نُبوّة الشهيد القائد
نُبوّة الشهيد القائد
يمني برس: سبأ – أنس القاضي
بنور القرآن ومشاعل التاريخ كان يرى ما لا يدركه قاصرو النظر، يُحذر من غزو وعدوان أمريكي آت، ويدعو إلى الكفر بالألوهية الاستعمارية والوقوف ضد الولايات المتحدة الأمريكية في ذروة طغيانها، منطق كان كفيل بأن يثير سخرة العامة ، فيما أدرك النخبة خطورته فكانت الحرب رداً على صرخته.
19 عشر عاماً وصرخة إبن البدر أعلى، ورؤيته أشد وضوحاً، وفكره أكثر حياة، وتقديراته أدق من أي نبوة سياسية.
تصادف ذكرى استشهاد الثائر القرآني والقائد الوطني السيد حسين بدر الدين الحوثي، مع دخول العدوان عامه السابع ، وطوال سنوات العدوان هذه حدث كل ما حذر منه الشهيد حسين الحوثي، ظل حاضراً في فكره الذي كان ممارسة جهادية ونضالية، وهو حاضر اليوم في قلوب وسواعد كل المجاهدين والمناضلين الوطنيين في مواجهة العدوان الاستعماري التوسعي، الذي حذر منه في العام 2002م.
نظرة ثاقبة
لم يكن حديث الحوثي حول خطر دخول أمريكا اليمن بتاريخ 3 مارس 2002م حديثاً عبثياً كجلسة مقيل وخطبة جمعة ، ولم يعكس نفسيه مُصابة بهوس المؤامرة، وكان نتاج أزمة فكر ديني يحتاج إثبات وجوده وجدواه بخلق خصم والصِدام معهُ كان حديث الشهيد القائد موقفاً وطنيا ناصعاً وتحليلاً واقعياً صادقاً، شواهده اليوم في أرض الواقع والملموس التاريخي.
فما جاء في هذه المحاضرة من أفكار وتحليلات سياسية استراتيجية أثبتت صحتها بحيث لا يُمكن اعتبارها حين أُلقيت قُدمت للناس كمخاوف وحالة فزع، أنما تُنبئ عن استشرافات موضوعية للمستقبل ونظرة عميقة من أكثر الشخصيات اليمنية استشعاراً للمسؤولية الدينية والوطنية.
أسس واقعية للعداء
انطلق الحوثي في عدائهِ لأمريكا والتحذير منها من اُسس موضوعية اجتماعية اقتصادية، ومن مُعطيات ملموسة دولية وإقليمية، وليس من الوهم، أو من تأويلات اعتباطية للنص القرآني بما يجعل النص القرآني يخدم موقفه، بل نجد النص القرآني في فِكر الحوثي مُرشداً للعمل والتَحرك تجاه هذه الظواهر والمخاطر الحقيقية.
يتحدث الحوثي مُنطلقاً من الواقع التاريخي ومن دراستهُ شكل هذهِ الظاهرة (الاستعمار الأمريكي) وتحليل مضمونها وسيرورة حركتها، وهُنا تأخذ القصص التي تعانيها الشعوب شكل أرقى للعبرة، تُصبح موجهاً للحركة ضد هذا الخطر، ومن دراسة هذهِ التجارب تُعرف حركة هذه الظواهر الاستعمارية وهذه الدول العدوانية فتحتاط الشعوب وتستعد لمواجهة هَذهِ الاخطار.
وهُنا يقول الحوثي مُحدثا عن الخطر الأمريكي المُحدق على اليمن، مُستنداً إلى الحقيقية التاريخية المُعاشة في أفغانستان:
“لاحظوا كيف كان دخولهم إلى أفغانستان، دخلوا إلى أفغانستان وأوهموا الأفغانيين أنهم يريدون أن يضعوا، أو أن يصنعوا حكومة حديثة وعصرية، وتستقر في ظلها أوضاع البلاد.. وبالتأكيد لن يدعوا البلاد تستقر، بدأ الخلاف، بدأ الحرب بين الفصائل، وسمعنا أن تلك الحكومة لا تستطيع أن تحكم أكثر من داخل (كابول)، لا يتجاوز نفوذها إلى خارج مدينة [كابول]، وما يزال الأعداد من الجنود من أسبانيا ومن مناطق أخرى يتوافدون إلى أفغانستان من أجل أن يحافظوا على السلام، وأن يحافظوا على استقرار المنطقة, هكذا يقولون! يعملون قلاقل دائماً لتبرر لهم تواجدهم, تواجدهم بصورة مستمرة. إذا دخلوا اليمن وكما قال الله: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً. لا تدخل الشركات الأمريكية بلداً إلا وتنهب ثرواته، إلا وتستذل أهله، لا يدخل الأمريكيون بلداً إلا ويستذلون أهله. “.(ملزمة خطر دخول أمريكا اليمن)
(الشهيد حسين بدر الدين الحوثي مع رفيقه الشهيد زيد علي مصلح)
الخطر الأمريكي الشامل
الخطر الأمريكي كما كان يراه الحوثي هوَ خطر فعلي واقعي على الأُمة العربية والإسلامية، وعلى شعوبها، وهوَ خطر وجودي نتاج وجود استعماري خارجي غير مُبرر، ووجود هذا الخطر بهذهِ المنطقة ليسَ خلافاً عقائدياً في الكُتب المُقدسة، ولا خطر خصومه نزاع عادي بين دوله ودوله في نفس المنطقة، أو بين مكون ومكون داخل الدولة، فهوَ عام يستهدف أيضاً الحكومات والدول والشخصيات والجماعات التي تتواطأ معهُ وتعمل في سياق مشروعهُ، أو يخدم موقفها العدمي مشاريع الاستعمار دون أن تدري.
