التعليم في اليمن أوجاع لا تنتهي
التعليم في اليمن أوجاع لا تنتهي
زيد المحبشي
أنتج العدوان السعودي الإماراتي الظالم على اليمن، جيلاً بأكمله لا يعرف الحياة إلا على وقع طبول الحرب المريرة بشهادة الصليب الأحمر، وينتظرهم مستقبل غامض، بحسب توقعات ممثلة اليونيسف باليمن، “ميريتشيل ريلاينو”، بسبب محدودية حصولهم على التعليم أو عدم توفره، وحتى أولئك المنضمين للمدارس لا يحصلون على التعليم الجيد الذي يحتاجونه.
خلقت سنوات العدوان الست أوضاعاً معيشية، وأزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم، وبات من الصعب على معظم الأسر اليمنية توفير متطلبات أبنائها المدرسية، من رسوم مدرسية وزي مدرسي وكتب وغيرها، في ظل استمرار العدوان والحصار الجائر والانهيار المتواصل للاقتصاد الوطني والعملة المحلية، ما تسبب في حرمان أولادهم من التعليم، وبالتالي التسبب في ارتفاع نسب التسرب من التعليم، الذي تعاني منه اليمن منذ بداية العدوان.
إذن فنحن أمام وضع كارثي وحالة طارئة، تجزم الممثلة المقيمة لليونيسف في اليمن “سارة بيسلو نيانتي”، بأنه ليس من الممكن المبالغة في وصف حجمها، حيث أن الأطفال الذين يواجهون في الأساس أسوأ أزمة إنسانية في العالم، يكافحون اليوم من أجل البقاء أحياء.
أطفال اليمن كانوا ولا زالوا من أكثر الفئات تضرراً في المجتمع، بعد أن أجبرت الأوضاع المعيشية التي خلقها العدوان وحصاره الجائر، أكثرية الأسر على إعطاء الأولوية لتوفير متطلبات الحياة المعيشية على توفير احتياجات ومتطلبات المدرسة، ما تسبب في حرمان الكثير من الأطفال، من أبسط حقوقهم في التعليم، وتوجه الكثير منهم لممارسة الأعمال الشاقة، لتوفير أدنى متطلبات العيش، لدعم أسرهم.
هذا الوضع الكارثي الذي أوجده العدوان تسبب في ارتفاع معدلات الانتحار في أوساط الطلاب والكادر التعليمي، وإقدام بعض الأسر على قتل أولادها، ويعود السبب على الأرجح إلى استمرار انقطاع الرواتب، وغياب فرص العمل، واتساع رقعة الفقر، وهذه الظاهرة الغريبة والصادمة بدلالاتها وأبعادها بحاجة لقراءة مستفيضة، لأنها تعكس مدى الضرر الذي ألحقه العدوان العبري بالنظام التعليمي ككل، وتمهّد لسابقة خطيرة للمستقبل.
التسرب من التعليم:
كشف مسح أُجري للأطفال خارج أسوار المدارس أن 32 % منهم لا يجدون بدائل عن مدارسهم المغلقة، بينما أرجع 28 % منهم السبب إلى عدم الاهتمام بالذهاب إلى المدرسة، و17 % بسبب عدم القُدرة على تحمُّل تكلفة التعليم، جراء انخفاض دخل أولياء الأمور الذين تضررت أعمالهم جراء العدوان، بحسب دراسة “السياني”، وبحسب منظمة “اليونيسيف” فقد تسبب الفقر في حرمان 37 % من أطفال اليمن من التعليم.
وقالت دراسة أجرتها منظمة “اليونسكو” أن آلاف الطلاب في اليمن مهددين بالتسرب من الدراسة، في حال لم يحصلوا على المساعدة، ما يعني أن 78 % من الأطفال في سن الدراسة لن يتمكنوا من الالتحاق بالمدرسة في السنوات القادمة، في بلد يحتل المرتبة الثانية للأمية العالمية.
وتسبب العدوان السعودي الإماراتي على اليمن، في منع 40 % من إجمالي عدد الأطفال في سن الدراسة من التعليم، أي أن هناك أكثر من 3 ملايين طفل معرّضون للتسرب من المدارس، و3.7 مليون طالب وطالبة أصبحوا خارج المدارس، من إجمالي 7.3 مليون طفل في سن الدراسة، بحسب تقرير لمنظمة “اليونيسف” في العام 2019، وأنهم يواجهون مستقبلاً مجهولاً في التعليم، وباتوا على المحك، نتيجة سوء الوضع المعيشي وعدم صرف مرتبات مدرسيهم.
