عابد المهذري :عبدالملك الحوثي .. سيد الإنسانية (قراءة مختلفة لخطاب المولد النبوي من زاوية بعيدة عن السياسة)
يمني برس _ أقلام حرة
بقلم / عابد المهذري
نخطيء كثيراً عندما نتعامل مع قائد أنصار الله من زوايا وجوانب ضيقة .. تنحصر بالتعاطي معه في الصحافه والإعلام كشخصية سياسية وزعيم جماعة دينية توصف ظلماً عن وعي قاصر بـ (( المسلحة )) وكأنها الوحيدة في اليمن تحمل السلاح الذي يتمنطقه كل اليمنيين .. أحزاباً عقائدية ووطنية ونخبة مدنية ليبرالية وعلمانية.. مثلها مثل القبائل والقوى المتنفذة ومختلف شرائح المجتمع اليمني.
انطبعت صورة السيد عبدالملك الحوثي في الذهنية العامة والرأي العام كمحارب شجاع وقائد عسكري شاب ذكي ومحنك.. أيضاً أصبحنا مؤخراً نراه سياسي ناجح وماهر .. بينما (( أبو جبريل)) أكثر من ذلك وأكبر .. في جوانب لا تبرز بجلاء بسبب طغيان السياسة والحرب على المشهد المرتبط بأنصار الله والمسيرة القرآنية وماتلقي به من ظلال تفاعلات أحداثها على ملامح الصورة الذهنية المرسومة لدى العامة عن (( سيد الإنسانية )) عبدالملك بدر الدين الحوثي.
هذا الجانب الإنساني هو الجزء الأهم من الجوانب السياسية والعسكرية في التركيبة الفسيولوجية للسيد الشاب القادم من أرياف صعدة متشبعاً من نقاء وأصالة الأرياف فضائل الأخلاق .. النبل والشهامة .. الصدق والرحمة .. التواضع والإيثار .. الطيبة والكرم .. النباهة والعفو وبياض القلب.. ولو أننا قرأنا كمحلليين وكتاب صحفيين خطابه الأخير في المولد النبوي الشريف من الجوانب الإنسانية بعيداً عما تعودناه في التعامل مع خطاباته من الزاوية السياسية الثورية لعرفنا بعض ماخفى عن شخصية الرجل وفهمنا نفسيته.. روحه وعجينته.. تفكيره و منهجيته .. أسلوبه في الحياة وقاعدته في العمل .. لنكشف المعاني الإنسانية بدلالاتها ومحدداتها في شخص ليس هو ما نتصوره و نعتقده فقط.
كان الجميع ــ بمافيهم أنا ــ ينتظر من السيد عبدالملك خطاباً نارياً كما عهدناه دائماً في خطاباته العنفوانيه البليغة الكلمة .. المتناسقة فعلاً وقولاً مع الموقف الصلب في ميادين المواجهة وعلى طاولات الحوار .. لكنه هذه المرة لم يشبع رغبات المتحمسين لسماع دوي مدافع التحذير والتهديد وهي تصدر من فم الرجل أمام الجماهير في ساحات الإحتفال أوعبر شاشات الفضائيات .. يلهب النفوس بالجسارة والتحدي و يزلزل الأرض تحت أقدام المعنيين برسائله المتبوعة بالتنفيذ عملياً حسب الظروف لكل مرحلة .
ولأن هذه المرحلة حافلة بالإنتصارات الكاسحة لأنصار الله.. فقد جاء خطاب السيد عبدالملك الحوثي لائقاً بالمناسبة العظيمة : مولد النبي الأعظم محمد بن عبدالله عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأزكى التسليم.. فالسلام والتسامح والصفح هو عنوان المرحلة وهو ايضا العنوان البارز في أخلاقيات فارس النصر .. حامل ثقافة القرآن وأخلاق الرسول العظيم .. من هنا طفقت فيوض الإنسانية .. توهجت من ثنايا وجه أبو جبريل .. تتقاطر محبة وإخاء من بين كلمات وعبارات خطاب المولد النبوي.. يخاطب مئات آلاف الحشود الضخمة في صنعاء وصعدة بالمواعظ والدروس و القصص عن خير البرية .. منتهزها الفرصة السانحة لسد النقص المعرفي والزاد الروحي لأبناء الأمة.. لأنصاره وأتباعه .. لجمهوره ومتابعيه.. للمراقبين وجهات الرصد والتحليل .