“نقول جميعاً كيمنيين لأولئك الذي يظنون أنهُ لا خطر مُحدق، الذين لا يفهمون الأشياء، لا يفهمون الخطر إلا بعد أن يدَهمهم، نقول للجميع أكانوا صِغاراً أم كِباراً: الأن ماذا ستعملون؟ المواطنون كلهم يجب أن يتحركوا، وأن يرفعوا جميعاً صوتهم بالصرخة ضد أمريكا وضد إسرائيل، وأن يعلنوا عن سخطهم لتواجد الأمريكيين في اليمن، الدولة نفسها، الرئيس نفسهُ يجب ان يَحذر ما جرى على عرفات ما جرى على صدام، ما جرى على أخرين يُحتمل أن يجري عليهِ هوَ، الخطر عليهم هوِ من أولئك، الخطر عليهم من الأمريكيين، الخطر عليهم من اليهود، على الحكومات وعلى الشُعوب وعلى الزُعماء. وحتى من أطمئنوا بصداقتهم لأمريكا عليهم أن يحذروا، لآن أولئك ليسوا أوفيا أبداً”.(ملزمة خطر دخول أمريكا اليمن)
الاستعمار الجديد وخطر دخول أمريكا اليمن
ظهر مفهوم الاستعمار الجديد من خمسينيات القرن الماضي، إلا أن السيد حسين الحوثي أعطى له مدلولاً تاريخياً ملموساً متناسباً مع الواقع في بداية القرن الحادي والعشرين بعد تراجع المعسكر الشرقي وظهور الولايات المتحدة الأمريكية كأقوى قوة عالمية تسعى لفرض هيمنتها، واعتبر السيد حسين الحوثي هذا الاستعمار الجديد بأنه الخطر القادم تحت شِعار «محاربة الإرهاب»، ويُعد السيد حسين الحوثي في طليعة مَن تنبهوا للتوجهات الاستعمارية الجديدة، التي تحركت بها الولايات المتحدة الأمريكية باسم «مكافحة الإرهاب»، ولزيف حربها على تنظيم أسامة بن لادن. وكشف أبعادها بعد 4 أشهر من أحداث 11 سبتمبر 2001، وليأتي غزو العراق في 2003 مصداقاً لتحليله، ومع تطور نشاطه الفكري والتثقيفي بدأت الحرب العدوانية الأولى على صعدة -تكليلاً لممارسات القمع ضد نشاطهم التثقيفي بالشكل السلمي الحضاري- بعد عودة الرئيس علي صالح من أمريكا آنذاك، وليستشهد السيد حسين الحوثي على إثرها في 10 سبتمبر 2004.
حديث السيد حسين الحوثي عن الاستعمار الجديد استند على شواهد تاريخية ماثلة، لا يُمكن لمن يدقق فيها أن يكذبه، وهي أخطار متسقة مع الخطاب القرآني حول العدوانية اليهودية، وتكشف محاضراته عن شخصية فذة تستشعر مهمة المقاومة والنهوض، وذات اهتمام عال بالوضع السياسي العالمي، ورصد دقيق لمجريات الأحداث والتحولات، فمن مشاهدة الأحداث وتحليلها استنتج الشهيد حسين الحوثي جوهرها المحرك الاستعماري باعتبارها سياسة عدوانية واحدة، وقام بتعميم هذه النتائج على الواقع اليمني المهدد بالخطر الاستعماري الأمريكي.
ركز السيد حسين الحوثي على أن النظر إلى الأحداث ككل لا يتجزأ من موقع من يعي أنه جزء من واقع الصراع العالمي هذا، لا مقيم خارج هذا الوجود الإنساني، خاصة وأن طبيعة الاستعمار والخطر الإمبريالي والصهيوني هو عالمي، والمجتمعات العربية الإسلامية في مقدمة المستهدفين فيه.
سعى الشهيد حسين الحوثي إلى أن يرفع من الوعي الاجتماعي ليتجاوز المشاهدات والأحكام اليومية السطحية ويرتقي بها إلى مستوى التحليل الاستراتيجي العميق، لإدراك الخطر الاستعماري ومواجهته، وعدم قبول أي تبريرات له.
