عملية جيزان الأخيرة قوضت فتوة إبن سلمان
عملية جيزان الأخيرة قوضت فتوة إبن سلمان
يمني برس:
ماذا بعد عملية جيزان الجريئة قبل أسبوعين، التي تمكنت خلالها مجموعة مقاتلة من الجيش واللجان الشعبية، المسلحة بأسلحة بدائية وتقليدية، من إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، ليس فحسب عبر نجاحها الخاطف بالسيطرة على منطقة جغرافية مهمة تمتد على مساحة 150 كيلومتراً مربعاً، وعلى ما يقرب من أربعين موقعا عسكريا، وإنما أيضاً في البرهنة بوضوح على حقيقة الصفة والطبيعة والهوية الحقيقية للسعوديين والنظام السعودي ككل، بوصفة نظاماً جامعاً أو مكوناً إن جاز التعبير وبشكل أساسي من مجموعة من المتخمين والمهرجين ومثليي الجنس، وليسوا قوة إقليمية مهيمنة وقادرة على إعادة تشكيل مصائر وتوجهات شعوب المنطقة والتحكم بها بالصورة التي جهدوا وضحوا بالغالي والنفيس لتعميمها خلال الأعوام الماضية، بل والتعامل معها كحقيقة وكأمر واقع.
العملية التي أقسم فتى الرياض محمد بن سلمان ووسائل إعلامه وتلك الموالية له أيضاً، بأغلظ الأيمان أنها لم تحدث قط، رغم تنوع وتعدد المشاهد الحية والنوعية التي وزعها الإعلام الحربي لـ”الحوثيين” والتي تداولتها مختلف وسائل الإعلام العربية والعالمية لمجريات تلك العملية بما تضمنته من مشاهد مخزية ومذلة لاندحار الجيش السعودي ومرتزقته الذين سارعوا بالفرار تاركين معداتهم وآلياتهم الحربية، بالإضافة إلى جثث قتلاهم المتناثرة في الشعاب والأدوية المقفرة التي خلفوها وراءهم… إلخ، كانت كافية (أي عملية جيزان) من وجهة نظري لمنح السعوديين وحلفائهم وعملائهم في الداخل والخارج صورة موضوعية دقيقة عن مدى القوة والصلابة والجبروت التي يمكن للشعوب والمجتمعات المضطهدة اكتسابها من بين ركام الظلم والاستبداد.
الأمر الذي حدا بديكتاتور الرياض محمد بن سلمان إلى المسارعة للاستنجاد بوزير دفاع إمبراطورية اليانكي الذي طمأنه من جهته بالتزام أمريكا الثابت بالدفاع عن حليفته التقليدية في المنطقة (الرياض)، وهو الالتزام الذي لم يعد مجديا من وجهة نظري أو كافيا على الأقل لطمأنة ابن سلمان حيال مستقبل نظامه السياسي، ليس فقط لعدم إجادة الرئيس الأمريكي بايدن أداء رقصة السيف السعودية بالطريقة التي أداها سلفه دونالد ترمب حينما شارك الملك سلمان ونجله محمد لعبة الرقص بالسيف في قصر المربع بالرياض عند زيارته الأولى لكل من السعودية وأوروبا عقب انتخابه العام 2016، وإنما بالنظر أيضاً إلى حجم المشاكل المستعصية والآخذة في التصاعد والتي باتت تهدد استقرار نظامه الملكي الهش على مستوى الداخل والخارج على السواء.
وخلافا لانطلاقته الأولى -قبل ما ينيف على الست سنوات- التي اتسمت بالفتوة وبالشعور الجارف بالعظمة التي أراد من خلالها محمد بن سلمان إظهار مملكته بمظهر القوة الإقليمية المهمة والمهيمنة، فإن ابن سلمان بات الآن أشبه ببطة عرجاء وكسيحة تسير دون هدى، فالحرب التي بدأها في مارس 2015 ضد شعبنا وبلادنا أصبح الآن عاجزا بدرجة مؤكدة عن كبح جماحها أو التحكم بمجرياتها. كما أن الأهداف التي على أساسها قام بمعية أسياده وحلفائه الكثر بشن عدوانه ضد بلادنا، المتمثلة في شقها الأساس بالقضاء على حركة أنصار الله ومحوهم من الخارطة، باتت الآن أكثر تواضعا، إذ لم تعد تتعدى في الواقع حدود المطالب السعودية الموجهة للحوثيين بوقف أعمالهم العسكرية وضمانهم لأمن الحدود الجنوبية لمملكة الرذيلة لا أكثر.
وإذا ما أضيف إلى هذه الورطة السعودية في اليمن حجم المشاكل الداخلية المتولدة في وجه نظامه بفعل استفحال سلوكه الديكتاتوري، بالإضافة إلى إخفاقه المريع في إنجاح أي من مغامراته الإخضاعية الأخرى على الصعيد الإقليمي في سورية ولبنان والعراق وليبيا… إلخ، فإن الصورة تصبح أكثر وضوحا حول مدى هشاشة هذا النظام وعقمه واتكاليته المطلقة على أسياده الخارجيين في تأمين بقائه واستمراريته.
خلاصة القول أن عملية جيزان الأخيرة جعلتني أتساءل بحيرة: علام يعتمد أو سيعتمد هذا النظام الملكي الهش في حماية بقائه، وخصوصا في ظل المتغيرات الدولية المتسارعة على غير ما تشتهي سفن الرياض؟!
ماذا لو تعرض مثلا لهزة حقيقية، دعنا لا نقول هنا مواجهة منفردة مع “الحوثيين”، أي دون الاستعانة ببقية أطراف التحالف أو بالمرتزقة في الداخل، لأن جميعنا يدرك أنه لو حدث مثل هذا الأمر فلن يطول بنا الوقت لرؤية شعارات الصرخة معلقة على جدران أسوار ومباني الرياض الحكومية؟!
ماذا لو نشبت على سبيل المثال ثورة أو تمرد اجتماعي داخل المملكة يتعدى بقليل من حيث عنفه وتأثيره حدود حادثة “احتلال مكة” التي وقعت في العام 1979 ونفذتها مجموعة متطرفة من البدو بقيادة ابن جهيمان العتيبي والذين لم يكن عددهم يتعدى حوالي مائة مقاتل تمكنوا خلال ما يقرب من شهر وبأسلحتهم اليدوية الرشاشة من تركيع النظام الملكي الذي تكبد آلاف القتلى رغم استخدامه المفرط آنذاك لمختلف قطاعات أسلحته الحربية من المدفعية إلى الطيران والحرس الملكي وقوات المظلات، قبل أن يضطر في نهاية المطاف إلى الاستعانة بأسياده الفرنسيين الذين أرسلوا قوات النخبة لديهم لإخماد تمرد بن جهيمان وجنده وإنقاذ النظام الذي يحاول ابن سلمان اليوم عبثا وضعه في مصاف القوى الإقليمية المهمة والمهيمنة.
*محمد القيرعي : الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن ـ رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.