الرئيس المشاط يكشف تفاصيل حدث ومنعطف حاسم في تاريخ اليمن وكيف عرض قائد الثورة على صادق أبو راس رئاسة المجلس السياسي
الرئيس المشاط يكشف تفاصيل حدث ومنعطف حاسم في تاريخ اليمن وكيف عرض قائد الثورة على صادق أبو راس رئاسة المجلس السياسي
يمني برس:
أكد فخامة الأخ المشير الركن مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى، أن اليمن خسر باستشهاد الرئيس صالح الصماد قائدا عظيما ورمزا من رموزه لما تميز به من صفات جسدت النموذج القرآني.
وتطرق الرئيس المشاط في حوار مع صحيفة “الثورة” نشرته في عددها الصادر اليوم، إلى العديد من القضايا المرتبطة بجريمة اغتيال الرئيس صالح الصماد والدور المحوري لقائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في إدارة تلك الأيام الصعبة وتجاوز المحنة التي أراد منها العدوان اغتيال الدولة وإسقاطها بشكل كامل.
وفيما يلي مقتطفات من الحوار الذي أجرته صحيفة الثورة مع الرئيس مهدي المشاط حول المحور الأول: “الرئيس الشهيد صالح الصماد النموذج والقدوة في حمل المسؤولية”.
الثورة: ما هي الصفات والمميزات التي اتصف بها وانفرد الشهيد الصماد.. حتى جعلته بهذا المستوى من الحضور في وعي اليمنيين؟
الرئيس:
الأخ الرئيس الشهيد صالح الصماد رحمة الله تغشاه كان الأخ العزيز والرفيق, تميز بالعديد من الصفات التي قلما تتكرر جميعا في شخص واحد، فقد كان شديد الارتباط بالله سبحانه وتعالى وعلاقته بالقرآن الكريم قوية، ومن كانت علاقته بالله كذلك فبالتأكيد أنه سيحمل كل القيم والصفات الحميدة، كالتضحية والعطاء والنزاهة والإحسان والوفاء والصدق، وقد مثَّل النموذج والقدوة في تحمل المسؤولية حيث تولى قيادة اليمن في أصعب مرحلة مر بها عبر التاريخ، وأدى واجبه على نحو مشرِّف.
ومنذ أن تعيَّن رئيساً للمجلس السياسي الأعلى حتى استشهد لم يزهُ يوماً بالسلطة ولم يطمع بها، كان على قدر المسؤولية وأميناً عليها فعمل بكل جد ودون كلل أو ملل مؤدياً واجبه مبتغياً في ذلك مرضاة الله دون أن ينظر أو يطمع بشيء من هذه الدنيا، كل ذلك جعل من حضوره في وعي الشعب كبيرا رغم أنه لم يقض في منصبه بالسلطة سوى وقت قصير، إلا أنه كان كافياً ليحظى بمحبة الناس وتقديرهم ويحجز مكانة خاصة في نفوسهم غير قابلة للنسيان.
فالشهيد الرئيس رحمه الله استطاع ان يجسد النموذج القرآني العظيم ليكون الشاهد الحي الذي يطبق هذا المشروع بكل تعاليمه وقيمه ومبادئه على أرض الواقع.
الثورة: استشهاد الرئيس الصماد كحدث ومنعطف تاريخي حاسم في الحرب وفي تاريخ اليمن أيضا، من حيث تغييب قائد عظيم كالصماد أولا، ثانيا أثره على مستوى اليمن بشكل عام ، ثم من خلال استهدافه كرمز للدولة ورأسها، تعتقدون ما هي الأهداف التي أرادها العدوان من وراء ذلك؟ هل كان هدف إسقاط الدولة مثلا؟ أم أن ثمة أهداف أخرى.. وهل تحقق له ما أراد؟
الرئيس:
كان واضحاً للجميع أن هدف العدوان هو إسقاط اليمن بالكامل واحتلاله، لكن الكثير من العوامل الداخلية والوطنية منعته من تحقيق ذلك، فالرئيس الشهيد الصماد بما مثّله في منصبه كرئيس في تلك المرحلة الحساسة والصفات التي تحلى بها بالإضافة للتأثير الكبير الذي مثّله كقائد ورئيس على المستويات العسكري والأمني والسياسي والاجتماعي وإلهامه للشعب كل ذلك جعل منه هدفاً للعدوان بل على رأس أهدافه، فاعتقد العدوان باغتياله أنه سيزيح إحدى العراقيل التي تمنع احتلاله لليمن دون أن يدرك أن الرئيس الصماد قد أصبح نموذجاً وفكرةً ألهمت كل اليمن وظلت حاضرة ومؤثرة وما تزال كذلك إلى اليوم، وبالتالي يدرك الجميع اليوم أن اغتيال الرئيس الصماد أدى لنتائج عكسية غير التي رغبت دول العدوان في تحقيقها فكان استشهاده دافعا للشعب لإكمال المسيرة التي سار عليها في حياته.
