اليمن في مواجهة ثالوث التهويد والصهينة والتجنيس
اليمن في مواجهة ثالوث التهويد والصهينة والتجنيس
يمني برس: مركز البحوث والمعلومات – زيد المحبشي
منذ قديم الزمان واليمن حاضرة بقوة في أجندة الأطماع اليهودية بسبب الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به، والتحكُّم في مضيق باب المندب، والذي يُعتبر بمثابة مجمع الأمن الإقليمي وهمزة الوصل بين الشرق والغرب، وتعززت أطماع اليهود بعد وعد بلفور المشؤم عام 1917، والذي منحهم وطناً بديلاً في فلسطين المحتلة بعد قرونٍ من الشتات والتيه، وكانت اليمن قبل صدور الوعد إحدى البلدان المتداولة في أوساط اليهود لإقامة دولتهم الموعودة، لهرطقات دينية تدعي وجود الهيكل السليماني فيها.
وبصدور الوعد المشؤم بدأت الوكالات الصهيونية بجمع شتات يهود العالم الى فلسطين، برعاية وحماية بريطانيا وتمويل أميركا، ومعها بدأت المشاريع الصهيونية في اليمن والبحر الأحمر وبوابته الجنوبية تتكشف تِباعاً، معززة بقائمة طويلة من مصالح رعات إسرائيل، الذين رأوا فيها الوكيل المؤتمن على مصالحهم في منطقة تعج بكل ذباب العالم.
وفي نوفمبر 1947 صدر قرار الأمم المتحدة رقم 181 الخاص بتقسيم فلسطين المحتلة بين اليهود الغاصبين وأصحاب الأرض والحق، فصوتت المملكة المتوكلية اليمنية ضد هذا القرار الجائر، والذي بموجبه أصبح الكيان اللقيط واقع يتمتع بشرعية دولية عوراء، على العرب قبوله والتعايش معه، وهذا القبول بحاجة الى تخليق أنظمة خانعة، وخاضعة، وبالفعل نجح الرهاب الأميركي في إقناع مصر السادات بالتطبيع مع الكيان اللقيط وتوقيع معاهدة سلام، تلاها الأردن، وبعد عقدين من الزمن زاد عدد المسبحين بحمد التطبيع جهاراً ليشمل الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، والبقية سراً ومخافتة، وأصبحت صفقة العار الأميركية مزاراً للهاربين من غضب شعوبهم، والتطبيع أماناً للحفاظ على كراسي العفن العربي.
وفي وسط معمعة الانبطاح والخنوع ظلت اليمن الحاضر الغائب في القاموس الصهيوني، والأكثر تأريقاً لأحلامهم الاستعمارية في منطقة تموج بالمسبحين والمستغفرين، لكن لا جدو من كل ذلك، ما دامت اليمن لازالت تغرد خارج السرب، وتعظم الكارثة مع ظهور حركة أنصار الله في البلد المنكوب بعلنة الجغرافيا والتاريخ، وتمكنها في سنوات معدودة من قطع أنفاس الطامعين في تل أبيب وواشنطن، وتلقين أحذيتهم الإقليمية دروساً ستظل قبساً يستضيئ به الباحثين عن الحرية والكرامة والعزة والسيادة والريادة والاستقلال والتحرر من التبعية والاستكبار لعقود، إن لم يكن لقرون قادمة، بعد عقود من الخضوع والخنوع.
لكن مشاريع الهيمنة هي الأخرى ما زالت تعمل بلا كلل ولا ملل في بذل محاولات جر اليمن الى مستنقع التطبيع، ولا فرق بين ترامب وبايدن، فكلاهما يسير في نفس النسق، وإن اختلفت أدوات التنفيذ، فالهدف واحد، صفقة القرن لا رجعة عنها، ومشاريع التطبيع لا رجعة عنها، وحماية الكيان الصهيوني من المقدسات الغير قابلة للمساومة، وعلى اليمن الاختيار بين التطبيع هرباً من نيران العاصفة، أو السير في طريق شهيد كربلاء المحفوف بالمخاطر، وهيهات منا الذلة.
ولأن لعنة الجغرافيا وضعت اليمن في إطار جغرافي مهم وحيوي لمصالح الولايات المتحدة، بسبب التحكم في مضيق باب المندب، لذا لا يمكن الحديث عن السياسة الأميركية في منطقة حيوية بالنسبة إليها من دون الإشارة إلى مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يستهدف تقسيم المقسّم وتجزئة المُجزَّأ على أنقاض اتفاق “سايكس – بيكو” 1917، والذي يستهدف بالنهاية إعادة هندسة المنطقة العربية بما يتناسب مع مصلحة إسرائيل، وإشراكها ضمن نظام شرق أوسطي تؤدي فيه دوراً واسعاً، وهو الهدف الجامع لصفقة القرن ومشاريع التطبيع.