وارتفعت نسبة تسرب التلاميذ من المدراس الى 47 %، مقارنة بـ 5.27 % قبل انطلاق عاصفة العدوان على اليمن.
وأشارت دراسة “لليونسكو” في العام 2015، أن اليمن احتلت المركز الثاني بين البلدان العربية من حيث نسبة الأمية، التي وصلت الى 30 %.
ومنعت عمليات عاصفة الحزم 2.9 مليون طالب وطالبة، من ارتياد المدارس، وتسرب 1.8 مليون طالب وطالبة لأسباب اقتصادية واجتماعية مختلفة في العام الأول من العدوان، بحسب الأمم المتحدة.
ويقول تقرير ميداني مشترك لمركز الدراسات والإعلام التربوي، أن 1300000 من أصل 6 ملايين طالب وطالبة، حُرموا من مواصلة التعليم في العام الدراسي “2015 ــ 2016″، بمعدل طالب من بين كل 5 طلاب، بنسبة 22 %، وأن 40 % من المعلمين فقط، تمكنوا من مزاولة عملهم.
وتشير تقارير وزارة التربية والتعليم بحكومة الإنقاذ الى تسرب 500000 طالب وطالبة من التعليم الأساسي، و650000 طالب وطالبة من التعليم الثانوي في العام الدراسي 2015 / 2016.
وفي النصف الثاني من العام الدراسي 2017 كشف تقرير لمنظمة “اليونيسف” أن 31 % من فتيات اليمن أصبحن خارج نطاق التعليم، وحرمان عشرات ألاف الأطفال اليمنيين من حقهم في التعليم خلال العامين “2018 – 2019” بسبب عجز أسرهم عن توفير أبسط احتياجاتهم المتمثلة في وجبة الإفطار، وعدم قدرتهم على توفير المستلزمات المدرسية، وانقطاع 500000 طفل يمني عن الدراسة بسبب المواجهات العسكرية في مناطق النزاع الساخنة.
وذكر تقرير لوزارة التربية والتعليم بحكومة الإنقاذ في مطلع العام 2020 أن أكثر من مليون طفل محرومون من التعليم، وهو عدد يضاف إلى 1.6 مليون طفل آخرين لم يلتحقوا بمقاعد الدراسة أصلاً، وحصدت محافظات تعز وحجة والحديدة أكبر نسبة من تدهور التعليم، كما توقف التعليم بشكل كلي في مديريتي عبس وحرض الحدوديتين مع السعودية بمحافظة حجة للعام الثالث، ومديريات حيس والجراحي والتحيتا والدريهمي بمحافظة الحديدة، وإضافة 400000 طفل سنوياً إلى قوائم الأميين في اليمن جراء استمرار العدوان.
وقال تقرير لمنظمة “اليونيسف” عن وضع التعليم في اليمن في مارس 2020 أن مليوني طفل يمني أصبحوا خارج المنظومة التعليمية، مقابل 5.8 مليون تلميذ لا يزالون مواظبين على ارتياد مدارسهم، وما يقارب 1.71 مليون طفل يعيشون في محافظات النزوح منذ بدء الحرب في 26 مارس 2015، وبعضهم أجبرته الظروف المعيشية على ترك المدارس والالتحاق بسوق العمل، كما لم يعد من الممكن استخدام مدرسة واحدة من كل 5 مدارس في اليمن كنتيجة مباشرة للنزاع.
وبلغ عدد النازحين داخل اليمن جراء العدوان نحو 2 مليون نازح، بحسب الأمم المتحدة، ونسبة النزوح بين الطلاب 19 %، من إجمالي الطلاب البالغ عددهم 6 ملايين، بحسب مركز الدراسات والإعلام التربوي، وبالتالي عدم تلقي 1 من كل 2 من الطلاب النازحين التعليم، رغم بقاء الكثير منهم على قيد الدراسة.
أكثر من 900000 طفل نزحوا مع أسرهم إلى مناطق أكثر أمناً داخل اليمن، تلقى البعض منهم تعليمهم في مدارس بديلة أو في مراكز تعليمية تفتقد للحد الأدنى من مواصفات البيئة المدرسية، فيما آخرون لم يتمكنوا من مواصلة تعليمهم.
وتتوقع منظمات حقوقية أن يصل عدد الطلاب الذين قد يتعثر التحاقهم بالمدارس إلى 5 ملايين طفل يمني، إذا لم يتوقف العدوان، وتُصرف مرتبات المعلمين.