الثورة: كنتم على علاقة وثيقة بالشهيد الصماد سلام الله عليه خصوصا في الأيام الأخيرة من خلال عملكم ومهامكم العملية إلى جانبه.. حين تلقيتم خبر الاستشهاد كيف كان شعوركم وموقفكم النفسي؟ هل تتذكرون اللحظات الأخيرة التي جمعتكم بالشهيد ؟ كيف قضيتم الأيام الأولى الفاصلة بين الاستشهاد وبين الإعلان عنه؟
الرئيس:
في الحقيقة، ما شعرت به في تلك اللحظات لا أستطيع أن أصفه لكم لصعوبة الموقف، وهوله، والألم الكبير عندما يفقد الإنسان عزيزاً مثل الشهيد الصماد رحمة الله عليه، فهذه اللحظات لا يمكن أن تمحى من ذاكرتي.
وخلال الأيام الأولى الفاصلة بين الاستشهاد وإعلان الخبر، كنت افكر باستشراف كيف سيكون إعلان الخبر، وما هي ردة فعل الناس، ومدى تألمهم، لأني أعرف مدى علاقتهم بالشهيد رحمة الله تغشاه، وأيضاً ترتيب استكمال إجراءات التشييع، وكانت كل هذه عوامل ضاغطة ترسخت في ذاكرتي لن أنسها أبداً ما حييت.
وقد انشغلنا في تلك الأيام بترتيب ما يتعلق بمكان دفن الجثامين للشهيد ورفاقه، واستكمال الترتيب للتشييع، والحفاظ على سرية الموضوع حتى يتم الإعلان عنه، وناقشنا مع رئيس الأركان وقائد المنطقة العسكرية الخامسة، وقائد الثورة كل تلك التفاصيل التي خرجت إلى العلن.
أما اللحظات الأخيرة التي جمعتني بالشهيد كانت عصر الاثنين في مقيل أنا والدكتور حسين مقبولي والأستاذ محمد السياني محافظ البنك آنذاك، وكان اللقاء حول استعدادنا لصرف نصف الراتب قبل رمضان، وكان يركِّز عليه بشكل كبير، وكنا نبحث حول الإمكانات لتنفيذ هذا التوجيه، ومن ثم اكملنا المقيل.
الثورة: جرت ترتيبات معينة عقب الاستشهاد، أولا للإعلان عن الحدث.. ولاختيار البديل.. نتذكر وقتها اجتماع مجلس الدفاع الوطني ، واجتماع للمجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ.. كيف أديرت تلك اللحظات الحساسة والمصيرية؟ وكيف جرى الترتيب لاختيار البديل.. هل كان لكم ردة فعل معينة إزاء اختياركم خلفا للشهيد..سيادة الرئيس؟
الرئيس:
اللحظات أديرت بحكمة واقتدار من قبل قائد الثورة حفظه الله من حيث إعطاء الإرشادات للإخراج الذي لمسه الناس في الأخير جميعاً، وكنا مساهمين بشكل كبير مع مجموعة من الرفاق في هذه الترتيبات، بعد ما تم التشاور مع السيد القائد.
وكانت فعلاً لحظات حساسة ومصيرية عشنا فيها الآلام، عشنا فيها استشراف المستقبل، اختصرنا فيها كل مسيرة النضال في الماضي والمستقبل، كنا نتصور كيف ستكون ردة فعل الجماهير، لمعرفتنا كيف كانت علاقتهم بالشهيد رحمة الله تغشاه.