في أربع قراءات متتالية سنحاول الوقوف على مدخلات ومخرجات العلاقات “اليمنية – الصهيونية”، بدءاً ببساط الريح ومروراً بمغازلات صالح المفضوحة وانتهاءا بعاصفة البغي العبرية، ومآلات المحاولات الأميركية لجر اليمن الى مستنقع التطبيع.
أحلام التهويد:
واحدة من الأهداف الكبرى للمشروع الصهيوني، التي تم وضعها في قائمة بنك الأهداف العبرية منذ بداية القرن التاسع عشر الميلاد: تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة يهودية، انطلاقاً من زعمهم بأن “بحر سوف” المذكور في سفر الخروج هو نفسه البحر الأحمر، وبالتالي فهو حق تاريخي لليهود بمقتضى النص التوراتي.
قبل احتلال فلسطين، تم طرح أسماء عدة أماكن قريبة من البحر الأحمر لتكون وطنناً لليهود منها اليمن وأثيوبيا وجنوب السودان، لكن وقع الاختيار في الأخير على فلسطين المحتلة، بالتوازي مع تكثيف التحركات الصهيونية لإيجاد موطئ قدم في القرن الأفريقي وباب المندب تحديداً لأسباب تتعلق بالحفاظ على الوجود الصهيوني.
وبالفعل نجحت شركة SIA الزراعية الصهيونية عام 1920 في افتتاح مشاريع استثمارية في غرب أرتيريا، وقد سبق لنا الحديث عن هذا في سلسلة قراءات نشرها مركز البحوث والمعلومات قبل أشهر، وبعد ترسيخ وجودها في فلسطين المحتلة، تنامى وجود الكيان الصهيوني في المناطق المحيطة بباب المندب، وتوثّقت علاقاته بأثيوبيا، ونجح في استئجار عدة موانئ في القرن الأفريقي، وإقامة قواعد عسكرية، ومراكز رقابة استخبارية.
التمدد الصهيوني في القرن الأفريقي يأتي انطلاقا من الاستراتيجية الاسرائيلية تجاه تلك المنطقة، والتي عبر عنها الدبلوماسي العبري الشهير “والتر إيتان” في خمسينيات القرن الماضي: “إن أمن إسرائيل من أمن وحرية بوابتها على البحر الأحمر”، متعهداً بالدفاع عن هذه البوابة مهما كلف الثمن، لهذا كان الكيان الصهيوني في مقدمة المباركين والداعمين لعاصفة الإثم السعودية الإماراتية منذ يومها الأول، وتوظيفها لخدمة مشروع تهويد البحر الأحمر، وتأمين بوابة الدموع في باب المندب.
فخ الصهينة:
الوجود اليهودي في اليمن ليس وليد اللحظة، كانت اليهودية من الديانات الرئيسية التي انتشرت وسادة في اليمن قبل الإسلام، وحافظ من تبقَّ منهم بعد الإسلام على وجودهم، وأصبحوا جزءاً من هوى وهوية اليمن، وحصلوا على كامل حقوقهم في عهد أئمة الزيدية، بما في ذلك الحماية والرعاية من قبل الدول الزيدية المتعاقبة، وحرية ممارسة الشعائر الدينية.
ومع بداية ظهور الوكالة الصهيونية، تم استمالت العديد من يهود اليمن، وترغيبهم بالهجرة الى فلسطين المحتلة، مقابل منحهم وعوداً بمزايا، سرعان ما تبخرت مع بداية وصولهم الى فلسطين المحتلة.
ونشطت العديد من المنظّمات اليهوديّة الأوربيّة، في اليمن، منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، تحت مبرر تحسين وضع يهود اليمن، وشهد العام 1911 أول نشاط صهيوني في اليمن، تمثل في زيارة “شموئيل يفنئالي” مبعوث “منظّمة العامل الصغير” الصهيونيّة، وسكرتير “منظّمة الاستيلاء على الأراضي”، منتحلاً صفة “حاخام” فلسطيني، ونجح بالفعل في اقناع عدة أسر من يهود اليمن بالهجرة إلى فلسطين المحتلة.
بدأت هجرة يهود اليمن الى فلسطين المحتلة بعد صدور وعد بلفور عام 1917، والذي بموجبه منحت بريطانيا فلسطين لليهود كي يقيموا عليها دولتهم، وكانت هجرة يهود اليمن عادة ما تتم بصورة سرية، وفردية، ومتقطعة، وغير منتظمة، وبعضهم جاء الى فلسطين قبل ذلك.
