكلاء الجنوبيين – توقيعاً وتنفيذاً – وبما يعيد توحيد جبهة الجنوب (تحت السيطرة السعودية بالكامل هذه المرة) لبدء مرحلة عدوان جديدة على اليمن والمقاومة اليمنية، ولكن هل هذا الهدف هو في متناول اليد؟
فعلياً، ليس كذلك.
الوقت – شمالاً وجنوباً – يلعب ضد بني سعود والأميركيين، فيبدون كمن يسابق الزمن أو كمن وصل إلى «الوقت المستقطع» خاسراً كل أوراقه، ولم يبقَ أمامه سوى ترجي الحظ ليسعفه، فلا معجزات تنتظر بني سعود في اليمن لتنتشلهم من أتون هزائمهم أو لتحميهم وهم في «بروج مشيدة» لأن يد المقاومة تطول كل معتدٍ، وهذا درس حفظه بنو سعود عن ظهر قلب وبما أرغمهم على تغيير كامل توجهاتهم نحو التسليم بالأمر الواقع وطلب التفاوض، من دون أن يعني ذلك انتفاء النيات الخبيثة لبني سعود، فهي لا تزال قائمة تتحين الفرص.. حتى إنها طوال الوقت تعلن عن نفسها بنفسها، ولكن لا فرق مادامت المقاومة اليمنية مستعدة وجاهزة، ومادامت لا تربط التفاوض بالميدان، وهذا هو الأهم.. كيف؟
لنذكّر هنا أن التفاوض بدأ عملياً مع بداية تشرين الأول الماضي، وفي هذا الشهر سجلت المقاومة اليمنية إنجازين ميدانيين يُقاربان «ضربة أرامكو» في قوة الفعل والتأثير، وفي الكواليس هناك حديث يخرج بين حين وآخر عن عدة إنجازات للمقاومة لا يتم الإعلان عنها بناء على إلحاح شديد من بني سعود حتى لا تسقط «هيبتهم» بالكامل وهم المُرغمون في الأساس على التفاوض.
«ميدان» تشرين الأول
في النصف الثاني من تشرين الأول الماضي تمكنت المقاومة اليمنية من استعادة مدينة الملاحيط في مديرية الظاهر جنوب غرب محافظة صعدة على الحدود مع السعودية، مُجبرة أربعة ألوية سعودية على الفرار، تاركين خلفهم أسلحتهم ومعداتهم.
هذه العملية حسب الخبراء الاستراتيجيين من أنجح العمليات العسكرية وأسرعها في إطار معارك ما وراء الحدود.. ولاحقاً باءت بالفشل كل محاولات بني سعود المستميتة لاستعادة الملاحيط.
بالتوازي، وفي إطار معارك ما وراء الحدود، تمكنت المقاومة اليمنية من السيطرة على مدينة الربوعة (في عسير) بالكامل، وتأتي أهمية هذه المدينة من كونها المركز الذي تنطلق منه هجمات الجانب السعودي.
وفي أوائل تشرين الأول الماضي، كشفت المقاومة اليمنية عن المرحلة الثانية من عملية «نصر من الله» على مشارف مدينة نجران السعودية في منطقتي (الصوح والفرع) حيث تمت السيطرة على 150 كلم واعتنام ثلاثة معسكرات بكامل عتادها العسكري بعد فرار ضباطها وجنودها، إضافة إلى مقتل وإصابة العشرات من قوات بني سعود ومرتزقتهم وأسر العديد منهم.
ووثقت المقاومة لهذه المرحلة – كما المرحلة الأولى – بالصوت والصورة، حيث عرضت مشاهد للفارين وكيف يلاحقهم طيران «التحالف» بهدف تصفيتهم بعدما حاول إسنادهم بأكثر من 600 غارة جوية فشلت في إعاقة تقدم قوات المقاومة وسيطرتها على منطقتي الفرع والصوح.
وتأتي أهمية هذه المنطقة من أن نظام بني سعود كان يُمهد لفرض منطقة عازلة في العمق اليمني بطول 20 كلم على الحدود بين نجران وصعدة.. هدف أسقطته المرحلة الثانية مع عملية «نصر من الله»..(فيما المرحلة الثالثة لن يطول الوقت حتى تبدأ تنفيذاً، وإعلاناً ما بعد التنفيذ).
