لماذا ينتصر الحوثيون؟
لماذا ينتصر الحوثيون؟
يمني برس: بقلم – الكرار المراني
منذ الحرب الأولى على صعدة في منتصف عام 2004 التي شنتها السلطة الظالمة آنذاك، ومن اليوم الأول لها، ذهب إعلام النظام، المرئي والمسموع والمقروء، للحديث عن هزيمة الحوثيين أمام الآلة العسكرية الضخمة للدولة يومها. لكن أولئك المقاتلين محدودي العدد والعتاد البدائي من الأسلحة وغيرها صمدوا أكثر من ثلاثة أشهر في مواجهة المعتدين، حتى نفدت كل مؤنهم العسكرية والغذائية، مما اضطرهم لأكل أوراق الشجر، أمام عشرات الألوية العسكرية المدربة التي تمتلك أضخم الأسلحة الحديثة!
لكن ماذا كانت النتيجة؟! هل انتصر النظام؟! لم يحصل ذلك، رغم كل ما كان يمتلكه من إمكانيات مادية ومعنوية وعسكرية، إذ ظل الحوثيون يواجهون، ويثبتون حضورهم في المواجهة، ويخرجون من كل حرب أقوى مما كانوا قبل بدء الحرب عليهم، طيلة ست حروب عبثية ظالمة لا هدف لها سوى خدمة للخارج والمشروع الاستكباري في المنطقة!
في ملابسات كل تلك الحروب على صعدة، والمناطق الأخرى حولها، كان المجتمع اليمني ككل في شماله وجنوبه، ضحية الشائعات الكاذبة، والدعاية الزائفة، التي كانت تروجها السلطة، مع كل حرب تقوم بها، وعند إيقافها، وتختلق الأعذار والادعاءات الباطلة، ولم يكن يعرف حقيقة الأمر والأحداث إلا نسبة قليلة من اليمنيين، وعن الأهداف المشبوهة لكل حرب تشنها الدولة، وتوقفها عندما تفشل عن تحقيق أي هدف!
ظل المجتمع ضحية إعلام السلطة، حتى بدأت ثورة الشعب الشعبية في 11 فبراير 2011، وخرج أنصار الله مع عموم جماهير الشعب اليمني، وتعرف المجتمع في ساحات الثورة بصنعاء وتعز وبقية المحافظات على الأنصار ومشروعهم الفكري ومظلوميتهم والحروب العدوانية التي شُنت عليهم!
من هنا بدأت تتغير نظرة المجتمع، والقوى السياسية، على الساحة الوطنية إلى الأنصار، الذين أثبتوا جدارتهم وحضورهم في المشهد اليمني بقوة، من خلال تبنيهم للقضايا الوطنية العادلة، وتطلعات الشعب في التغيير. وبعد أن خانت الأحزاب السياسية بزعامة الإصلاح الثورة، وذهبوا لتقاسم السلطة -بموجب المبادرة الخليجية- مع النظام الذي ثار الشعب عليه، بقي الأنصار في الشارع يطالبون باستكمال أهداف الثورة، مع مرونة موازية من خلال محاولة إصلاح الوضع، وإنقاذ الوطن، بالمشاركة الفاعلة في “الحوار الوطني” لبناء دولة مدنية. تجلى ذلك من خلال الرؤية الوطنية لأنصار الله التي كانت متقدمة على رؤى القوى السياسية بما فيها الحزب الاشتراكي!
خلال الحوار السياسي جاء الاعتذار عن حروب صعدة الست الظالمة، وعن حرب واستباحة جنوب الوطن. لكن الحوار الوطني لم يحرز أي تقدم ملحوظ للإصلاح السياسي، والتأسيس لمرحلة انتقالية جديدة تتشارك فيها كل القوى السياسية في الحكم. لكن كان هناك من لا يريد الاستقرار للبلد. بدا ذلك جلياً من خلال استهداف أعضاء مؤتمر الحوار عن مكون أنصار الله، بداية بالقيادي عبدالواحد أبوراس الذي نجا من الاغتيال، أعقبه اغتيال الدكتور عبدالكريم جدبان، ثم الدكتور أحمد عبدالرحمن شرف الدين. لكن ذلك لم يثن الأنصار عن المهمة الوطنية التي يستشعرون مسؤوليتها، حتى كشفت أدوات الخارج في المؤتمر عن مشروعها التمزيقي للوطن تحت مسمى “الأقلمة” وتقسيمه إلى كانتونات (ستة أقاليم) في آخر يوم للمؤتمر، وبدون إجماع أو تصويت على قرار التقسيم الذي لم يقبله الأنصار ولم يصوتوا، وانسحبوا وأعلنوا مقاطعتهم واعتراضهم على مشروع التفتيت والتقسيم المشبوه!
خلال ذلك الحراك السياسي، كان الوهج الثوري في أوجه، في الشارع، مستمراً للضغط على السلطة والقوى التقليدية الحاكمة، التي لم تأبه للحراك الثوري الذي وصل قادته ألا خيار أمامهم إلا المضي في الثورة الشعبية، حتى توجت بالانتصار وإسقاط مراكز القوى والعمالة عشية 21 أيلول/ سبتمبر 2014. رغم ذلك لم تتجه إلى إقصاء القوى السياسية، والتفرد بالحكم، وإعلان حالة الطوارئ، ونصب المحاكم والمشانق، كأي ثورة في العالم، بل دعت الجميع إلى شراكة وطنية، مع كل الأحزاب والقوى السياسية، توج ذلك بالتوقيع على “اتفاق السلم والشراكة”، بإشراف ومباركة أممية ودولية!
في ختام هذا المقال، تعالوا بلمحة سريعة نتعرف لماذا ينتصر الحوثيون!
أولاً: منذ اليوم الأول للحرب عليهم في “جبل مران” كانوا في موقع الدفاع عن النفس، الذي كفلته كل القوانين الوضعية والشرائع السماوية، أمام طغيان وهمجية المعتدين!
ثانياً: كل من تحركوا في إطار المشروع القرآني كانوا على قناعة تامة بصحة ما يتحركون من أجله، وعلى استعداد كامل للتضحية في سبيل تحقيقه والانتصار له!
ثالثاً: أحقية المشروع الفكري الذي يحملونه الذي يضمنه لهم الدستور والقانون بحق حرية الاعتقاد والتعبير وممارسة توعية المجتمع وتحصينه من الغزو الفكري الذي يستهدفه من قبل أعداء الأمة!
هذه الثلاثة الأهداف الرئيسية هي أهم العوامل التي حققت انتصار “أنصار الله”، وضمنت استمرار مشروعهم واتساعه وانتشاره، إضافة إلى عوامل أخرى أضيفت لها مع شن العدوان السعودي الأمريكي الإماراتي الصهيوني الظالم على اليمن، نتحدث عنها في المقال القادم لاستكمال الموضوع من كل الجوانب!