المنبر الاعلامي الحر

عطوان: هل كسب رئيس تونس الجولة الأولى والأهم في صراعه مع خصمه الأكبر الغنوشي؟ وما هي الأسباب الثلاثة التي رجحت فوزه مبكراً؟ وهل سينجح في إعادة البلاد للنظام الرئاسي؟

عطوان: هل كسب رئيس تونس الجولة الأولى والأهم في صراعه مع خصمه الأكبر الغنوشي؟ وما هي الأسباب الثلاثة التي رجحت فوزه مبكراً؟ وهل سينجح في إعادة البلاد للنظام الرئاسي؟

يمني برس:

 

بعد احتقان سياسي على الصعد كافة أدى إلى إحداث حالة من الشلل في معظم، إن لم يكن جميع مؤسسات الدولة التونسية، قرر الرئيس التونسي قيس سعيد أخذ زمام المبادرة، وتفعيل المادة 80 من الدستور التي تعطيه الصلاحية لحل الحكومة، وتجميد أعمال البرلمان، وسحب الحصانة من نوابه، وتولي السلطة التنفيذية في البلاد.

 

هذه الخطوة المفاجئة، جاءت صادمة لخصومه السياسيين، خاصة في حركة النهضة، وحزب قلب تونس، أكبر حزبين في مجلس النواب (البرلمان) للذين اعتبروها خطوة غير شرعية، تكرس حكم الرجل الواحد، لكن المراقبين لتطورات الأحداث في تونس تحدثوا عن حالة من الارتياح الشعبي، انعكست في مظاهرات تأييد للرئيس “المستقل” الذي لا ينتمي إلى أي حزب سياسي.

 

حالة الاحتقان والشلل التي سادت تونس طوال الأشهر الستة الماضية، وما تخللها من “مناكفات” سياسية، وإعلامية، وتمرد من قبل رئيس الحكومة هشام المشيشي على قصر قرطاج، هذه الحالة ما كان لها أن تستمر، خاصة أن كيل الشعب التونسي قد طفح بعد انتشار وباء الكورونا وتفاقم الأزمة الاقتصادية، والانفجار كان مسألة وقت أولا، ومن يطلق الرصاصة التفجيرية الأولى ثانيا، الرئيس سعيد أم خصمه الشيخ راشد الغنوشي رئيس مجلس النواب وزعيم حزب النهضة الإسلامي.

 

هناك قناعة مترسخة داخل الأغلبية في أوساط النخبة السياسية التونسية بأن نظام الحكم البرلماني التونسي واجه الكثير من العثرات منذ تطبيقه رسميا قبل عدة سنوات، وتعالت الأصوات التي تؤيد تغييره بنظام رئاسي، وكان الرئيس قيس سعيد صاحب الصوت الأعلى في هذا الميدان، وربما تتكلل حركته هذه باستفتاء شعبي يكرس هذا التغيير الدستوري، وبما يؤدي إلى تجنب أزمات حكم مماثلة في المستقبل.

 

الرئيس سعيد، اختلف معه البعض أو اتفق، أدار أزمة الاحتقان السياسي بذكاء، عندما لعب دور الرئيس المظلوم، كاظم الغيظ أمام الرأي العام التونسي، وانتظر نضوج حالة الغضب والاستياء الشعبي ووصولها إلى ذروتها، وساير خصومه في اعتقادهم بأنه رجل ضعيف، لا يستند إلى حزب سياسي قوي مثلهم، أو قاعدة حزبية قوية، ولا يستطيع بالتالي أن يقدم على خطوات حاسمة مثل تلك التي اتخذها ليلة أمس، تقلب الطاولة على الجميع، خاصة إبعاد رئيس الحكومة “المناكف” وأساس الأزمة في نظر الكثيرين، وتجميد أعمال البرلمان وليس حله.

 

ثلاثة مواقف عززت “انقلاب” الرئيس سعيد السلمي وساهمت في نجاح حراكه “الدستوري”، والخطوات السياسية التنفيذية التي أقدم عليها، حتى الآن على الأقل:

 

• الأولى: دعم المؤسستين الأمنية والعسكرية له، وهو الدعم الذي جاء بعد لقائه مع قياداتها، والتنسيق المسبق والاتفاق على تحديد نقطة الصفر للتحرك المحسوب بعناية فائقة.

 

• الثانية: وقوف الاتحاد التونسي للشغل أحد أهم الأذرع السياسية نفوذا واستقلالية وفاعلية في البلاد على “الحياد الإيجابي”، وعدم اتخاذه موقفا مؤيدا أو معارضا في البداية لخطوة الرئيس سعيد “الهجومية”، وعقد مكتبه التنفيذي (القيادي) اجتماعا “مفتوحا” حتى كتابة هذه السطور، وأعطى أمينها العام المساعد مؤشرا مبطنا على تأييد الرئيس عندما قال إنه لا يعتقد أن خطواته تعارض الدستور، واتخذ الحزب الدستوري الحر المتصدر لاستطلاعات الرأي موقفا مماثلا أيضا.

 

• الثالثة: عدم نزول عشرات الآلاف إلى الشوارع دعما لائتلاف حزب النهضة مثلما كان متوقعا، ولوحظ قلة عدد النواب الذين انضموا إلى رئيسه المعتصم أمام المجلس بعد إغلاقه من قبل قوات الأمن.

 

ربما ما زال من المبكر التكهن بالصورة التي يمكن أن تكون عليها أوضاع البلاد في الفترة المقبلة، فاحتمالات الصدام بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه ما زالت غير مستبعدة إلا إذا احتكم الجميع للحكمة والتعقل وهذا وارد، ولا توجد أي مؤشرات ترجح احتمال استيلاء الجيش على السلطة كمرحلة انتقالية مثلما تحدثت بعض الأوساط الصحافية، ودعمه، أي الجيش، للرئيس سعيد كان واضحا في الـ 24 ساعة الأولى للحراك الرئاسي.

 

أوراق قوة الرئيس سعيد تكمن في استقلاليته، ونظافة يده، وفوزه بنسبة 73 بالمئة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ودون أن ينتمي أو يتزعم أي حزب سياسي، وكان معظم مؤيديه من الشبان، علاوة على رفضه القاطع للتطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي.

 

لا نعرف ما تخبئه الأيام المقبلة لتونس، ولكن ما نعرفه أن الشعب التونسي ضاق ذرعا بمجلس نواب تحول إلى ساحة ملاكمة، وميدان للمهاترات، وحكومة تقود البلاد إلى الإفلاس، ونظام صحي منهار، وفيروس كورونا يفتك بالجميع، ونخبة سياسية غارقة في الخلافات.

 

الدولة المدنية التونسية التي جاءت ثمرة ثورة شعبية مشرفة ستنتصر في نهاية المطاف، ولا نستبعد تطويقا سريعا للأزمة، وتشكيل حكومة توافق جديدة تطوي صفحة حكومة الخلافات السابقة، تقود البلاد إلى الطريق الصحيح، وتضع مصلحة المواطن التونسي فوق كل اعتبار.

 

الأمر المؤكد أن تونس دخلت مرحلة جديدة مختلفة ستقوم أسسها على أنقاض المرحلة السابقة المؤلمة، ولن تعود إلى الوراء مطلقا، لأن البديل هو الفوضى والدولة الفاشلة.

 

*عبد الباري عطوان – رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com