الكتاب المدرسي:
لم يكتفي العدوان بتدمير المدارس، بل ووصلت به القذارة الى منع دخول الأوراق والقرطاسية والأحبار الخاصة بطباعة الكتاب المدرسي، وإعاقة طباعة الكتاب المدرسي منذ 2015، وحدوث نقص كبير في الكتب المدرسية والمواد المدرسية الأخرى، نتيجة انعدام الموارد المالية الخاصة بعملية طباعة الكتاب المدرسي، وإيقاف الدعم من الدول المانحة، ما أدى الى تضرر أكثر من 5 ملايين طالب وطالبة في تعليمهم، وحرمانهم من 56565868 كتاباً مدرسياً، مما أثر سلباً على سير العملية التعليمية في اليمن.
وبلغ متوسط العجز السنوي في طباعة الكتب المدرسية ما يقارب 84 %، بما يعادل نسخة واحدة من المنهج لـ 7 طلاب.
ومتوسط ما تم توزيعه من الكتب المدرسية خلال الأربعة الاعوام “2015 – 2019” نحو 7883308 كتب، من اجمالي عدد النسخ المطلوبة خلال نفس الفترة والتي يبلغ عددها 66758987 كتاباً، أي أن ما تم توزيعه من كتب لا يتجاوز 12 % من العدد المطلوب، ومتوسط نسبة الطلبة بدون كتب دراسية 57.4 %.
وكانت وزارة التربية والتعليم بحكومة الإنقاذ قد اتفقت مع منظمة “اليونيسف” على توريد المواد الخام لطباعة 5 ملايين كتاب، وعند وصولها إلى ميناء الحديدة، قام العدوان بإعادتها إلى ميناء جدة، وحجزها لمدة 7 أشهر.
الكادر التربوي:
تسبب قرار الرئيس المنتهية ولايته “عبدربه منصور هادي” في 19 سبتمبر 2016 بنقل البنك المركزي إلى عدن، في قطع مرتبات 194417 – 196000 من القوى العاملة في مجال التربية والتعليم، أي ما نسبته 64 % من إجمالي الكوادر العاملة في حقل التعليم، ويمثل المعلمون والمعلمات في مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ 73 % من إجمالي عدد المعلمين والمعلمات في اليمن بشكل عام.
وتضرر نحو 4500000 طالب وطالبة، يمثلون 76.3 % من إجمالي عدد التلاميذ في اليمن، نتيجة الإضرابات المتكررة لهؤلاء المعلمين، من أجل المطالبة بإطلاق مرتباتهم خلال العام 2017 فقط، وتشير الأرقام الى عدم تجاوز الساعات التعليمية التي تلقاها الطلاب في هذا العام 60 % فقط من الساعات الدراسية، بنقص 40 %، والحال ينسحب على السنوات التالية مع استمرار إشكالية انقطاع المرتبات.
كما تضرر نحو 89840 من العاملين في قطاع التربية والتعليم، نتيجة الاضرار التي ألحقها العدوان بمنشأتهم التعليمية، أي ما نسبته 29.6 % من اجمالي الكادر التعليمي بالمحافظات.
ورغم الوضع المعيشي الذي يعاني منه اليمنيون بشكل عام، إلا أن المعلمين والمعلمات هم الشريحة الأكثر تضرّراً، إثر توقف الرواتب، ما حدا بالكثير منهم إلى العزوف عن التعليم، والذهاب للبحث عن أعمال أخرى شاقة لسد رمق جوعهم وجوع أطفالهم.
وحذر بيان مشترك أصدره صندوق “التعليم لا يمكن ينتظر” و”الشراكة العالمية من أجل التعليم” ومنظمتي “اليونسكو” و”اليونيسف” بمناسبة “اليوم العالمي للمعلمين” 5 أكتوبر 2020 من أن التأخير في دفع رواتب المعلمين والمعلمات سيؤدي إلى الانهيار التام لقطاع التعليم، والتأثير على ملايين الأطفال، وخاصة الفئات الأكثر تهميشاً، كالفتيات.
مؤكداً أن المطلوب حالياً تأمين ما لا يقل عن 70 مليون دولار أميركي لدفع رواتب المعلمين خلال العام الدراسي 2020 – 2021، و87 مليون دولار لتلبية الاحتياجات التعليمية في اليمن حتى نهاية العام الدراسي.
