نافذة: الوعي الوطني أولاً ..!
.
بقلم / أحمد الشريف
لا يمكن لأي شعب أن ينهض ويصل إلى مستوى عالٍ من الرقي والتقدم ما لم يكن أبناؤه يتمتعون بوعي وطني عام يمنحهم القدرة على الخلق والإبداع ومواكبة ما يشهده العالم من متغيرات ويخرجهم من التفكير الضيق في مصالحهم الخاصة إلى التفكير الأوسع الذي يضع مصلحة الأوطان والشعوب فوق كل المصالح .. وهذا ما لم نصل إليه بعد في عالمنا العربي حيث ما يزال التعصب لكل شيء هو الذي يحكم سلوكنا وتفكيرنا بما في ذلك من نعتبرهم النخبة أو الطبقة الواعية والمثقفة التي لم تستفد من شهاداتها العلمية التي تحملها وان كانت الشهادة لا تحدد مستوى التفكير والوعي المعرفي والوطني لدى الكثيرين من هؤلاء 🙁 المتدكترين ) الذين يحصلون على الشهادات ليس لقدراتهم العلمية ولا لإبداعاتهم في المعرفة وإنما في التهريج والفهلوة ولذلك لم تستفد منهم شعوبهم وأوطانهم بسبب افتقارهم للقدرات العلمية وعجزهم في أن يكون لهم تأثير على المجتمعات قد يساعد في صياغة وعي معرفي تنطلق منه الشعوب في توجهاتها وبناء دولها الوطنية الحديثة .
صحيح قد يعزوا البعض تخلفنا في العالم العربي إلى عدم وجود قيادات سياسية حكيمة وحكم رشيد فانعكس ذلك سلباً على توجه الشعوب التي تتطلع إلى أن يكون لها مكانة مرموقة في هذا العالم المترامي الأطراف بحكم ما تمتلكه من إمكانيات مادية تتمثل في الثروات الكبيرة جداً والموقع الجغرافي المتميز إضافة إلى وحدة العقيدة واللغة ومع ذلك لم يتم استغلالها وتوظيفها لخدمة الشعوب العربية بقدر ما استحوذت عليها الأنظمة الحاكمة واختصرت نفسها في الشعوب والأوطان غير مدركة أن العالم قد تغير وأن الولوج إلى عصر العلم والتكنولوجيا والاستفادة من مزاياه لا يتم بواسطة العقلية التي مازلنا نحملها ونفكر بها .. ورغم ما حدث من تغيير في عدد من الدول العربية بفضل انتفاضات الشباب عام 2011م ضد بعض الأنظمة العربية إلا أن الثقافة الشمولية الموروثة لمفهوم الحكم مازالت هي المسيطرة على فكر القوى الجديدة التي أتت إلى الحكم ونصبت نفسها كحامل سياسي لتلك الانتفاضات وأبعدت الشباب عن قيادتها مستغلة عدم خبرتهم وتضحياتهم التي قدموها وصولاً إلى تحقيق الأهداف التي ثاروا من أجل تحقيقها فنابت عنهم لتسير الأمور بالطريقة التي تفهمها وهو الأمر الذي أدى إلى كبح جماح الانتفاضات والالتفاف على أهدافها فتوقفت عملية التغيير عند حدود معينة وأصبحت الشعارات ظاهرة صوتية يتغنى بها الشباب في مسيراتهم وتجمعاتهم بينما ما يجري على أرض الواقع صراع مرير في دهاليز القوى السياسية المتحالفة في الحكم حيث كل منها تحرص أن يكون لها نصيب الأسد فيه والضحية في هذه الحالة هم الشباب الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم وسقط منهم الشهداء والجرحى من أجل القضاء على طبيعة الأنظمة التي كانت سائدة في دول ما عرف بالربيع العربي قبل أن يتم الإطاحة بها .. وهي أنظمة فاشلة لم ينتج عنها إلا دول فاشلة عاجزة اقتصادياً وسياسياً ومانعة للحقوق والحريات .
ولأنها كانت تخشى من الوعي السياسي لدى الشعوب حتى لا تفشل مخططاتها في السيطرة والتحكم في رقاب الناس فقد عملت على إضعاف التعليم في المدارس والجامعات بهدف تراجع الوعي الوطني وطمسه من عقول عامة الشعب وتغييبهم عن واقعهم بحيث لا يرون إلا بعين النظام الذي يحكمهم ولا يسمعون إلا بإذنه ولا يسيرون إلا على نهجه .. وعليه فقد ظلت الشعوب العربية مخدرة خلال الأربعة العقود الماضية وكلما حاولت أن ترفع صوتها تذمراً أخمدوه بالعسف وأماتوا صِداحه ونواحه – كما قال الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي :
البسوا روحه قميص اضطهاد فاتك شائك يرد جماحه
إذاً فإن العمل الجبار الذي قام به الشباب و كانت الشعوب العربية تعلق عليه آمالها الكبار في إحداث التغيير المنشود في وقت قريب لتعوض ما فاتها من سنوات الجمود الطويلة يحتاج إلى وقت حتى تتضح معالمه لأن من نصبوا أنفسهم حاملاً سياسياً بعد الإطاحة بتلك الأنظمة لا يختلفون كثيراً في نظرتهم الشمولية للحكم عن نظرة الحكام والأنظمة المطاح بها بحكم تربيتهم السياسية في مدارس تلك الأنظمة ولذلك ينطبق عليهم ذلك المثل المشهور: «فاقد الشيء لا يعطيه» فليس من المعقول أن نسترجي خيراً من ناس لا يختلفون في تفكيرهم عمن سبقهم وان كانوا متأثرين ومتفاعلين مع الشعارات الوطنية التي رفعها الشباب أثناء إشعالهم للثورات ضد الظلم والاستبداد بدءاً من تونس الخضراء ومروراً بأم الدنيا مصر العربية واليمن وليبيا وانتهاءً بالتفاعلات والمخاضات التي تشهدها العديد من الشعوب العربية استعداداً لتوفر العوامل والظروف التي تمكنهم من إسقاط أنظمتها وسلطاتها الفاسدة والمستبدة بهدف إحداث تغيير حقيقي في حياة المجتمعات يؤدي إلى انتقاله سياسياً واقتصادياً وأمنياً وثقافياً في اتجاه تحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية تنهي حالة الخنوع والخضوع لأنظمة شاخت وحان الوقت لتغييرها وبما يعيد لهذه الأمة كرامتها وعزتها وقوتها .. ونعتقد أن ما يجري في اليمن من مقاومة للعدوان عليه للعام السادس على التوالي سيشكل البداية الصحيحة والخطوة الأولى وصولا إلى تحقيق طموحات الشعوب العربية وترجمتها على ارض الواقع .