وكانت المرحلة الأولى التي سميت بـ «زلزال نجران» أضخم وأقوى العمليات البرية منذ انطلاق المقاومة، حيث سقطت ثلاثة ألوية بالكامل بعتادها وعديدها من جنود بني سعود ومرتزقتهم، وقد نفذت هذه المرحلة وفق تكتيك عسكري مذهل عكس المستوى الذي وصل إليه تطور القدرات العسكرية البرية للمقاومة التي اعتمدت المفاجأة والمباغتة لاستدراج أكبر عدد ممكن من جنود نظام بني سعود ومرتزقته إلى فخ كبير حرصت المقاومة على عرض تفاصيله بالصوت والصورة.
وفي اليوم الأول من تشرين الثاني الجاري (أي يوم الجمعة الماضي) أعلنت المقاومة اليمنية التصدي لسلسلة هجمات جديدة لنظام بني سعود في مناطق حدودية ومناطق داخل اليمن، مؤكدة إحباط هذه الهجمات رغم الغطاء الجوي الكثيف بأكثر من 52 غارة جوية على محافظتي صعدة وحجة.. إلى جانب إسقاط طائرة استطلاع أميركية الصنع قبالة عسير أثناء قيامها بأعمال عدائية حسب إعلان المتحدث باسم قوات المقاومة العميد يحيى سريع.. وهذه الطائرة هي الثانية التي أسقطتها المقاومة خلال أسبوع واحد، إذ أسقطت طائرة مسيرة للتحالف في الـ 30 من الشهر الماضي في منطقة رأس عيسى شمال محافظة الحديدة.
هذا كله، وغيره كثير، يشرح كيف أن المقاومة اليمنية جاهزة دائماً، ولا تربط بين التفاوض والميدان، فالعدو غدار لا يأمن له جانب.. لا ثقة به ولا مصداقية له.
مأزق بني سعود
الآن.. إذا ما أضفنا كل ذلك إلى تطورات ميدان الجنوب ندرك تماماً حجم المأزق الذي يغرق فيه بنو سعود في اليمن.
حتى الآن، هناك تناقض كامل بين ما يعلنه بنو سعود و«وكلاؤهم» في الجنوب وما يقوله الميدان الجنوبي، سواء لناحية التحشيد العسكري من الجميع (الوكلاء وغيرهم).. أو لناحية الاقتتال الذي اندلع في الأيام الماضية بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات منصور هادي التي هاجمت الخميس الماضي مدينة أحور وسيطرت عليها.. ومدينة أحور هي إحدى مدن محافظة أبين الرئيسية الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي.
وبحسْبة بسيطة فإن قوات منصور هادي لن تتوقف عند السيطرة على أحور بل ستواصل هجومها باتجاه زنجبار وجعار في محافظة أبين، وهذا ما تحذر منه قوات المجلس الانتقالي وتلوح بتداعياته غير المحمودة على الجميع.
يُضاف إلى ذلك الشروط والشروط المضادة التي يطالب بها الطرفان والتي تشكل السبب الرئيسي في تأجيل التوقيع على اتفاق «الرياض – جدة» لثلاث مرات حتى الآن.. وهذه الشروط ما زالت قائمة وتتمسك بها أطرافها بكثير من التشنج والتشدد.
هذا ولم نتحدث بعد عن التحشيد العسكري لبني سعود خصوصاً في عدن والذي يزيد المشهد الجنوبي تعقيداً وخطراً.
اتفاق بالإكراه.. ولا تنفيذ!
وسط هذا المشهد يُفترض أن يتم اليوم التوقيع على اتفاق «الرياض – جدة» برعاية ملك بني سعود وبحضور وقيادة ولي العهد محمد بن سلمان ومعه منصور هادي وشخصيات سياسية وحزبية مُدرجة في إطار «حكومة منصور هادي» وحضور مختلف المكونات الجنوبية و«نخب» سياسية جنوبية. وذلك حسب إعلان المسمى «وزيراً للإعلام» في تلك الحكومة معمر الأرياني.
حضور «رفيع المستوى» من نظام بني سعود ووكلائهم، ولكن هل هذا هو المطلوب حقاً لإقرار الاتفاق.. هل هذا «الحضور الاستعراضي» كافٍ للتغطية على حقائق الميدان، والأهم حقائق ما يسميه المحللون التمرّد الجنوبي على بني سعود ووكيلهم منصور هادي.. هل الهدف هو ممارسة الضغط على الوكلاء لانتزاع التوقيع منهم خصوصاً عندما يكون على رأس ذلك الحضور ولي العهد محمد بن سلمان.. هذه الأسئلة وغيرها ستتم الإجابة عنها مبدئياً اليوم.. سواء تم التوقيع أو لم يتم.
(تقرير: مها سلطان – من سوريا)