ثورة 21 أيلول عرشنا على الماء.. بحر يمني بارتفاع جبل «النبي شعيب»
ثورة 21 أيلول عرشنا على الماء.. بحر يمني بارتفاع جبل «النبي شعيب»
يمني برس:
لطالما كان البحر مكانا لمعارك مصيرية بين كثير من الأمم، صنف بعضها كمعارك غيرت تاريخ العالم، مثل معركة «سلاميس» بين اليونانيين والفرس عام 480 قبل الميلاد، والتي كادت تنهي الحضارة الغربية وهي في مهدها.
والبحار منذ الأزل أهم وسائل الحياة ولها قيمة غير محدودة اقتصادياً وعسكرياً، ومن له قوة في الماء ويسيطر على المضايق والبحار والمحيطات فيده طائلة على العالم.
ومنذ القدم تهتم جيوش العالم بسلاحها البحري الهجومي والدفاعي. وسلاح البحرية اليوم أحد أهم قطاعات الجيش الذي لدى الدول، ولكن ليس الدول العربية بالطبع، فهي دول تطل على البحار ولكن ليس لها فيها حضور يهاب، وهكذا كانت اليمن حتى بدأ العدوان عليها فبنت قدرات بحرية من الصفر، وصدت غزوا بحرياً استهدف ساحلها الغربي الاستراتيجي، وهذه القدرات في تطور كبير تعلمه دول العدوان، وهذا ما يمنعها من ارتكاب أي حماقة بحرية، حسب تأكيد خبراء عسكريين.
بِحار بدون بحرية
بالنسبة لليمن في عهود التبعية لأمريكا، فقد كان أكثر من 2200 كم من الشريط الساحلي اليمني بلا أي قيمة، ورغم هذه الإطلالة المائية الكبيرة والثرية من كل الجهات الاقتصادية والعسكرية، والخطيرة كذلك لجهة استهداف اليمن بالغزو أو القرصنة أو التهريب أو سرقة الثروات البحرية، لم يكن اليمن يوماً مؤثراً في معادلات البحر، واكتفى بقوة بسيطة تسمى خفر السواحل والدفاع الساحلي.
بالرغم من أن هذا الشريط الساحلي يقارب ساحل ألمانيا الذي يبلغ طوله حوالي 2400 كم، وكانت ألمانيا بسببه خلال الحرب العالمية الثانية قوة بحرية هائلة التهمت 5 آلاف قطعة بحرية معادية من أساطيل أوروبا والولايات المتحدة وكندا.
وبالعكس فقد كانت اليمن مجرد ضفة هينة المنال لكل الأطماع الخارجية ولم تكن نداً حتى لدول ضعيفة كإريتريا، التي احتلت جزيرة حنيش اليمنية عام 1996.
يقول الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء الركن عبدالله الجفري لـ«لا»: إن حكام اليمن السابقين وبخاصة صالح لم يتحلوا بذرة مسؤولية وطنية ولم يلموا حتى بعدد الجزر اليمنية ولم يكن لهم عبرة من كل الغزو البحري الذي حصل لليمن عبر التاريخ بسبب موقعه البحري الاستراتيجي وإطلاله على مضيق باب المندب، كالغزو الحبشي والبرتغالي والبريطاني وغيرهم.
ويقول الجفري، إن جزيرة حنيش عندما احتلت، كان ذلك بقرابة 30 مقاتلاً أريترياً فقط، وكانوا يسقطون مروحيات الجيش اليمني بصواريخ «آر بي جي»، بينما كان نظام صالح حينها يقول إن لديه 200 ألف مقاتل، مع ذلك لم تستعد اليمن الجزيرة إلا بعد تدويل القضية وعن طريق المحاكم الدولية وتدخل دول أجنبية ابتزت اليمن، كفرنسا التي ساعدت في عودة الجزيرة لليمنيين مقابل منحها عقد تنقيب عن النفط بقيمة 10 مليارات دولار لشركة «كنديان أوكسي» وقبول عقد بقيمة 600 مليون دولار فقط لصالح شركة «توتال» الفرنسية.
