آليات التأثير والهيمنة السعودية في اليمن ومستقبلها (1 – 2)
آليات التأثير والهيمنة السعودية في اليمن ومستقبلها (1 – 2)
يمني برس:
مارست السعودية التأثير في اليمن بمختلف الآليات من القوة العنيفة والتدخلية العلنية إلى القوة الناعمة والتوجيه عن بُعد. ووفقاً لطبيعة هذه الآليات يتحدد مُستقبلها، الذي يرتهن إلى الواقع اليمني -ومتغيراته- الذي يُحدد في النهاية أي الآليات قد سقطت وأيها مازالت مُمكنة، فالعلاقة جدلية بين قدرة الآلية في ذاتها على الاستمرار نتيجة لمواكبتها التطور العام، وبين قدرة الآلية على الاستمرار نتيجة لأن الواقع مازال بيئة مناسبة لحركتها.
تاريخ الهيمنة العدوانية السعودية
إلى ما قبل اتفاق المصالحة عام 1970م (بين فريق من الجمهوريين الموالين للمملكة وآخر من الملكيين الموالين للمملكة) لم يكن للسعودية أي نفوذ وهيمنة على القرار اليمني. وكانت مسألة السيادة بالنسبة لليمن الشمالي “الملكي والجمهوري العربي” مسألة حساسة متعلقة بتاريخ من الصراع مع السعودية، أما اليمن الجنوبي ” الديمقراطي” فقد نشأ على أساس معاداة المحور الغربي الخليجي وظل مستقلاً، حتى أصبح وضعه من وضع اليمن عموماً من بعد اتفاقية الوحدة 1990 ومن ثم حرب 1994م.
مارست السعودية التأثير والنفوذ والهيمنة في اليمن عبر آليات متعددة؛ فمن جهة كانت السفارة السعودية حكومة موازية للحكومة اليمنية نافذة إلى مختلف المؤسسات كدولة عميقة، ومن جهة ثانية كانت السعودية مؤثرة ومهيمنة على الفضاء الاجتماعي والسياسي الحزبي والثقافي الذي يحظى باستقلالية نسبية عن مؤسسات الدولة وهيئاتها الحكومية. وبذلك تكون السعودية قد امتلكت التأثير والهيمنة في مختلف مجالات الحياة اليمنية ومواضيعها، بشكل أعمق من نفوذ السلطة اليمنية ذاتها على موضوعات الحياة في بلادها.
فشل النظام السياسي الاجتماعي الاقتصادي الأمني العسكري في الجمهورية اليمنية كان يعني فشل السُلطتين اليمنية والسعودية في الهيمنة على الواقع اليمني بدون معالجة مشاكله، فالحكومة اليمنية كانت تمارس دور السلطة في القمع والاستبداد والجبايات بدون ممارسة دور الدولة في الحماية والخدمات، فيما السعودية كانت تدخلاتها تهدف إلى دعم مراكز القوى والطبقة المسيطرة الفاشلة. لهذا ظهر التدخل السعودي جلياً في الحروب على صعدة، وفي مواجهة ثورة 11 فبراير2011 ومواجهة ثورة 21 سبتمبر/ أيلول 2014 وفي العدوان 26 مارس 2015، فمختلف هذه التدخلات تعني بأن آليات الهيمنة والنفوذ السلطوية الاستبدادية المحلية (اليمنية) والعدوانية الأجنبية (السعودية) بدأت في التفكك وبأن هذه القوى المُسيطرة تحاول استعادة زمام السيطرة وإعادة انتاج ما تفكك منها.
فعلى سبيل المثال نجد بأن التطور العام يخدم نشاطاً أوسع لمنظمات المجتمع المدني فيُمكن للسعودية أن تستمر في التأثير عبر هذه الآلية الفاعلة تاريخيا، فيما نجد على سبيل المثال بأن آلية التأثير عبر دعم القبائل الحدودية وقوات حرس الحدود -في صعدة- هذه الآلية لم تعد لها فاعلية تاريخياً نتيجة تغيرات الوضع الداخلي.
وإذا ما مثلنا الآليات رياضياً سنجد بأن 28% آلية انهارت (اللجنة الخاصة، الجمعيات الخيرية الاغاثية، المؤسسة الوهابية)، و27 %آلية مازالت فاعلة (الإضعاف الاقتصادي، منظمات المجتمع المدني، الأحزاب السياسية)، فيما 18% آلية مرهونة بمستقبل السيادة الوطنية (العلاقات الشخصية، التعيينات والتزكيات) و27% آلية ضَعفت عما كانت عليه سابقا (العلاقات القبلية، العلاقات العسكرية الأمنية، الروابط الثقافية والإعلامية).