في العام 1923 تنبه الإمام يحيى حميد الدين لنشاط الوكالات اليهودية، فأصدر رحمة الله عليه قانوناً يمنع اليهود من السفر إلى فلسطين، ومع ذلك استمرت الهجرة بشكل سري ومتقطع، وكان يهود اليمن الجماعة اليهودية العربية الوحيدة التي تواجدت بأعداد كبيرة في فلسطين المحتلة قبل عام 1948، وهاجر جزء كبير منهم أيضاً الى بريطانيا.
ومثلت مستعمرة عدن قاعدة لتنسيق نشاط المنظمات الصهيونية، وتحدثت المصادر التاريخية عن أخذ المنظمات الصهيونية عدداً من شباب يهود عدن لتدريبهم في المعسكرات الصهيونيّة في فلسطين المحتلة، واعادتهم الى عدن بعدها، والهدف من هكذا خطوة محاولة صهينة يهود اليمن، وتوظيفهم لصالح الاستعمار البريطاني الأب الشرعي للكيان الصهيوني.
وفي العام 1947 وقعت مجزرة ليهود عدن، فاستغلت الوكالة الصهيونية تلك المجزرة، ونجحت في تهجير نحو 50 ألف يهوديّ يمنيّ الى فلسطين المحتلة بما أُسمي حينها بعملية “بساط الريح” أو ما يعرف عبرياً بعملية “ميكتزي تايمان” وتعني بالعربية عملية “أقاصي اليمن”، وهي أول عمل أمني إسرائيلي في اليمن، بدأ التحضير لها في العام 1944، بالتنسيق مع الاحتلال البريطاني في عدن.
واستمرت بعدها الوكالة بنقل من تبقى من يهود اليمن بالتنسيق بين المؤسسات الأميركية والصهيونية داخل فلسطين المحتلة، وتكفلت الحكومة الأميركية بتغطية نفقات إعادة توطينهم داخل فلسطين المحتلة، ونفقات عمليات نقلهم من اليمن، وكانت تتم عادة بطرق سرية، وبصورة متقطعة، وغير منتظمة، باستثناء عملية بساط الريح.
وكان عدد اليهود في العام 1948 نحو 55000 نسمة يعيشون في شمال اليمن، و8000 في آخر مستعمرة بريطانية من عدن.
وفي عهد نظام “علي عبدالله صالح”، يذكر المؤرخ اليمني “مطهر الإرياني”، أن وفداً إسرائيلياً – من منظمة “ساتمار هاسيديم” الصهيونية – زار صنعاء ومُدناً يمنية – في ثمانينيات القرن العشرين – وقُوبل باستياء شعبي كبير، بلغ حد تلفظ الأهالي عليه بألفاظ قاسية، ووصل الحال ببعض السكان في قاع العلفي – بصنعاء – الذي كان يعرف بقاع اليهود قديماً الى طردهم من الحي، بعد أن سألوا عن بعض الاسماء التي كانت تسكن هناك، وأرادوا التعرف الى منازلهم”.
وفي 21 مارس 2016، تمكن الكيان الصهيوني من نقل 19 يهودياً من اليمن، وهي أخر دفعة هجرّتها إسرائيل من يهود اليمن سراً، وأحدثت جدلاً عارماً حول وجود علاقات لتل أبيب مع أطراف نافذة داخل اليمن موالية لتحالف العاصفة.
ورغم سيل المغريات التي قدمتها الوكالة اليهودية ليهود اليمن، كان الوضع في فلسطين المحتلة مغايراً تماماً، وكان حال اليهود اليمنيين المهاجرين أكثر بؤساً وشقاءاً، ولحقهم الكثير من الظلم، ناهيك عن قيام الأجهزة الصهيونية بخطف أكثر من 5000 من أطفالهم، وبيعهم للعائلات الإشكنازية والأميركية – وبلغت قيمة الطفل من يهود اليمن حينها 5000 دولار – ومعاملتهم أقلّ من أقرانهم اليهود الغربيين.
ونشطت في العقدين الأخيرة العديد من مراكز الأبحاث الصهيونية، منها مركز “قافي”، ومركز “دايان”، في توثيق ممتلكات ورصد أماكن سكن اليهود في الدول العربية وخصوصاً في جزيرة العرب واليمن، وجمع البيانات والخرائط التاريخية، وإرسال مختصين، بغرض استعادة أملاكهم.
ومما يحسب للإمام يحيى رحمة الله عليه إلزام اليهود ببيع ممتلكاتهم قبل مغادرة اليمن، ما يجعل مخطط استعادة أملاكهم في المحافظات الشمالية والغربية ساقط قانونياً.
