لا سيناريوات جيّدة لإسرائيل.. استمرار الحرب في اليمن أهون «الشرور»
لا سيناريوات جيّدة لإسرائيل.. استمرار الحرب في اليمن أهون «الشرور»
يمني برس:
واضحٌ أن إسرائيل ليست طرفاً مُباشراً في الحرب الأميركية – السعودية على اليمن؛ فحضور الأصيل الأميركي يُغني عن حضور الوكيل، وإن كانت سياقات الحرب ونتائجها تؤثّر، في عدّة مستويات ومسارات، على الأمن الإسرائيلي، وفقاً لموازين القوى التي ستتثبّت في أعقابها. الواضح كذلك، وقبل أن تنتهي هذه الحرب، أن نتيجتها سيّئة لإسرائيل، لأن التهديد الكامن فيها أعلى بكثير من فرصها – إن وُجدت -، بخلاف ما كانت تُقدِّره تل أبيب قبل ستّ سنوات. فخسارة السعودية، ومن ورائها الولايات المتحدة الأميركية، تُعدُّ خسارةً إسرائيلية سيّالة جدّاً، ومن شأنها التأثير سلباً على الأمن الإسرائيلي، ليس في ساحة اليمن وما فيها من إمكانات قادرة على تهديد إسرائيل فحسب، بل انسحاباً على مجمل ساحات التهديد الإقليمية في وجه العدوّ، بما يُثقل على قدرة المواجهة لديه.
نظرة تل أبيب الابتدائية إلى الحرب على اليمن كانت متفائلة جداً، لتقديرها أن هزيمة «أنصار الله» – وهي من مركّبات المحور المقاوم في المنطقة – سهلة جداً وإمكاناتها مرتفعة، الأمر الذي سيؤدّي إلى التأثير سلباً على باقي المركّبات والساحات في المنطقة. لم تكن النظرة الإسرائيلية إلى التهديد الكامن في اليمن مقدَّرة جيّداً. وهي تُعبِّر عن فشل استخباري تقديري، لكونها استمدّت مقدّمات هذا التقدير من سلّة المعطيات نفسها التي قدَّرها الأميركيون يومَ أوعزوا ببدء العدوان، وسارعت إليه السعودية: لا قدرة لليمنيين على الصمود، وسقوطهم مسألة وقت، لا أكثر.
ستُّ سنوات مرَّت على الحرب التي كان يُقدّر لها أن تستمرّ أشهراً على أبعد تقدير، انقلبت في خلالها، وفي سياقها، الموازين، وبدلاً من إضعاف اليمنيين وإلحاقهم بالركب الأميركي، باتوا أكثر قوّة ومِنعةً وحضوراً، ورقماً صعباً على مستوى الإقليم، بتداعيات وتبعات دولية. في الوقت نفسه، وبدلاً من إبعاد اليمن عن المحور المقاوم، أدّى العدوان إلى التصاقه أكثر بمركّبات هذا المحور – بدءاً من إيران وصولاً إلى فلسطين وما بينهما -، حتى بات جزءاً لا يتجزّأ منه، في حين فَقَدَ المُعتَدي أدوات تأثيره ورافعات الضغط التي كان يمنِّي النفس بها، وفي المقدّمة الرافعة العسكرية، على رغم الدعم العسكري والاستخباري المباشرَين من قِبَل الأميركيين والغرب، وإسرائيل نفسها.
ومع تتالي الإشارات إلى إمكان انتهاء الحرب قريباً، تنشط الدوائر الاستخبارية الإسرائيلية ورديفتها في المراكز البحثية المختصّة في تل أبيب، في دراسة مآلات اليوم الذي يلي وقف العدوان من دون هزيمة «أنصار الله». وفي هذا الإطار، يمكن إيراد الآتي:
– من ناحية إسرائيل، لا نتيجة يمكن أن تتلاءم مع مصلحتها الأمنية، وتبعاً لها السياسية، من دون هزيمة اليمن وخروج الحليف السعودي منتصراً من الحرب، ليس بالنقاط فقط، بل انتصاراً ساحقاً لا يُبقي للطرف الآخر أيّ وجود وأيّ قدرات، بما يشمل أيضاً احتمال قيامة قدراته لاحقاً. هذه هي النتيجة الملائمة لإسرائيل، وكلّ ما عداها يراوح بين السيّئ والأسوأ، حيث لا وجود عملياً، تقريباً، لأنصاف حلول. من هنا، كان أمل تل أبيب أن تستمرّ الحرب ما دام الانتصار السعودي – الأميركي متعذِّراً، وبما يكفل استمرار إشغال حركة «أنصار الله» وداعميها الإقليميين بالموقف الدفاعي، بعيداً عن المبادرات الهجومية التي لا تتّصل بذاتها بالموقف الدفاعي نفسه، ما يتيح لإسرائيل أن تكون بمأمن نسبي عن تفعيل التهديدات ضدّها، في انتظار متغيّرات ما في المعادلات الميدانية لصالحها. لكن المفارقة تكمن في أن استمرار الحرب من دون انتصار سعودي – أميركي يتيح لـ»أنصار الله» أن تزيد وتُطوّر قدرتها العسكرية، على نحو يضاعف التهديد الماثل أمام إسرائيل، وإن كان التهديد الحالي كافياً في ذاته للإضرار بالكيان بمستويات استراتيجية، في حال تقرَّر تفعيله.