ذكيا كعادته في طرق الملفات المنسية وفتح المسكوت عنه .. معلماً وداعية .. أستاذاً ومحاضراً .. يضطلع بمهمة نشر الوعي وتحصيح المفاهيم المغلوطة.. مقدماً الصورة الناصعة للدين القويم .. للإسلام والمسلمين .. لمايجب وماينبغي .. ما يفترض أن يكون وماهو كائن من إعوجاج حاصل.. مستعرضاً مسارات التآمر الأجنبي وحلقات الإستهداف الصهيوأمريكي الممنهج لتشوية دين أمة محمد واستهدافها أمنياً واقتصادياً وأخلاقياً .. يصوب بندقيته إلى نحر العدو الخارجي.. أمريكا واسرائيل ودول الإستكبار العالمي .. يقول لهم بصوت مسموع : نحن هنا متيقظين لمخططاتكم و لها بالمرصاد .. جاهزون بقطع دابر سيناريوهات الغدر وشق الصفوف وإثارة الفتن بين أبناء الشعوب والمجتمعات العربية والإسلامية .. مباغتاً اللحظة المرتقبة بطعنة في قلب المؤامرة .. ضربة قاصمه تكسر ظهر المتآمرين .. سهماً ثاقباً في بؤبؤ عيون المتربصين .. أراد إخطارهم بكل وضوح ألا فائدة ولاطائل ولاجدوى مما يقومون به من ألاعيب قذرة تتحرك بأوراق التكفيريين وأدوات الدواعش والقاعدة لتقويض عوامل بناء الأمم .. طمس تاريخها واستبداله بأفكار الهدم والإرتهان والخنوع .. مؤكداً أن الأمة المحمدية مازالت جذوتها تنبض بالحياة والأخلاق وتتحفز لتغيير بوصلة التاريخ إلى حيث لا يمكن القبول بإقتفاء جهة بديلة غير الخير و العدل و الحرية مهماكان التحدي
خطاب (( سيد الإنسانية )) السيد عبدالملك الحوثي في ذكرى المولد النبوي جاء حافلاً بالسجايا الكريمة .. مكتضاً بالأخلاق الرفيعة.. ضمن مقاربات فلسفية وإدراك واعِ بأولويات المرحلة الراهنة .. المحتاجة للتلاحم والتوحد .. للتكاتف والسلم .. للتعايش والوفاء .. للولاء والإنتماء ..للوطنية والمسئولية للدور الفردي والفعل المجتمعي .. للعودة إلى مآثر الماضي لتجاوز عثرات الحاضر وصنع المستقبل .. لقد كان متجلياً وهو يتحدث بهدوء ووقار وروحية منسجمة مع أعظم مناسبة .. يستنهض همم الناس ويرشدهم إلى الطريق القويم .. متسامياً فوق الجراح الغائرة .. مقدماً التنازلات عن طيب خاطر وبكل ارتباط وجداني بالدين والإنسانية .. كيف لا و هو الذي بنى أمة عصية على الإنكسار .. قوية متماسكة البنيان .. فاعلة الأثر والتأثير ليباهي بها ويفاخر العالم .. معيداً الإعتبار لذكرى و مناسبة المولد النبوي بعدما كان هذا اليوم قد انطمر تحت أنقاض الفكر الدخيل .. ليأتي قائد انصار الانصار حاملاً راية : لبيك يا رسول الله وخلفه ملايين المجاهدين من أبناء اليمن .. يلتفون حول فكرة بذر عظمتها المؤسس الشهيد حسين بدر الدين .. بتجدده العصري الذي تسامق أشجارا فارعة المدى تؤتي ثمار التغيير للأفضل دنيا وأخرة .. تضحية وشهادة .. صرخة وبراءة يتردد صداها بآفاق العرش .
لم ينس (( سيد الإنسانية )) الهم الداخلي .. القضية اليمنية .. لم يتهرب من السياسة أو يتحايل على الموقف السياسي المطلوب منه .. حتى و هو يخالف القاعد بعدم قيامه بماجرت العادة عليه في كل إطلالة ومع كل خطاب وكلمة .. إذ أراد عن سبق اصرار وترصد .. توجيه الحديث إلى فئات وأطراف أخرى .. نحو غرائز وسيكولوجيات مختلفة .. أسهب في سرد النماذج والأمثلة عبر إسقاطات عملية وإلمام فقهي بما يدور حولنا من أحداث وما يجري من تداخلات وصراع محتدم ..لعلنا نفيق من الغفلة .. و تفتح العين المغمضة لاعماق القضايا و خفايا المشكلة.. كي نبقى شامخي الرؤوس بعزة وكرامة وأنفة كما كان رسول الله وأمة محمد في مواجهة قوى البغي والجبروت وجلاوزة الظلم واللا إنسانية .
إنه عبدالملك الحوثي .. الشاب الصعدي البسيط .. ابن الفلاح اليمني المكافح .. المواطن المرتبط بأرضه ووطنه .. الغيور على أهله وشعبه .. المتحمس لخدمة الناس والتضحية من أجل المجتمع .. يبادر ولا ينتظر .. يقدم ولا يتأخر .. ينتصر ولا ينكسر .. سلاحه الإنسانية والأخلاق المحمدية قبل السيف والرصاص .. صنع ملامح أسطورية في ساحات المعارك فلم يتكبر أو يسرف في البطش .. يعفو بعد كل حرب عن مئات وآلاف الأسرى .. يحافظ على أمن وسلامة حياة وممتلكات الأعداء مثلهم كالأصدقاء .. يمد يده صادقاً للتصالح وقدوته وعقيدته في كل مايقوم به .. مأثر المبعوث رحمة للعالمين .. ينهج سيره في المحامد ويتخذه نور درب مسيرته في الألفية الثانية .
عن الأهواء والرغبات والنزعات الضلالية والشيطانية .. المؤامرات والعظات والعبر .. الآيات والإضبارات التاريخية وتقلبات الدهر.. تحدث الرجل بلغة إنسانية خضراء .. تتوهج بريقاً سياسياً في المعاني والمدلولات .. ساعة من الوقت استرسل أثنائها مستخلصاً حقائق الأشياء بطريقته الواضحة وأسلوبه الساحر البيان ..
ليس هذا وحسب ..
فمن يريد الغوص في اغوار إنسانية السيد عبدالملك الحوثي ومعرفة الجوانب المجهولة من شخصية قائد أنصار الله والمسيرة القرآنية .. فعليه بسماع وقراءة خطابه الأخير مرة ومرتين وعشر .