حملة جديدة من الإعتقالات للمسؤولين في السعودية.. هل يتكرر سيناريو “ريتز كارلتون”
حملة جديدة من الإعتقالات للمسؤولين في السعودية.. هل يتكرر سيناريو “ريتز كارلتون”
يمني برس:
شن محمد بن سلمان، في نوفمبر عام 2017 حملة اعتقالات واسعة لشخصيات مؤثرة في البلاد وزج بهم داخل فندق “ريتز كارلتون” بالرياض بذريعة “محاربة الفساد”، اذ نرى هذا المشهد يتكرر اليوم وإن كان بصورة أخف من تلك.
هذه المرة، شن ولي العهد السعودي، حملة اعتقالات جديدة تحت مسمى “ميني ريتز” بنفس المبررات السابقة “مكافحة الفساد”. واستهدفت مسؤولين عسكريين وموظفين عموميين ورجال أعمال، وأسفرت عن مصادرة مبالغ نقدية كبيرة، بعضها كان في مخابئ تحت الأرض وأخرى داخل مساجد، بجانب “حالات تلبس” لوقائع رشوة. وآخرها كان اعتقال فيصل بن محمد بن ناصر آل سعود، العميد في الاستخبارات.
اعتقال الامير العميد
كشف حساب “العهد الجديد” الشهير في تويتر، عن اعتقال أمن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أميراً يعمل عميداً في الاستخبارات السعودية .
وقال “العهد الجديد” في تغريدة إنّ الأمير الذي جرى اعتقاله هو فيصل بن محمد بن ناصر آل سعود، العميد في الاستخبارات. وأوضح أن الاعتقال جاء بعد أن تمّ اقتحام مكتبه وجرّه وكأنه إرهابي متورط بجريمة كبيرة.
أما سبب الاعتقال فقال “العهد الجديد” إنه تذمر الأمير في أحد المجالس من ارتفاع قيمة فواتير الكهرباء.
والأمير فيصل بن محمد بن ناصر بن عبد العزيز آل سعود هو الولد الثاني للأمير محمد بن ناصر بن عبد العزيز آل سعود وهو أمير مدينة جازان الآن ، وكان قائد القوات البرية الملكية السعودية في السابق ، وهو حفيد امير عاصمة المملكة الرياض، وهو حاصل على شهادة الماجستير والدكتوراه في جامعة محمد سعود تخصص السياسية الشرعية ، ويعرف عنه أنه يحب الشعر والفن والتاريخ والثقافة ، وهو متزوج من الأميرة الفهدة بنت محمد بن عبدالرحمن.
حملة جديدة ضد كبار المسؤولين
ترى وسائل الاعلام ان عملية الاعتقال هذه تأتي ضمن حملة جديدة اطلقها ولي العهد السعودي ضد كبار المسؤولين العسكريين في السعودية إضافة إلى موظفين بيروقراطيين صغار، بمزاعم مكافحة الفساد .
وعلى رأس الأسماء التي تم توقيفها في هذه الحملة، رئيس هيئة الترفيه، المستشار تركي آل الشيخ، الذراع اليمنى لولي العهد، مع ضباط وموظفين آخرين بوزارة الدفاع، ممن ثبت تورطهم في تعاملات مالية مشبوهة أكسبتهم أكثر من 1.2 مليار ريال، حيث تم إيقافهم عن العمل وتحويلهم للتحقيق.
وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إن الحملة أطلق عليها اسم “ميني ريتز”، في إشارة إلى إيقاف السلطات السعودية في عام 2017 العشرات من الأمراء ورجال الأعمال والسياسيين في فندق “ريتز كارلتون”.
واعتبر موقع فرانس 24 أن “الحملة التي استهدفت الجميع من مسؤولين عسكريين إلى مسؤولي البلدية والصحة والبيئة، تعزز حكم ابن سلمان، الذي يسيطر بالفعل على جميع النقاط الرئيسية للسلطة” ويريد ان يثبت من خلال هذه الحملة أنه “لا يوجد سوى شريف واحد في المدينة”.
الموقع الفرنسي نقل عن أكاديمي سعودي ان “المستهدفين الحقيقيين ليسوا الفاسدين، بل الغرامات ومصادر الدخل الجديدة”، مشيرا إلى أنها ” تهدف إلى إقصاء المسؤولين الأمنيين الذين لا يُعتبرون موالين بما يكفي للحكام.
كما ذكّر الموقع بما كتبه الكاتب ديفيد إغناتيوس في صحيفة “واشنطن بوست” في حزيران الماضي أن ابن سلمان وحاشيته يعدون “تهماً بالفساد وعدم الولاء” ضد ولي العهد السابق المخلوع محمد بن نايف المحتجز منذ آذار الماضي “توضح محاولة المؤسسة السعودية لتقويض خصوم محتملين”.
وفي أيلول الماضي، أثارت إقالة العاهل السعودي الملك سلمان لقائد القوات المشتركة الفريق الركن فهد بن تركي بن عبدالعزيز آل سعود، ونجله الأمير عبد العزيز من منصب نائب أمير منطقة الجوف (شمالا)، وإحالتهما على التحقيق، صدمة.
جيوب رجال الأعمال والأثرياء لتعويض العجز
موجة الاعتقالات الجديدة أثارت مخاوف الشارع السعودي، كما تسببت في إحداث حالة من القلق لدى العديد من رجال الأعمال والشخصيات العامة، إذ لا تزال أصداء “الريتز كارلتون” تخيم على الأجواء، ولا تزال صور أمراء المملكة وكبار رجال الأعمال وهم يفترشون الأرض داخل الفندق تقلق مضاجع الكثيرين ممن فقدوا شعور الأمن داخل وطنهم في ظل السياسات الحالية للأمير الشاب.