البحرية اليمنية حامية السفن الأمريكية
إلى ما قبل العدوان كانت القوة البحرية اليمنية عبارة عن حوالي 43 قطعة متواضعة هي زوارق قتالية ونقل ودوريات، وقد كانت تلك القوة البحرية بلا شأن يذكر وحديثة الولادة حيث لم توجد بشكل حقيقي قبل عام 2002 وارتبط إنشاؤها بسياسة التبعية الخارجية.
ولد خفر السواحل عام 2002، تحت إشراف وزارة الداخلية كجزء من قوات الشرطة، لكن مع مستشارين عسكريين وتدريب وسفن من الولايات المتحدة، وجاء ذلك بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة وهجمات القاعدة عام 2000 على المدمرة «يو إس إس كول» وعلى ناقلة النفط الفرنسية ليمبورج عام 2002 في اليمن.
وكان خفر السواحل اليمني يتلقى تدريبات من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وماليزيا واليابان. فكانت هذه القوة في الحقيقة منشأة بهدف حماية الخارج ومصالحه وليس لحماية اليمن ومصالحه من الخارج وأطماعه.
وقبل العدوان بأقل من سنتين كانت البحرية اليمنية تمتلك 22 سفينة دورية وسفينة قتالية ساحلية (وسفينة إنزال واحدة فقط)، وكان لدى خفر السواحل 12 سفينة، وبعض الزوارق، وانحصرت قدرات القوات البحرية في العمل في المياه الخضراء والبنية فقط. (كثير من الجيوش تقسم العمليات البحرية إلى: عمليات في المياه الزرقاء وتعني «المحيط المفتوح»، والمياه الخضراء وتعني «المياه الساحلية والموانئ والمرافئ»، والمياه البنية وهي «أنهار صالحة للملاحة ومصباتها وكذلك بعض السواحل الضحلة).
وكان إجمالي القوة البشرية في خفر السواحل والبحرية 2900 عنصر فقط من منتسبي الشرطة والبحرية. فكان هذا القطاع الأمني المتواضع هو كل القوة البحرية التي تعتمد عليها بحار وسواحل اليمن الواسعة، والتي كانت أولويته في الحقيقة حماية سفن الولايات المتحدة والدول الغربية، ولو بدأ العدوان بغزو بحري لسقطت الحديدة وبقية المدن الساحلية بيده دون عناء كبير.
صمود متحرك نحو النصر
منذ انطلاق العدوان قاتل اليمنيون بالسلاح الموجود والمتواضع على جبهات القتال البرية والبحرية والجوية، وسعوا لصناعة ما يفقدونه ويحتاجونه للمعركة بالرغم من أن المهمة كانت شبه صعبة حينها، وخاض اليمنيون معركة بحرية مصيرية في الساحل الغربي، صمدوا فيها صمودا متحركا نحو النصر والتفوق، وأنشأوا مجمّعات للتطوير والتصنيع والبحوث العسكرية، وتم تصنيع ألغام بحرية وزوارق وصواريخ كان لها دور كبير في إفشال محاولات غزو الحديدة عام 2018 في ما سمي حينها عملية «النسر الذهبي»، وهي إحدى أكبر المعارك التي شنها تحالف العدوان السعودي الأمريكي، وحشدت فيها الطائرات والبارجات والسفن إلى جانب قوة برية كبيرة من مرتزقة يمنيين وقوات أجنبية احتشدت جنوبي ميناء الحديدة.
وتحرك اليمنيون بالفكر الثوري والقرآني عاملين في كل المجالات، ومنها مجال الإعداد العسكري البحري، وكان توجه القيادة توجه عمل وابتكار وليس فقط في جانب التصنيع العسكري بل ابتكار في أساليب خوض المعركة، ما جعل العالم مذهولاً أمام الصمود اليمني الصاعد بقوة نحو أعالي التفوق والنصر، وقد حفز سيد الثورة في خطاباته على ضرورة العمل والتحرك والاهتمام بالابتكار والمبتكرين، بخاصة في المجال العسكري لأهميته في المواجهة مع العدو.
كتب الباحث في الشؤون العسكرية سمير الحسن في كتابة «اليمن.. وانتصر الحفاة»، أن مقاتلي الجيش واللجان الشعبية صمدوا أمام العدوان، وبرزت قدراتهم العسكرية البرية والبحرية والجوية، والصاروخية، واستطاعوا شنّ هجمات كبيرة وخوض معارك استنزاف أدّت إلى إفشال ما سمي «عاصفة الحزم».