يذهب السيد حسين الحوثي إلى أبعد من ذلك، إلى تناول ما قد يُقال على سبيل التبريرات حين دخول أمريكا اليمن، فيتصدى له سلفاً، ومنه تفنيد فكرة أن الدولة هي المسؤول الوحيد عن الدفاع عن الوطن أو مخولة ضمن مهامها الدستورية بقبول التدخل الأجنبي.
وفي سياق رده على الوعي اليومي فإن السيد حسين الحوثي يتصدى لفكرة أن وجود الإرهاب في اليمن يبرر التدخل الأمريكي، وأن اليمنيين بـ”إرهابهم” حفزوا أمريكا، ويستند إلى التجربة التاريخية، وهي حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي قامت برعاية ذهاب المقاتلين اليمنيين لـ”الجهاد” ضد الاتحاد السوفييتي.
شدد السيد حسين الحوثي على تقديم تحديد ملموس للمسلمين والمجتمعات الإسلامية المعرضة للخطر، بحيث يستشعر من يسمع الحديث حول الأخطار التي تهدد العرب والمسلمين أن هذا الخطر عليه، على عكس الخطاب الشائع في تناول المسلمين كمفهوم مجرد ، إنزال الخطر والمجتمع المهدد بالخطر من التجريد إلى الملموس التاريخي، يرافقه تحدد المقاوم وصاحب المسؤولية الأولى للتصدي للخطر.
ويعتبر السيد حسين الحوثي أن الشعوب هي صاحبة القضية والمسؤولية الأولى في التصدي لهذه المشاريع الاستعمارية، رغم أن الخطر يهدد أيضاً الأنظمة والزعامات الموالية لأمريكا وليس الشعوب فحسب. ويُصبح التحرك حتمياً، والبذل في سبيل الحق والوطن أقل كلفة من أن يُساق الإنسان في سبيل خدمة الباطل والاستعمار، كما هي سنة التاريخ بحق من آثروا الحياد وخانوا أوطانهم.
أثبتوا على المبادئ والمواقف
التنازل النظري، يتبعهُ تراجعٌ على الأرض على الواقع، وخاصة في وقت العملية الثورية التي لا يُحتمل فيها النقاش حَول الثوابت؛ فكل مساومة على أحد المبادئ يتبعها مُساومة على بقيتها، و هَذهِ المساومات التي تأخذ طابعاً سياسياً غالباً ما ينتج عَنها حالة ريبه وشك لدى القوى الاجتماعية والثورية بحقيقة فكرك وتوجهك وحركتك وقَضيتك، وبالتالي زعزعة للإيمان الذي سيعكس زعزعه في الميدان.
بالالتزام المبدئي الصارم في عدم التنازل عن المواقف والمبادئ يختم الحوثي محاضرته، وهذا الالتزام والانضباط هو الضامن لبقاء المقاومة على الأرض ولاستمرارية الثورة والحركة ضد المشروع الأمريكي، فهي رسالة الشهيد ووصيته، وثبات شعبنا اليوم في مواجهة العدوان منذ سنة أعوام، هو نتيجة للثبات على الموقف الديني والوطني في رفض التدخلات الاستعمارية الأمريكية.
“يجب أن نفهم الأمور، وأن نقول لكل شخص يريد أن يقول اسكتوا: هذه الشواهد من داخل بلادنا ومن خارجها ماثلة أمامكم يا من يقولون اسكتوا، إن واجبكم أن تنطلقوا أنتم، إن واجب الناس الآن أن يتحركوا وأن لا يـُخدعوا”.
أكرر: أن لا يصبح الناس كثيري التحليلات. التحليلات يجب أن نتركها كلها، تحليلاً واحداً فقط هو: أن الأمريكيين دخلوا بلادنا فمن الذي سمح لهم أن يدخلوا؟ وأننا نرفض أن يدخلوا، وأننا سنقاوم وجودهم هنا، يجب أن نقول هذا.
وكل تبرير لوجودهم مرفوض سواء أتى من عالم، أو من رئيس، أو من قائد، أو من كبير، أو من صغير، لأن الله تعالى علمنا في القرآن الكريم كل شيء، وهو من يعلم السر في السماوات والأرض وهو العليم بذات الصدور، أما هؤلاء فإنهم من يخدعونا دائماً، هم من يخدعونا دائماً، فنحن لا يجوز أن نـُخدع ولا أن نكون أبواق دعاية للتبريرات التي تنطلق منهم فيقول واحد منا ألم تر التلفزيون أمس وهل رأيت الأمريكيين وهم مشاركين مع جنود يمنيين اقتحموا بيت فلان وهو وهابي ملعون). قد نقول هكذا ونفرح، (ألم أقل لك أنهم جاءوا من أجل أن يساعدونا). كل عمل يبرر تواجدهم كن أنت من يقف ضده، كن أنت من يفضحه أمام الناس، كن أنت من يقول أنه خداع”. (محاضرة خطر دخول أمريكا اليمن)