– في الموازاة، يُقلق عدم الانتصار السعودي إسرائيل في اتجاهات استراتيجية متّصلة؛ فإنهاء الحرب مع بقاء القدرات العسكرية لـ»أنصار الله» على حالها، وإمكان تعاظمها لاحقاً، يثقل على هامش المناورة الإسرائيلية إقليمياً. فدخول الساحة اليمنية إلى المعادلة في وجه إسرائيل، بالترابط مع ساحات أخرى، يتسبّب، في ما يتّصل بالفعل وردّ الفعل، بتداعيات سيّئة جداً على الكيان، وخاصّة أن الموقع الجغرافي لليمن يتيح للطرف الآخر إيذاء إسرائيل بما لا يقاس، وتحديداً في ما يتعلّق بإمداداتها الحيوية التي تسلك باب المندب والبحر الأحمر وقَبلهما المحيط الهندي الأوسع. وهو تهديد يفوق قدرة تل أبيب على تحييده.
في الوقت نفسه، أثبت الجيش اليمني و»أنصار الله» قدرتهما على الاستهداف وبدقّة عالية لمديات بعيدة جداً، بواسطة الصواريخ الذكية الموجّهة، والطائرات المسيَّرة المسلّحة، التي تُعدُّ بطبيعتها متملّصة من المنظومات الدفاعية على اختلافها. وهو تهديد، إن جرى تفعيله، من شأنه أن يقيِّد اليد الإسرائيلية عن المبادرة العسكرية الأمنية كما كانت عليه في السابق، في ظلّ حضور دائم للتهديد اليمني على طاولة القرار في تل أبيب، قبل أيّ مبادرة عدائيّة وخلالها، وكذلك اليوم الذي يليها، ربطاً بالردّ المقدَّر على الاعتداء نفسه، الذي لن يتعذّر تغييب المعطى اليمني عنه.
نظرة تل أبيب الابتدائية إلى الحرب على اليمن كانت متفائلة جداً، لتقديرها أن هزيمة «أنصار الله» سهلة جداً
– من شأن فشل السعودية والولايات المتحدة في تحييد تهديدات «أنصار الله» والجيش اليمني، وما يتسبّب فيه من تعاظمٍ لقدرتهما في المقابل، أن يُخسِّر إسرائيل موارد وقدرات عسكرية واستخبارية على مستويات مرتفعة جداً، إضافة إلى استهلاك جزء من الانشغال الكلّي للمؤسّستَين العسكرية والأمنية في متابعة التهديد اليمني والاستعداد المادي لمواجهته في اتجاهَين: جاهزية إيجابية للتحرُّك المادي في سياق المواجهة، وكذلك الاستعداد السلبي/ الإيجابي لتحييد أيّ عمليات يمنية تستهدف إسرائيل عبر التأمين الدفاعي للجبهة الداخلية ومنظومات الاعتراض الصاروخي على اختلافها، سواء كانت العمليات المحتمل انطلاقها من اليمن ابتدائية أم ردّاً على اعتداءات، وهي كما تقدِّر تل أبيب لا تتعلّق حصراً بالساحة اليمنية، بل باتت مرتبطة بساحات أخرى في الإقليم.
– في جانب متصل بتداعيات إنهاء الحرب في ظلّ الفشل في «اجتثاث» حركة «أنصار الله» وتهديداتها، وإن مع تسوية ما تكون متغيّرة في ذاتها ما دامت الإمكانات اليمنية على حالها، من شأنه إشغال السعودية والأصدقاء الخليجيين الجُدد لإسرائيل، وإسرائيل نفسها، بموقف دفاعي دائم ناتج عن «سوط يمني» مصلت عليهم، سيتحرّك في أيّ وقت في حال تلمَّس خطراً أو استشعر تهديداً على اليمن، ومن بينه التهديد الموجَّه لإيران التي يعني إضعافها أو إيذاؤها إضعافاً وإيذاءً لليمن نفسه. وهذه واحدة من أهمّ وأسوأ نتائج الحرب، من ناحية تل أبيب.
على كلّ ذلك، وغيره، يمكن تقدير موقف إسرائيل من الحرب على اليمن: إن تَعذَّر الانتصار العسكري، فلتستمرّ الحرب لإشغال «أنصار الله» بعيداً عنها في انتظار المتغيّرات، وإلّا السعي إلى تسوية من شأنها تحقيق نتيجة «إيجابية» بالقدْر الممكن، بوسائل سياسية واقتصادية وتسويات تتضمّن ضمانات مادية مباشرة يتعذّر معها على اليمنيين إيذاء إسرائيل، وفي المقدّمة تحييد سلاحهم الثقيل والبعيد المدى وفكّ ارتباطهم بإيران ومركّبات المحور الذي تقوده في المنطقة. إلّا أن ما يثقل على تل أبيب، أن روافع الضغط على «أنصار الله» والجيش اليمني مفقودة، أو أن فاعليتها تقلّصت إلى الحدّ الذي لا يؤثِّر في إرادة اليمنيين، ما يُبقِي إسرائيل دائماً في مواجهة أسوأ السيناريوات.
(يحيى دبوق – الأخبار اللبنانية)