أمريكا في 5 أيام
أمريكا في 5 أيام
على مدى ست سنوات ، فشلت الإدارة الأمريكية في كسر إرادة اليمنيين وإخضاعهم لمشروعها الاستعماري ، رحلت سلطة الديمقراطيين بعد سنتين من العدوان ، وبعدها تسلّم الجمهوريون لواء المعركة ، وهاهم يرحلون بعد أربع سنوات يجرون خلفهم الخيبات، بعد أن استنفدوا كافة أوراقهم العسكرية والمالية والسياسية في المعركة ضد اليمنيين .
فشل الديمقراطيون والجمهوريون وارتد بأسهم عليهم ، وهاهم سكان العاصمة واشنطن ومعهم 330 مليون أمريكي يحبسون أنفاسهم وهم يرون شبح الإرهاب والفوضى يلف العاصمة والمدن الأمريكية ، بعد أن تحولت نتيجة الانتخابات الرئاسية إلى شرارة قد تلتهم الدولة الأكبر في العالم ، ولا كبير أمام الله وسنن التاريخ .
خمسة أيام تفصلنا عن موعد مغادرة ترامب للبيت الأبيض وتنصيب جو بايدن خلفا له ، ستمر ثقيلة على الأمريكيين الذين يضعون أيديهم على قلوبهم وهي تُحصي بنبضاتها مرور الأيام الخمسة بالثواني والدقائق .
حتى وإن مرت مراسم تنصيب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة بسلام، فذلك لن يعني خروج الولايات المتحدة من الأزمة التي بدأت بالظهور في الأيام الأولى لتولي ترامب السلطة في البيت الأبيض ، إذ بدا أن انهيار أمريكا أصبح مسألة وقت ، بل أن هناك من توقع بداية الانهيار عام 2020م، كعالم الاجتماع النرويجي الشهير يوهان غالتونغ مؤسس معهد أبحاث السلام في اوسلو .
انهيار أمريكا وسقوطها عن عرش العالم لأسباب متعددة ، وما الظاهرة الترامبية إلا أحد أعراض الانهيار ..
قد يقول البعض إن الولايات المتحدة دولة مؤسسات ، وبإمكانها تجاوز مثل هذه الأزمات ، ولكن ، ما الذي تبقى من قيمة للمؤسسات الأمريكية بعد “غزوة الكونجرس” في السادس من يناير الجاري ؟!. حتى المؤسسة العسكرية، ذراع أمريكا الطويلة الممتدة بامتداد خط الاستواء باتت مصابة بداء العنصرية والكراهية ، ولا يستطيع الأمريكيون التكهن بمواقفها إذا ما استفحلت الأزمة وتعثرت مراسم نقل السلطة .
مشهد قوات الحرس الوطني التي تم استدعاؤها لتأمين مبنى الكابيتول وهم ينامون في أروقة المبنى بملابسهم العسكرية، يذكر بمشاهد سابقة في العاصمة الرواندية كيغالي خلال الصراع بين قبائل الهوتو والتوتسي . لا يقتصر الأمر في المشهد الخارجي فحسب ، بل وفي جوهره أيضا ، إذ تساور أجهزة الاستخبارات شكوكا حول ولاء هذه العناصر التي جُلبت لتأمين نقل السلطة ، هل ستكون مع ترامب أو مع بايدن في حال تعثرت عملية الانتقال ودفع ترامب بأنصاره نحو الفوضى .
نحن لا نتمنى ولا نتشفى ، وأول من كتب عن أعراض الانهيار الأمريكي هي مراكز الأبحاث الأمريكية وعلماء السياسة والاجتماع الغربيين ، وعلى رأسهم الأمريكي ناعوم تشومسكي الذي كتب في عام 2010 : “الولايات المتحدة تعيش حالة مزاجية مفزعة ومستوى الغضب والإحباط وكراهية المؤسسات ليس منظما بطريقة بنّاءة وهو ما قد يقود إلى صعود اليمين المتطرف في أقرب انتخابات”، وقال: إن صعود رمز يتمتع بالكاريزما في المجتمع الأمريكي سيكون خطرا عليه” .
الدولة الأمريكية تحمل في داخلها عوامل تفككها أكثر من أي دولة أخرى في العالم ، فالشعب الأمريكي خليط من المهاجرين لا تجمعهم سوى المصلحة الفردية ، وإذا اختلت مصالح الأفراد والفئات مضى كل في اتجاه .. والأحداث التي شهدتها المدن الأمريكية عقب مقتل جورج فلويد ما تزال جمرا تحت الرماد .
تتشكل الولايات المتحدة من 50 ولاية ، كل منها لها قانونها الخاص، تتبع الاتحاد الفيدرالي المكون للعصبية العامة، فإذا تعاظمت قوة هذه العصبيات الخاصة على العصبية العامة ينفرط العقد ، وكذلك الأمر للأعراق من سود وبيض ولاتينيين وغيرهم .
وعلى سبيل المثال ، في أغسطس 2015م تشكلت في ولاية كاليفورنيا – وهي الأكثر عددا والأكثر تمويلا للخزانة الأمريكية – لجنة “نعم كاليفورنيا” لإجراء استفتاء في الولاية بحلول 2019م من شأنه أن يبدأ خطوات تؤدي إلى الانفصال القانوني عن الولايات المتحدة .
تلك هي الحالة التي تعيشها الولايات الأمريكية ، فما قيمة الإجراءات الأمريكية بتصنيف أنصار الله كجماعة إرهابية ، وهي تهديدات صادرة عن سلطة حمقاء تغرق في سوءاتها وتمارس الإرهاب ضد شعبها بل وضد حزبها الذي يخشى بعض نوابه وقياداته من انتقام ترامب وعصابته ؟.
لقد كان الهدف الرئيسي للولايات المتحدة ووكلائها الإقليميين – منذ إعلان العدوان على اليمن – هو إزالة أنصار الله من اليمن، وقد كان الأنصار حينها نخبة من بضعة آلاف ، وهاهم أنصار الله بعد ست سنوات من الحرب والحصار شعب بالملايين ، فهل توصف الشعوب بالإرهاب ؟.
لا يوجد لدى الإدارة الأمريكية ما تقدمه للبقرة الحلوب لتعويض فشلها سوى هذه الخدمة ، ولم يكن أما جواميس الخليج سوى التهليل للخطوة الأمريكية، متناسية أنها اتخذت الخطوة نفسها قبل نصف شهر من العدوان، حين صنفت في الثامن من مارس 2015م عدداً من التنظيمات بينها الإخوان المسلمين وأنصار الله كمنظمات إرهابية ، ولم يغير ذلك في الواقع شيئا ، بل أن نظام الرياض نفسه كان مجبرا على التفاوض مع أنصار الله بطرق مباشرة وغير مباشرة .