وتعمل الأغلبية من معلمي ومعلمات اليمن في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الإنقاذ بصنعاء، بسبب الكثافة السكانية مقارنة بالمناطق الواقعة تحت نفوذ الاحتلال السعودي الإماراتي الأكثر مساحة والأقل سكاناً، ويواجه الكادر التربوي في مناطق حكومة الإنقاذ ظروف سيئة للغاية، في وقت لا يزال تعاطي الأمم المتحدة بمؤسساتها المختلفة مع هذه القضية الإنسانية في حدود التمنيات والبيانات والمناشدات، دون أن يكون لذلك أي أثر على الواقع، ويخشى الباحثون من تداعيات الانعكاسات النفسية لانقطاع المرتبات على الأساتذة وطلابهم، والمسيرة التعليمية برمتها.
التحول من المدارس الخاصة إلى الحكومية:
غادر في العام الدراسي 2017 أكثر من 90000 طالب وطالبة من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية، من أصل 300000 طالب وطالبة، مقارنة بمغادرة 60000 طالب وطالبة في العام الدراسي 2015 / 2016 من أصل 300000 طالب وطالبة.
وتم إغلاق نحو 200 مدرسة خاصة، من أصل 1050 مدرسة، ومن المتوقع أن تكون نسبة الطلاب الذين سيغادرون من المدارس الخاصة إلى الحكومية بسبب تدهور الوضع المادي، أعلى من الأعوام السابقة، بعد أن عجز أولياء الأمور عن توفير أبسط المتطلبات التعليمية لأبنائهم.
هذا التحول تسبب في مضاعفة الأعباء على المدارس الحكومية، المزدحمة أساساً، وبالتالي لم تعد قادرة على استيعاب العدد الهائل للطلاب والطالبات المتحولين من المدارس الأهلية، وغير قادرة على تأدية دورها بالشكل المطلوب.
الحلول والمعالجات المتاحة:
رغم شحة الإمكانيات واستمرار العدوان والحصار فقد تم بالتعاون مع شركاء التعليم والجهات المانحة، ترميم وإعادة تأهيل العديد من المدارس المتضررة بسبب العدوان، وتتحدث الأرقام عن إعادة ترميم 628 مدرسة، موزعة على 20 محافظة، خلال العام 2018، و722 مدرسة خلال العام 2019.
كما حرصت وزارة التربية والتعليم بحكومة الإنقاذ على توفير البدائل للمدارس المدمرة كلياً، بما يكفل مواصلة الطلاب والطالبات دراستهم، والعمل على ترميم عدد من المدارس المتضررة.
وتفاوتت نسبة الإنجاز في أعمال الترميم خلال السنوات الثلاث الأولى من العدوان، والتي شملت 110 مدارس، بين 20 ـ 60 بالمائة، وفقاً للمختصين في وزارة التربية والتعليم بحكومة الإنقاذ.
من جهته أصدر مجلس النواب في سبتمبر 2019 قانون لإنشاء “صندوق دعم التعليم والمعلم في اليمن”، بغرض ضمان استمرار العملية التعليمية، وتجاوز العقبات التي أوجدها العدوان في القطاع التعليمي، وخصص القانون إيرادات “ضخمة” لهذا الصندوق، منها:
المخصصات السنوية التي تعتمدها الحكومة في الميزانية العامة للدولة.
– المساعدات والتبرعات والهبات المقدمة للصندوق بما لا يتعارض مع احكام التشريعات النافذة.
– 2 % من ضريبة مبيعات القات.
– 1 % من الرسوم الجمركية للسلع والبضائع في المنافذ الرئيسية.
– 1 % من قيمة تذاكر السفر البرية والجوية والبحرية الداخلية والخارجية.
– 0.5 % من قيمة كيس الاسمنت محلي أو مستورد وزنه 50 كجم معبأ أو سائب.
– 2 % من قيمة عرائس السجائر محلية أو مستوردة.
– 1 % من قيمة فواتير الاتصالات الهاتفية “الثابت والنقال” وخدمات الانترنت.
– 0.10 % من قيمة المياه المعدنية والعصائر والمرطبات والمشروبات الغازية المحلية والمستوردة.
– مبلغ 200 ريال عند منح أو تجديد رخص الإقامة وتأشيرة الدخول والخروج وتصاريح العمل للأفراد غير اليمنيين.
– الاستقطاعات والجزاءات الشهرية على موظفي وزارة التربية والتعليم.
– ريال واحد من قيمة اللتر البترول والديزل والغاز المحلي أو المستورد.
– 50 % من قيمة الرسوم المدرسية السنوية.
– المبالغ المخصصة في الميزانية العامة لأغراض ترميم وصيانة المباني والتجهيزات المدرسية.
وكالة الأنباء اليمنية سبأ : مركز البحوث والمعلومات