ويقول الحسن إن الحديث عن التجربة القتالية اليمنية يتضمن الحديث عن تكتيكات أساسها قدرة المقاتل اليمني العقلية، وأساليبه في رسم التكتيكات والخطط الميدانية والعملياتية الخاصة بحرب العصابات، وحرب الاستنزاف غير التقليدية، والتي أصبغ عليها طابع الابتكار بحيث لا يتوقعها العدو، واتسمت بقدرة على التكيّف، والتأقلم في مختلف الظروف.
ويضيف: أعادت معركة الساحل الغربي في اليمن، طرح إشكالية عقم الجيوش التقليدية، وفشلها في تحقيق انتصارات سريعة، وخاطفة، كما كان مخطّطاً ومتوقعاً، بالرغم من التفوق التقني، واللوجستي، والعددي لقوات «التحالف السعودي»، كما أن ما فعله الجيش اليمني ولجانه أعاد طرح إشكالية فائدة الجيوش الكبيرة، والمتخمة بأحدث أنواع السلاح، والتقنيات، والطائرات، والبوارج، والمدافع، والصواريخ، والدبابات، أمام مجموعات صغيرة غير تقليدية، ولكنها تمتلك الإرادة وروح التضحية.
ويرى أن «أنصار الله» تفوقوا بالتنسيق، وبتشابك الأذرع، وبالمنظومة الصاروخية النارية، والنار، والحركة، والدقة، والخفة، والسرعة بما يتناسب مع حاجات العمل الميداني، فأسقطوا ركائز الحرب التقليدية لمصلحة منظومة قتالية مختلفة تصبح الأفضلية فيها لتكتيكاتهم، وعلى نحو يستطيع إجهاض وتعطيل مكامن القوة والتفوق لدى العدو.
عمليات القوات البحرية اليمنية
ومن أبرز العمليات العسكرية للقوات البحرية اليمنية والتي تم الإعلان عنها، استهداف سفينة الإنزال الإماراتية «سويفت» التي تم تدميرها في اليوم الأول من أكتوبر 2016، والاشتباك بشكل مباشر مع بقايا طاقم البارجة الإماراتية لأكثر من 3 ساعات بعد استهدافها.
كما تم تدمير كاسحة ألغام تسمى «القانصة» وفرقاطة المدينة وفرقاطة الدمام السعوديتين. وقد نفذت البحرية والدفاع الساحلي اليمني حوالي 35 عملية بحرية ناجحة ومتفوقة استهدفت سفناً وبوارج وفرقاطات وزوارق وموانئ تابعة للعدو، إذ أصبح الشريط الساحلي من باب المندب وحتى قناة السويس في متناول صواريخ اليمن البحرية.
ومن بين العمليات كذلك احتجاز 3 سفن في البحر الأحمر انتهكت المياه الإقليمية اليمنية، اثنتان منها لكوريا الجنوبية وواحدة سعودية وهي «رابغ 3».
وقد تم احتجاز السفن لأنها دخلت المياه الإقليمية لليمن «بدون إشعار مسبق».
وكانت تلك رسالة بحرية جديدة، تؤكد أن السيادة اليمنية في البحر لا يمكن تجاوزها، وهو ما سيقرأه جيداً كثيرون في الإقليم، كالعدو الصهيوني.
القادري: الزناد رهن إشارة القيادة الثورية
«نحن قادرون أن ننكل بالعدو في عمقه، سواء منشآته وقواته في البحر الأحمر أو قواته على البحر العربي، أو خليج عدن أو باب المندب، ونحن من نحمي الممر الدولي باب المندب ونحافظ على أمن التجارة العالمية وليس تحالف العدوان وليس بقدرتهم تأمينه، القدرة هذه بيدنا نحن»، هكذا يقول اللواء محمد القادري قائد لواء الدفاع الساحلي عضو لجنة إعادة الانتشار في حديثه مع «لا».
ويضيف اللواء القادري أن القوات البحرية اليمنية اليوم متمركزة على طول الساحل الغربي، وسفن العدو في مرمانا والزناد رهن إشارة القيادة الثورية والسياسية.