لغم التجنيس:
كشف المتحدّث باسم القوات المسلحة اليمنية “يحيى سريع” في مؤتمر صحفي بتاريخ 5 أكتوبر 2020، عن وثيقة سرّية أصدرتها السفارة الإماراتية بصنعاء في 3 مارس 2004، تتضمن مخطط صهيوني لإعادة توطين وتجنيس عشرات الآلاف من الإسرائيليين في اليمن، بالجنسية اليمنية، بطلب من وفد “هيئة التراث اليهودية”.
الوثيقة حملت رقم 1/1/ 4-11، ارسلها سفير الإمارات لدى اليمن، “حمد سعيد الزعابي”، إلى وكيل وزارة الخارجية الإماراتية، تحدث فيها عن زيارة وفد من هيئة التراث اليهودية الى اليمن، ولقائه بالعديد من المسؤولين اليمنيين، بِمَن فيهم “علي عبد الله صالح”.
وضم الوفد: “يحيى مرجى” يحمل الجنسية الصهيونية، و”إبراهيم يحيى يعقوب” يحمل الجنسية الأميركية، و”سليمان جرافى”، وأتت زيارته في إطار الجهود الصهيونية للتطبيع مع اليمن.
ومن أهم وأخطر المطالب التي قدمها الوفد الى نظام “صالح”: إعادة توطين وتجنيس 45 ألف يهودي من الكيان الصهيوني، و15 ألف يهودي أميركي بالجنسية اليمنية، بما لذلك من مفاعيل كارثية على الأمن القومي اليمني.
والتقى الوفد بـ”صالح”، ونائب وزير داخليته “مطهر المصري”، وقائد المنطقة الشمالية – الغربية ورئيس مصلحة الجوازات، “علي محسن الأحمر”.
وأكدت الوثيقة زيارة “مطهر المصري” للكيان الصهيوني، بترتيب مع هيئة التراث اليهودية.
مخطط التجنيس يأتي في سياق الجهود الأميركية المبذولة لجر اليمن الى مستنقع التطبيع، وتمكين الكيان الصهيوني منه، وتفخيخ السلم والأمن المجتمعي اليمني، وهو من المشاريع القذرة التي تكفلَّت الإمارات بلعب الوسيط في ترويجها وتمويلها خدمة لأسيادها في تل أبيب وواشنطن.
وعن سبب اهتمام السفير الإماراتي بهذا الحدث، ترى الكاتبة اللبنانية “بيروت حمود”، أن الهدف من ذلك إطلاع وكيل وزارة الخارجية الإماراتية على الدور الذي يُراد لصنعاء أن تلعبه في إطار ما سمّاه “التطبيع اليهودي اليمني”، والذي يندرج ضمن “مخطّط أكبر ترسمه الولايات المتحدة للمنطقة”.
وتحدث تقرير صادر عن أحد مكاتب الخارجيّة الأميركيّة بتاريخ 30 مايو 1998، عن إعادة تفعيل المعابد اليهوديّة والمسيحيّة، والدور الذي تلعبه القوات الأميركيّة في عدن لحماية أفراد الجالية اليهوديّة في صعدة وصنعاء، وإنشاء قاعدة بحريّة أميركيّة لقوات المارينز في منطقة البريقة بمحافظة عدن.
الصورة بمفرداتها تؤكد صحة المؤكد في تواطئ نظام “صالح” مع الأميركيين، واستعداده منذ وقت مبكر لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، إلا أن تدحرج الأحداث، وانفراط العقد على “صالح”، حال دون ذلك.
المراجع:
1 – الموسوعة الحرة “ويكيبيديا”، العلاقات اليمنية الإسرائيلية.
2 – أيمن نبيل، مائة عام من السياسات الإسرائيليّة في اليمن، موقع متراس، 2 مايو 2018
3 – بيروت حمود، وثائق مِن زمن علي عبد الله صالح: هكذا حاولت الإمارات جرّ اليمن إلى التطبيع، الأخبار اللبنانية، 7 أكتوبر 2020
4 – حسن عبده حسن، منافسة أميركية – إسرائيلية لاجتـذاب يهود اليمن، الإمارات اليوم، 15 يونيو 2009
5 – زيد المحبشي، اليمن وأرتيريا .. علاقات ملغومة، مركز البحوث والمعلومات، 24 يونيو 2020
6 – علي حمية، التغلغل الإسرائيلي في اليمن، موقع راصد اليمن، نقلا عن الأخبار اللبنانية.
7 – محمـد علوش، العلاقات اليمنية – الإسرائيلية كشف المستور في الزمن المحذور، وكالة قدس نت للأنباء، 12 أكتوبر 2020.