أما ترتيبات اختيار البديل فقد تمَّت بشكل سلس، ولم تواجه أي صعوبة، لأن عمل المجلس السياسي الأعلى كان يُدار بشكل جماعي، وفي تلك اللحظات الحرجة طلبت أنا شخصياً من سكرتارية المجلس عقد لقاء، وقامت السكرتارية بعمل الإجراءات اللازمة لعقد اجتماع للمجلس السياسي الأعلى، ولم يكن الجميع لديهم علم بالخبر، إلا بعد وصولهم وبدأ السيد القائد حفظه الله يكلمهم وهو من أطلعهم على الموضوع.
أنا كنت في لحظات حساسة، فكيف تستطيع أن تكتم ألمك، أو تخفي شعورك بالحزن وأنت مطلع على أمر جلل كهذا، فقدان أخ عزيز وعظيم مثل الرئيس الشهيد صالح علي الصماد، فقد حضر الجميع ذلك الاجتماع وهم طبيعيين، بينما كانت أعيننا تفيض بالدمع، وقلوبنا تكاد تنفطر، كان الألم جاثماً على نفوسنا جميعاً، ولما عُقد الاجتماع، وفي اللقاء مع السيد القائد حفظه الله أطلع الجميع على فاجعة الخبر، وكانت ردة الفعل مؤلمة جداً، لولا الحنكة والحكمة واللباقة التي يعرف بها السيد حفظه الله.
كانت مسألة الصدمة كبيرة جداً جداً جداً، وصلت إلى مستوى أن البعض بدأ يصرخ بصوت عالٍ من شدة الألم، ومن ثم استطاع السيد حفظه الله أن يحتوي الموقف، ويهدئ النفوس، ومن ثم قال لنا جميعاً “أنتم مجلس سياسي ولديكم لائحة داخلية لاختيار البديل، الوضع حرج، وينبغي لكم أن تحسموا الموضوع قبل أن يعلن خبر استشهاد الرئيس الصماد رحمه الله، وتكونوا قد أجريتم الترتيبات اللازمة، بحيث لا توجد أي ثغرة يستغلها العدو، وأنا سأقطع اللقاء معكم (كان عبر دائرة تلفزيونية) وأترككم في اجتماع رسمي تختارون من تريدون، بكل شفافية، وعرض على الشيخ صادق أمين أبوراس إذا لديه الرغبة أن يكون رئيساً للمجلس السياسي الأعلى فلا مانع لديه وسنكون له عوناً وداعماً، ما لم فاختاروا من تريدون، وقطع الاتصال”.
ومن ثم خرجت بعض الشخصيات التي حضرت ذلك اللقاء من غير أعضاء المجلس السياسي الأعلى كالشيخ يحيى الراعي والشيخ علي القيسي، وأبو احمد الحوثي وآخرين، وبقينا أعضاء المجلس السياسي الأعلى في اجتماع استمر عشر دقائق تقريباً، ووقع الاختيار عليَّ تلقائياً، حينها كنت مليئاً بالألم والحسرات، كان المشهد مؤثراً وكان علينا التحلي بالشجاعة، بحيث لا يلحظ منا العدو أي انكسار، وبعد ذلك تواصل بنا السيد حفظه الله وأطلعناه على نتيجة الاجتماع، فقال: “أنا مُبارك لما توصلتم إليه”.
ثم قمنا بدعوة مجلس الدفاع وعقدنا الاجتماع ورأستُ الاجتماع في حينه، وأطلعناهم على مجريات اجتماعنا في المجلس السياسي الأعلى وأنه تم اختيار (مهدي المشاط)، وتم تكليف الأستاذ أحمد حامد والدكتور ياسر الحوري، واللواء جلال الرويشان لصياغة بيان النعي، وتم إعلانه بعد ساعة من الاجتماع.
وفي الحديث عن تلك اللحظات الهامة في تاريخ يمننا الحبيب لا بد أن نُشيد بالموقف العظيم والمسؤول والشجاع والوطني لأعضاء المجلس السياسي الأعلى، والشيخ يحيى الراعي والدكتور عبدالعزيز بن حبتور، والشيخ علي القيسي، واللواء جلال الرويشان، وكل الحاضرين دون استثناء الذين كانوا بحجم الوطن في تحمُّلهم للمسؤولية ومعنوياتهم العالية التي ناطحت السحاب وما أبدوه من إصرار على المضي في ذات النهج الذي سار عليه الشهيد الرئيس الصماد وقدَّم روحه في سبيله حتى تحقيق النصر لشعبنا العظيم والاستقلال التام لوطننا الحبيب.