ويؤكد أن القيادة الثورية متمثلة بالسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي تحلت ومازالت تتحلى بالصبر في ما يخص خوض معركة على الممر المائي اليمني الذي تمر منه التجارة العالمية.
تصنيع أسلحة بحرية
تمكنت القوات البحرية اليمنية في وقت قصير وبإمكانات وخبرات يمنية خالصة من إنشاء مجمعات للتطوير والتصنيع والبحوث العسكرية في جانب الأسلحة والمعارك البحرية.
وأنتج اليمنيون أسلحة مثل الصواريخ البحرية «مندب»، ومداها أكثر من 300 متر، وعدداً من المنظومات الصاروخية البحرية المتطورة التي لم يعلن عنها والتي قامت بتصنيعها وتطويرها خبرات وكفاءات يمنية بحتة.
كما تم تصنيع زوارق حربية هجومية يتم التحكم بها آليا وتتمتع بسرعة عالية لها قدرة على المناورة كما تستطيع حمل أفراد مقاتلين.
كذلك أنتجت البحرية اليمنية أكثر من 11 نوعاً من الألغام البحرية (مرصاد، عاصف 3-4، كرار 1-2-3، أويس، النازعات، ثاقب شواظ) المتخصصة في استهداف القطع العسكرية البحرية المعادية.
وتتمتع تلك الألغام بالقوة التدميرية الكبيرة، والقدرات الدقيقة والمزدوجة حسب الحاجة، فمنها ما ينفجر فور اتصاله بجسم الهدف، والنوع الآخر مزود بتقنيات حساسة لتنفجر في عمق معين وعند تغير ضغط الماء ومجاله بسبب ما تحدثه البوارج والسفن بأوزانها المختلفة وحركة مراوحها.
البحر ليس ملكية أمريكية
«من لا يمتلك سلاح بحرية قوياً فهو لا يمتلك سيادة على مياهه الإقليمية ولا حمايه على أرضه» حسبما أكد اللواء عبدالله الجفري.
واعتبر الجفري المعركة البحرية معقدة وخطيرة جدا، لأنها غير مرئية في العادة، والاشتباك المباشر فيها محدود، فهناك قطع بحرية وأسلحة الطوربيدات والألغام والغواصات تشن هجمات مدمرة وحتى نووية بشكل متخف.
تدرك الولايات المتحدة وبقية دول التسلط أهمية البحر والقوات البحرية، لذلك فأمريكا تعطي القوة البحرية الأولوية على جميع قطاعات جيشها وتعد نفسها امبراطورية بحرية تسيطر على العالم، وقد فرضت على كثير من الدول أبرزها العربية إنهاء أي طموح لها في التواجد على البحر، وجعلت تلك الدول تكتفي بقوات تسمى قوات الدفاع الساحلي، فقد اقتنعت تلك الدول أن ملكيتها تنحصر في سواحلها فقط، أما البحر فهو ملك لأمريكا وأصدقائها.
البحرية اليمنية تستعيد عافيتها
لكن اليمنيين بدأوا يسبرون أغوار هذا العالم الكبير والمهم، ويحققون تقدماً كبيراً.
واليوم كما يقول الجفري الفرق كبير جدا، والقوات البحرية اليمنية تستعيد عافيتها ومكانتها، فقد جرى إعادة إعداد القوات البحرية اليمنية منذ بداية العدوان وتم تطوير الأسلحة البحرية الحديثة بأيادٍ يمنية، وتدريب وتجهيز الأفراد والفرق الخاصة والصاعقة والكوماندوز البحري، وهذه مخرجات الكلية البحرية سنويا، وهذه القوات مستعدة للتصدي ولضرب العدو السعودي والإماراتي والأمريكي والصهيوني في منشآته وقواته البحرية، وما حققته القوات المسلحة من انتصارات ساحقة في الجبهة البرية ستحقق مثله الجبهة البحرية، وهناك مفاجآت وأسلحة لم يعلن عنها في أي معارض، وسيتم الإعلان عنها في البحر الأحمر أو العربي أو على العدو الصهيوني أو الأمريكي في الوقت المناسب.
ونوه القادري إلى أن ممرات التجارة العالمية في البحر آمنة بإرادة اليمنيين وحمايتهم.
*غازي المفلحي – صحيفة “لا”