الآليات ومستقبلها:الدعم المالي “اللجنة الخاصة”
هذه الآلية هي الأكثر تأثيراً، فقائمة المستفيدين من اللجنة تشمل نخبة واسعة من الشخصيات اليمنية الفاعلية المدنية والعسكرية من مختلف القوى والتوجهات الفكرية والأحزاب والقبائل والتشكيلات العسكرية. ومع مجيء العدوان لعبت هذه الآلية دوراً في الفرز السياسي بين القوى الوطنية والعميلة، ووجدنا الزخم الذي حظي به العدوان في وجود حالة تأييد له من قوى وشخصيات مختلفة ولم تكن في الحسبان.
موضوعيا هذه الآلية لم تعد مضمونة كما كانت عليه سابقاً، حيث إن العدوان خلق حالة فرز في وسط هذه الشخصيات التي كانت تستلم من السعودية، فمنهم من استمر في عمالته ومنهم من اتخذ موقفاً من السعودية، وهو واقع كثير من القبائل التي تقاتل اليوم ضد العدوان.
ومستقبل هذه الآلية في مرحلة ما بعد العدوان يرتهن على النظام السياسي، فإذا كان حساساً لمسألة السيادة الوطنية ووقف بحزم ضد تلقي أي مبالغ من دول أجنبية، في هذه الحالة ستنهار هذه الآلية ولن يبقى منها إلا ما هو معهود في الوضع الدولي العام من وجود نوع من الدعم السري المُجرم لا المباح المبرر الذي كان عليه في واقعنا.
الجمعيات الخيرية والإغاثية
هذه الآلية من الوسائل الناعمة ذات الفعالية الكبيرة التي خدمت السعودية في التغلغل إلى وجدان اليمنيين الفقراء وحسنت من صورة السعودية كدولة البِر والخير والأراضي المقدسة.
ويُمكن القول بأنها انهارت ولم تعد قادرة على القيام بوظيفة تحسين صورة السعودية، خاصة مع جرائم العدوان واتضاح مطامعه، فحتى في المناطق الواقعة تحت سيطرة المرتزقة كمدينة تعز أصبح المواطنون ينظرون بنوع من الحقد والاحتقار إلى “مركز الملك سلمان للإغاثة” مع استلامهم لمساعداته نتيجة الفاقة.
الإضعاف الاقتصادي والدعم والودائع والوكلاء الاحتكاريون
هذه الآلية من أشد الآليات فاعلية وتأثيراً على القرار والتوجه الحكومي الرسمي اليمني، وفي السيطرة على السوق المحلية.
تمثل هذه الآلية تهديداً فعلياً لاستقلال اليمن ولا يُمكن التعامل معها بقرار ميداني، فنتيجة لطبيعتها الملائمة لتطور العصر فإن هذه الآلية ستظل فاعلة ومؤثرة، وهي كذلك حاليا مع حكومة المرتزقة، ومؤثرة على السوق المحلي في صنعاء، وخاصة سوق النفط والغاز وغيرها من المواد الغذائية التي تكتسح السوق اليمنية، وستظل مسيطرة ما لم يحقق اليمن مستقبلا الاستقلال الاقتصادي ويستغني عن المساعدات والمنح السعودية في ثبات اقتصاده والقدرة على الإيفاء بالالتزامات المؤسسية والوظيفية، وما لم يثبت قوانين اقتصادية تحمي السوق المحلي وتمنع الاحتكار وتضبط المنافسة التجارية بأسس دستورية عادلة.
الأحزاب السياسية والعملية الانتخابية
رغم رفض السعودية للديمقراطية في حياتها الداخلية، إلا أنها داعمة للعملية الديمقراطية في اليمن، وللأحزاب السياسية وبشكل رئيسي لقياداتها العليا والوسطى في السلطة والمعارضة معا، وهي بذلك توفر نوعاً من التأييد السياسي اليمني لتوجهاتها، كالمبادرة الخليجية واتفاق الرياض وتوقيع اتفاقية الحدود وغيرها، وتحتفظ بنوع من التأثير على القرار الحكومي وعلى القواعد الحزبية.
هناك مستقبل لهذه الآلية، نتيجة أنها مواكبة للتطور العام وهي موجودة في كثير من دول العالم، إلا أنه يُمكن تقليصها إلى حدود معينة بتجريم تلقي الأموال من الخارج وبتشريعات تقلص من مساحة الحق في العلاقات الخارجية للأحزاب.
العلاقات الشخصية
احتفظت السعودية بآلية تأثير عبر الشخصيات، سواء كانت شخصيات رسمية سعودية أو شخصيات اجتماعية، وتقوت هذه الآلية في ظل خنوع الحكومة للهيمنة السعودية.
إن ما يحدد مستقبل هذه الآلية، هو موقف الحكومة اليمنية مستقبلاً من مسألة السيادة الوطنية، ففي ظل وجود سُلطة تحترم سيادة بلدها فسوف تتقلص حدود التأثير الشخصية السعودية في الأوساط اليمنية، ومن أوقح صور هذا التأثير ما تحدث به السفير السعودي عن تحريكه لطائرات مروحية يمنية لتهريب علي محسن عبر علاقاته الشخصية.
(تقرير – أنـس القاضي)