الثورة: من الذي أدار لحظات حاسمة للبلاد كتلك التي مرت بها اليمن ، واستطاع أن يُدير الأمور بحنكة واقتدار.. بدءاً بإخفاء خبر الاستشهاد ووصولاً إلى الإعلان بعد الترتيب وقلب الطاولة على تحالف العدوان؟
الرئيس :
كان الفضل والدور البارز والكبير في إدارة تلك اللحظات الصعبة والحاسمة في تاريخ اليمن للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي بحكمته ونورانيته وارتباطه بالله، استطاع أن يدير كل تلك الترتيبات التي تمَّت، بدءاً من إخفاء خبر استشهاد الرئيس صالح الصماد رحمة الله تغشاه، أو الترتيب للبديل بالشكل الذي أُخرج به ذلك الخبر، والذي قلب الطاولة على دول العدوان.
وكان لقائد المنطقة الخامسة اللواء يوسف المداني بحكمته وحنكته ورباطة جأشه الدور الكبير في إخفاء الموضوع على الجميع، حتى بقية رفاق الشهيد الذين كانوا متابعين لموكب الشهيد.
الثورة: سيادة الرئيس قُلتم في أول خطاب لكم “بأن العدوان قد اختارها حرباً مفتوحة”.. وقتذاك قال الكثير من المتابعين للشأن اليمني بأن الطرف الذي اغتال الشهيد الصماد قد يبدو رابحاً مؤقتاً فقط، ولكنه خاسر على المدى البعيد..هل ارتكبوا خطأ في حساباتهم فعلا سيادة الرئيس؟ ومن الذي نفّذ قرار التصفية وباشر العمل؟
الرئيس:
بنظرة بسيطة للواقع في الذكرى الثانية لاستشهاد الرئيس الصماد، سواء واقع اليمن وما تحقق من إنجازات عظيمة على كل الصُّعد، واقع تحالف العدوان الذي تفكك بنسبة كبيرة وواقع دول العدوان ذاتها العسكري والأمني والسياسي، يمكن بكل سهولة أن نحكم على نتيجة جريمة الاغتيال وانعكاساتها السلبية على دول العدوان، ورغم، أن فقداننا للصماد يُعدُّ خسارة غير أن حضوره كنموذج ومشروع ملهم وقدوة عوَّضَ جزءاً من تلك الخسارة، وبالتالي نقول وبكل ثقة أن دول العدوان لم تحقق أي من أهدافها بإقدامها على اغتيال الرئيس الصماد وأن العدوان لم يكن رابحاً على أي مستوى بل ما حدث كان العكس تماماً.
الثورة: وُضِعْتُم على رأس قائمة مستهدفة.. وضعها العدوان الأمريكي السعودي.. هل حياتكم صارت معرضة للخطر.. وهل سبق وأن تعرضتم لاستهداف من نوع معين.. ؟ هل أثر ذلك على أدائكم لمهامكم العملية؟
الرئيس:
كل الشعب اليمني مستهدف من قبل هذا العدوان وليس مهدي أو فلان، وما دماء مهدي المشاط إلَّا كدماء أي مواطن يمني، وكل حياة الشعب اليمني العظيم الصامد معرضة للخطر سواءً كانوا في الأسواق أو الطرقات أو المستشفيات أو غيرها, الجميع معرضون للخطر.
أما محاولات الاستهداف، فقد تعرضنا لعدة محاولات لا أودُّ الحديث عنها، ولم تؤثِّر على أدائنا ومهامنا العملية، لأننا منطلقون من النهج الذي انطلق منه الشهيد الصماد رحمة الله تغشاه، ونرى دماءنا رخيصة في مقابل حمايتنا لشعبنا والسهر على أمنه واستقراره، والشهادة في سبيل الله هي أمنية لنا، بل هي ما نعشقه، وندعو أن نلقى الله شهداء، وهذا لا يخيفنا ولا يؤثِّر على أداء مهامنا أبداً.