ماذا بعد ان فتحت واشنطن على نفسها ابواب الجحيم
ماذا بعد ان فتحت واشنطن على نفسها ابواب الجحيم
ماذا بعد ان ارتكبت واشنطن جريمتين مروعتين في غضون ثلاثة ايام، الاولى استهدفت قوات الحشد الشعبي في قضاء القائم على الحدود العراقية-السورية، وادت الى استشهاد وجرح العشرات منهم، والثانية استهدفت سليماني والمهندس في بغداد؟
لم يخرج طرف محلي أو اقليمي أو دولي يؤكد أن الأمور ستسير بالاتجاه الصحيح، وان ما حصل فجر الجمعة قرب مطار بغداد، سيفضي الى التهدئة والهدوء وتجنب فرص وخيارات التأزيم والتصعيد والحرب.
الذين يعارضون أميركا ويمقتونها، وكذلك المؤيدون والداعمون لها، عبروا عن قلق عميق وتوجس كبير من تبعات وتداعيات الأيام الثلاثة الأخيرة في العراق. فما يجري، يعني أن الولايات المتحدة الاميركية بزعامة دونالد ترامب، قررت الذهاب بعيدا في خلط الاوراق ودفع الامور الى حافة الهاوية، وبالتالي امكانية اقحام المنطقة في اتون حرب جديدة، لا يمكن التنبؤ بمدياتها ونتائجها الكارثية.
ساسة كبار في الولايات المتحدة، أكدوا هذه الحقيقة، من بينهم أعضاء في الكونجرس الأميركي من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فضلا عن مسؤولين كبار سابقين انتقدوا ما أقدم عليه ترامب مؤخرًا وحذروا من تبعاته. في خارج أميركا وبعيدًا عن العراق وايران، فإن الانتقادات وردود الأفعال الرافضة والمنددة والمستنكرة أخذت حيزًا واسعًا في المحافل السياسية ووسائل الاعلام وأوساط الرأي العام، وكل طرف ينظر الى الأمر من زاوية معينة، بيد أنهم كلهم يلتقون في النهاية عند نقطة واحدة.
لا شك فإن ما سوف يترتب على اغتيال سليماني والمهندس، يفترض أن تتحمل مسؤوليته الولايات المتحدة الاميركية بالدرجة الاساس، ولعل معالم وملامح الارتباك والتخبط الاميركي راحت تبرز جلية وواضحة الى حد كبير على وقع ردود الافعال الواسعة، وارتباطا بالخطوات التي شرعت باتخاذها كل من بغداد وطهران.
سياسيا، الى جانب مواقف الرفض الصريحة للغاية من قبل الرئاسات الثلاث لجريمة اغتيال المهندس وسليماني ورفاقهما، اصدر مجلس النواب العراقي قرارا يلزم الحكومة باتخاذ الخطوات المطلوبة لانهاء الوجود الاجنبي في البلاد، وهذه تعد خطوة مهمة للغاية، وان لم تحظَ بالاجماع من قبل كل القوى والمكونات، وهذا امر طبيعي ومتوقع في ظل مشهد سياسي تسوده الكثير من التجاذبات والتقاطعات وتباين الاولويات.
مضافا الى خطوة البرلمان، فإن مصادر خاصة سربت معلومات مفادها أن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي رفض الرد على عدة اتصالات من الرئيس الاميركي دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو، على خلفية عملية اغتيال المهندس وسليماني، وتؤكد التسريبات ان عبد المهدي ابلغ مقربين منه، ان رفضه الرد على الاتصالات التىي سعى من خلالها الأميركيون لتوضيح موقفهم مما حدث، هو بسبب صلافة ترامب، ونكثه بالعهود التي قطعها خلال اتصاله الاخير ابان ضرب الحشد الشعبي في القائم بعدم انتهاك السيادة العراقية، وأكد أن لا جدوى من الحديث مع إدارة متغطرسة لا تحترم عهودها، ووجه عبد المهدي بأن أي تواصل أميركي مع العراق سيكون عبر وزارة الخارجية العراقية حصرا.
ولعل هذه هي المرة الأولى منذ عام 2003 التي يرفض فيها رئيس وزراء عراقي الرد على اتصالات رئيس أميركي.
قرار البرلمان ومجمل مواقف عبد المهدي اثارت حفيظة ترامب وبومبيو، حتى أن الاول لوح بأنه سيفرض على العراق عقوبات اشد من تلك التي فرضها على ايران، واكد ان هناك قاعدة اميركية في العراق كلف بناؤها مليارات الدولارات، وان بلاده لن تتركها قبل ان تسترجع ثمنها! ناهيك عن ان بومبيو حاول -في تصرف غير لائق دبلوماسيا- التقليل من أهمية مواقف عبد المهدي، حينما اعتبره رئيس وزراء مستقيلًا يتعرض “لتهديدات قوية من ايران” حسب زعمه.
مضافا الى ذلك، فإن الجو الشعبي العام الضاغط في العراق، وتهديد فصائل المقاومة بالثأر والانتقام لاستشهاد القائدين المهنس وسليماني، عمّق القلق الاميركي.
ومن جانب آخر، فإن طهران اتخذت خطوات عملية ردا على الجريمة الاميركية، من ابرزها تقليص التزاماتها في الاتفاق النووي المبرم مع الدول الست الكبرى في عام 2015، وقد احدثت تلك الخطوة ارباكا كبيرا، لا سيما لدى الاطراف الدولية الموقعة على الاتفاق، ناهيك عن واشنطن التي اخذت تدرك مبكرا المأزق الخطير الذي تسببت به.
وقبل ذلك، رفضت طهران وساطات من أطراف اقليمية ودولية حركتها واشنطن لتهدئة الامور وتجنب التصعيد بعد عملية الاغتيال. في ذات الوقت، لا تعرف مراكز القرار الاميركي كيفية التعاطي مع الاستعدادات الايرانية وحالة التأهب القصوى للمنظومات الصاروخية الايرانية، وفيما اذا كان ذلك الاجراء دفاعيا ام هجوميا.
اضف الى ذلك، فإن طهران بدأت حربا نفسية، بدت منظمة ومحسوبة بدقة ضد واشنطن، قد تكون أبلغ من خطوات رد أخرى، بما تقوم بها في مراحل لاحقة.
ومن غير المستبعد أن تتخذ خطوات واجراءات أخرى من بغداد وطهران، وتتبلور المزيد من المواقف الرافضة، وتبرز الكثير من الوقائع التالية، التي يمكن ان تفضي جميعها الى خلط اكبر للاوراق وارباك اكثر للاوضاع، في واشنطن و”تل ابيب” وعواصم اخرى تدور في فلكهما وتتحرك على ايقاعهما.