رمضان ونزغات شياطين الإنس
رمضان ونزغات شياطين الإنس
يمني برس- بقلم- عبدالفتاح علي البنوس
من أجل تهيئة الأجواء الإيمانية للصائمين خلال شهر رمضان المبارك ، وحرصا من الخالق جل في علاه على سد كافة الأبواب والذرائع التي قد يتذرع بها البعض لتبرير تقصيرهم في رمضان أو لوقوعهم في المحظورات التي نهاهم الله عنها ، عمل جل جلاله على تصفيد وتقييد شياطين الجن خلال هذا الشهر الفضيل ، حيث سلب منهم خاصية النزغ والإغواء وجعلهم أشبه بالمقيدين غير القادرين على الحركة أو القيام بأي فعل من الأفعال من باب إلزام الحجة يوم العرض بين يديه.
هذا التصفيد والتقييد الرباني لشياطين الجن خلال شهر رمضان المبارك ، يوفر للصائمين بالعقل والمنطق أجواء روحانية إيمانية تحلق بهم في فضاءات رحبة من السمو والرفعة وتجعلهم أكثر التزاما بأوامر الله وأكثر التزاما بنواهيه ، والأشد حرصا على استغلال هذا الشهر الفضيل للتقرب إلى الله بمختلف أنواع العبادات والطاعات والقربات ، ولم يعد هناك ما يعكر صفو الأجواء الرمضانية ، فإبليس وزبانيته من شياطين الجن في إجازة لمدة شهر ، فهم الآن كالهاتف خارج نطاق الخدمة ، والذي لن يتم تفعيل الخدمة فيه إلا بعد منتصف ليلة عيد الفطر المبارك .
ولكن الحاصل وللأسف الشديد حتى ونحن في ظل العدوان الغاشم الذي ينبغي أن توجه له كل بنادقنا وأسلحتنا وأن نظهر نحوه غلظتنا ، وشدة غضبنا ، وقوة حماسنا ، وصلابة بأسنا ، أن الكثير من الصائمين يفقدون القدرة على ضبط أعصابهم خلال نهار رمضان ، وخصوصا في الفترة الممتدة من بعد صلاة العصر إلى قبيل الإفطار ، حيث يتحولون إلى قنابل موقوتة ، تنفجر مع أقرب احتكاك بها ، وأحيانا تنفجر هكذا لمجرد أنهم استحلوا المثل أو المقولة الشعبية ( لا تكلم صائم بعد العصر ) وغالبية هؤلاء هم من الصنف الذي اعتاد على النوم حتى العصر ومن ثم يخرجون للتسوق ، و ( هات ) يا ( مقارحة ) و ( نخيط وبزيط ) على خلق الله ، أشبه بالثيران الهائجة ، تهاجم من يقف أمامها ، وإن كانت الأخيرة لا تهاجم إلا من باب ردة الفعل على استثارتها من قبل البشر .
فلا نسمع إلا عن حادثة قتل هنا ، وأخرى هناك ، على أتفه الأسباب ، حيث يتحول هؤلاء إلى شياطين يخرجون عن نطاق المسؤولية الإنسانية والدينية ، لمجرد خلاف بسيط بين الأطفال ، أو حادث تصادم طفيف ، وأحيانا على أجرة باص وما شابه ذلك من المواضيع التافهة التي لا تحتاج إلى الاختلاف حولها ، علاوة على الوصول إلى إرتكاب جريمة القتل التي تعد من الكبائر والسبع الموبقات ، ولا أعلم هنا ما هي مبررات هؤلاء في قيامهم بهذه الجرائم في شهر رمضان الذي تكفل الله فيه بتصفيد شياطين الجن لنتفرغ فيه للصوم والعبادة بعيدا عن مؤثرات ونوازغ الإغواء والإنحراف والإجرام ؟!!
الغالبية يبررون ذلك بتأثير الصوم ، وهذه مغالطة مفضوحة ، فالصوم تهذيب للنفوس وترويض لها ، لكي تتفرغ لطاعة الله والإقبال عليه بالفروض والنوافل والأعمال الصالحة التي ترفع من موازين الصائمين وتكفل لهم الحياة الأبدية في جنة عرضها السموات والأرض ، ولو أن الصيام يدفع الصائمين للقتل ، لما تبقى مسلم على وجه هذه المعمورة حتى يومنا هذا ، ولكن الحقيقة أن من يقدمون على مثل هذه الأعمال ، لم يدركوا أهمية الصيام ولم يدركوا مقاصده ولا غاياته ، علاوة على وجود خلل في علاقتهم وصلتهم بالله عز وجل ، وهو ما يدفعهم للوقوع في هذه المعاصي التي تمنحهم بطاقة عبور مباشرة إلى جهنم ، وتجعل منهم عناصر منبوذة في المجتمع ، يحاول الكثير من الناس تجنب الاحتكاك معهم أو مجاراتهم في تصرفاتهم الغوغائية خلال شهر رمضان المبارك .
بالمختصر المفيد على شياطين الإنس أن يصفدوا أنفسهم بأنفسهم ، قبل أن يجدوا أنفسهم مصفدين خلف قضبان السجون والإصلاحيات المركزية ، شهر رمضان محطة لتغيير وتهذيب وتزكية النفوس ، لا ساحة للتعدي على خلق الله واستباحة دمائهم وانتهاك أعراضهم والتعدي على ممتلكاتهم ، ومن كان يرى في مثل هذه الأعمال ( رجولة وعسارة ) عليه التوجه إلى الجبهات ليفرغ شحنات الشيطان الإجرامية في وجوه أعداء الله والوطن والشعب ، ولا تأخذه بهم رأفة ولا شفقة ولا رحمة ، وسيحوز على الأجر الكبير من الله ، دون الحاجة للتفرعن واستعراض العضلات على الناس في الشوارع والأسواق والطرقات والحارات ، فلا ( رجولة ) ولا ( عسارة ) في هكذا أعمال وسلوكيات حيوانية شيطانية .
صوما مقبولا ، وذنبا مغفورا ، وعملا متقبلا ، وإفطارا شهيا ، وعاشق النبي يصلي عليه وآله .