تواجه السعودية خلال السنوات الخمس الأخيرة عجزاً مستمراً في ميزانيتها العامة، يتفاقم عاماً تلو الآخر، وفي تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني كشف أن خسائر المملكة منذ 2016 وحتى اليوم تجاوزت الـ250 مليار دولار.
التقرير أشار إلى أن المملكة كانت تمتلك عام 2016 احتياطياً نقدياً أجنبياً يبلغ نحو 700 مليار دولار، غير أنه تراجع هذا العام ليصل إلى 448.6 مليار دولار، فيما فقد خلال الفترة من آذار ونيسان نحو 48.6 مليار دولار، وهو التراجع الأكبر في تاريخ الاحتياطي الأجنبي السعودي.
تكاليف العدوان على اليمن وتراجع أسعار النفط العالمية وانهيار سوق الطاقة بجانب تراجع العرض على المادة الخام في ظل تفشي وباء فيروس كورونا المستجد وتداعياته على الاقتصاديات العالمية بصفة عامة، عمقت من وقع الأزمة التي يمر بها الاقتصاد السعودي.
وبصرف النظر عن الأسباب السياسية وراء هذا العجز المتفاقم عاماً تلو الآخر في ظل شطحات بن سلمان والكلفة باهظة الثمن لبقائه في منصبه، إلا أن الوضع يزداد سوءًا شيئًا فشيئًا، الأمر الذي دفع السلطات هناك إلى البحث عن وسائل لإنعاش الخزائن الفارغة، ولم يجد ولي العهد أفضل من جيوب رجال الأعمال وأثرياء بلاده لتعويض هذا العجز.
المساومات التي أجرتها المملكة مع معتقلي الريتز السابقين وما يثار بشأن ضحايا الحملة الراهنة تشير – وفق خبراء – إلى أن أحد أبرز الأهداف الأساسية من وراء تلك التوجهات هو الحصول على أكبر قدر من المال لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في ظل ما تتكبده السعودية من خسائر، في الداخل والخارج.
أزمة مصير
يجمع مراقبون على أن إقدام ابن سلمان على شن حملة الاعتقالات لكبار الأمراء وضباط ومسؤولين يعبر عن أزمة مصير. ويتعلق ذلك خصوصا في فرص ابن سلمان في تولي العرش بعد والده.
يعتقد المراقبون أن ابن سلمان يريد استباق أي أمر مفاجئ في طريق خلافة والده. وهذه مسألة حسّاسة تتعلق في جانبها الأول بصحة والده، الملك سلمان البالغ 85 عاما. ولم يعد الملك سلمان يظهر على الملأ إلا بشكل متقطع وقليل ولوقت قصير جدا.
ويتعلق الجانب الثاني بتخوف محمد بن سلمان من عدم قدرته على فرض نفسه في غياب والده. ولذا يريد أن يصعد إلى العرش في حضوره، ما يسهّل أمامه العقبات بسبب سطوة والده.
يتعلق ذلك بقدرة الملك على التأثير في الأوساط التقليدية، الدينية والقبلية التي لا يحظى ابن سلمان بشعبية في داخلها.
الاعتراضات
أثارت الحملة مخاوف قطاع كبير من السعوديين ممن يرون أن كل ما يُتخذ من قرارات في هذا الشأن الهدف الرئيس منها هو التخلص من أي تهديد محتمل قد يواجهه ابن سلمان نحو طريقه للعرش، ولا سيما بعد زيادة معدلات الاحتقان بسبب سياساته التي ألقت بظلالها القاتمة على الحياة المعيشية للمواطن السعودي.
ويكشف مستوى المعتقلين السعوديين عن الحالة الحرجة التي يعيشها ابن سلمان، وهذا يذكي الاعتراضات التي صاحبت تخويله ولاية العهد. يضاف إلى ذلك سعيه إلى إزاحة المنافسين له على العرش، في وقت تحدّثت وكالة “بلومبيرغ” عن مخطّط للانقلاب في المملكة.
ما يرجّح خطورة هذه الاعتقالات ودلالاتها على مخاوف جِدِّيَّة من تمرُّد، أو انقلاب، طبيعةُ المنصب الذي تولاه كلٌّ مِن الأميرين أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف.
وحتى إنْ كانت مكانتهما تضاءلت في العائلة المالكة، في السنوات القليلة الماضية. ما يعني أن ابن سلمان يحاول استباق تنازل والده الملك سلمان عن العرش، ليزيح منافسين له على العرش.
قد ينجح محمد بن سلمان، بما يملكه من سلطة، أو بالدعم الأمريكي، وليس بلا ثمن في تثبيت نفسه ملكاً للسعودية، وقد لا ينجح. وحتى في حال نجح، فإن مثل هذا النجاح سيكون قلقاً، بعد أن لم تقتصر المعارضة على أوساطٍ في الشعب السعودي. فمن المعتقلين العلماء والمشايخ الذين يُزَجُّون في السجون، قلقاً بهذه الخطوة من الاعتقالات الجديدة من المقرّبين من الأمراء.
وهؤلاء ليسوا، بالتأكيد، بلا أنصار، أو متعاطفين، فلكل فعل ردّة فعل؛ من مراكمة الامتعاض، ونقصان الثقة، بهذا الإيصال المُقْحَم، والقائم على الإكراه، لمحمد بن سلمان، إلى الحكم.