النصر المبين 2.. من التهور الأمريكي إلى الهزيمة العسكرية
النصر المبين 2.. من التهور الأمريكي إلى الهزيمة العسكرية
يمني برس:
تتساقط الأوراق الأمريكية في اليمن، يوماً تلو آخر، بمعارك عسكرية وسياسية أعادت البلد الأكبر قوة في العالم إلى طالب بليد في مدرسة الدفاع عن الأرض والحرية والكرامة.
سنوات الصمود اليمني كانت أكبر من أن تستوعبها الإدارة الأمريكية المتهورة رغم معايشتها من قبل ثلاثة رؤساء، فظلت الأخيرة تعيش في وهم عنترياتها؛ بغية حدوث معجزة تحفظ لها ماء وجهها المهدور في اليمن.
النبرة الأمريكية في الحديث عن اليمن اليوم ليست تلك التي كانت عليها قبل سبع سنوات، فمن عملية عسكرية للقوات المسلحة اليمنية إلى أخرى تتغير المعادلة العسكرية وموازين القوى ومعها تتغير اللهجة الأمريكية مع الاحتفاظ بشيء من الغرور.
وبلغة مستفزة تعاود الخارجية الأمريكية بين حين وآخر نشر تغريدات على حسابها الرسمي في موقع التدوينات القصيرة “تويتر” يكاد لا يخلو من الإشارة إلى معركة مارب، موجهة بوقف العمليات العسكرية دون قيد أو شرط!
لغة لطالما استخدمها البيت الأبيض مع الأنظمة السابقة وبعض الأنظمة الحالية في المنطقة العربية التي تدين بالولاء والطاعة. لكن ما الذي يجعل أمريكا تلجأ إلى البيانات والخطابات الإعلامية بعد سنوات من الهجمة العسكرية للتحالف على اليمن؟
تحرش وهزيمة
بالعودة إلى تاريخ حرب تحالف العدوان على اليمن، نجد أن نتائج المواجهات الميدانية منذ أكثر من ست سنوات حملت هزائم متوالية للمشروع الأمريكي، وتضمنت خسائر فادحة للحملة العسكرية بقيادة السعودية ومَنْ خلفها، كان آخرها عملية النصر المبين التي بث الإعلام الحربي أمس مشاهد ميدانية للمرحلة الثانية منها.
جاءت النصر المبين على ضوء التحرش الأمريكي بالقوات المسلحة اليمنية في محافظة البيضاء، التي تضم مجاميع من العناصر التكفيرية من القاعدة وداعش، بغرض تخفيف الضغط على مارب، التي توشك أن تعانق الحرية.
في الأيام الحُرم، وبينما تنجح في فرض قراراتها بمنع الحج في بيت الله الحرام، فإنها تفشل في تحقيق أي انتصار يذكر في الأرض اليمنية أو تشتيت المعركة ومحاولة وقف التقدم باتجاه مارب.
جبهاتٌ عدة استحدثها مرتزقة أمريكا في كلٍ من مارب والجوف والبيضاء خلال الأيام التي سبقت عيد الأضحى المبارك، انتهت كلها بخسارة الحلفاء وانتصار أصحاب الأرض وتحرير مديريات أخرى كانت خاضعة لسيطرة قوات الاحتلال.
فمن ناطع والزاهر في البيضاء اللتين حظيتا بزخم إعلامي يعيد إلى الأذهان معركة حجور حجة، إلى رحبة التي جاءت على استحياء بعد أفول النجم الثاقب في الزاهر، ومن خروقات الحديدة التي لا تتوقف إلى معسكرات جيزان المستحدثة، جميعها باءت بالفشل.
مرحلة ثانية
البيان الذي نشرته القوات المسلحة يوم أمس، قال إن المرحلة الثانية من العملية أدت إلى تحرير مديريتي نعمان وناطع في محافظة البيضاء ودحر عناصرِ العصابات التكفيرية المرتبطة بتحالف العدوان وتكبدها خسائر فادحة، بينما أدت المرحلة الأولى قبل أقل من شهر إلى استعادةِ كاملَ المناطقِ التي كان قد احتلها العدوُّ، وتحريرَ مناطقَ واسعةً في مديرياتِ الزاهرَ والصومعةَ في المحافظةِ.
إضافةً إلى ذلك، سقط مئات المرتزقة والعناصر التكفيرية من القاعدة وداعش بين قتلى وجرحى وأسرى، فيما اغتنمِ الجيش واللجان كمياتٍ كبيرةٍ من الأسلحةِ والعتادِ.
ومع كل عملية عسكرية تسارع الإدارة الأمريكية – على خطى الظالم الشاكي – إلى النعيق عبر حسابات جهاتها الديبلوماسية في مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال المؤتمرات الصحفية الطارئة من أي مكان وفي أي وقت.
ردة الفعل الأمريكية غير المعتادة إلا في اليمن، تحمل دلالات واضحة على قلة الحيلة أمام من لم يترددوا عن مواجهة قوى الاستكبار بما استطاعوا إعداده من أسلحتهم البسيطة، غير آبهين بأحدث الأسلحة الفتّاكة التي يستخدمها العدو لقتلهم، وفي الوقت ذاته لم يفرطوا في هويتهم.
ليست أمريكا بالخصم الضعيف، غير أنها تتحول إلى ذلك حينما يحمل الطرف الآخر قضية واضحة يدافع عنها ومظلومية ينتصر لها، وهو الحال مع المقاوم اليمني.
ضغوط سياسية
ومرة أخرى يظهر وزيرة الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، وقبل العميد الركن يحيى سريع نفسه، ليجدد افتراءاته بالقول إن الطرف اليمني لم يظهر رغبة في الانخراط بالمسار الدبلوماسي، مستشهدا بما أسماه “استهداف المملكة العربية السعودية والتصعيد في اليمن”، بالإشارة إلى المعركة في مارب، رغم ضلوع أمريكا في التصعيد من خلال أدواتها.
ضغوط سياسية لا تغيّر في الأمر شيئاً؛ فاليمنيون على يقين بأن أمريكا طرف في المعركة وليس من شيمها أن تكون طرفا محايدا في أي معركة في أي مكان من العالم، كما ليس من سلوكها أن تعمل من أجل السلام؛ فالرغبة في التوسع والتعطش لثروات الشعوب وإذلالها لم يترك لها من أساليب الديبلوماسية المتعارف عليها شيئاً.
لم تنجح القوات المشتركة من مرتزقة اليمن والسودان ودول الخليج من تحقيق الأهداف الأمريكية بعد الهروب الكبير من صنعاء عام 2014م، كما لم تنجح الخلايا التي تزرعها كل يوم بطريقة أو بأخرى، وفي الوقت ذاته كانت التنظيمات الإرهابية في البيضاء ومارب ملاذاً أخيراً في المعركة لكنها هي الأخرى خيّبت الظنون وباءت بالفشل، ومع وصول المجاهدين إلى أعالي قمم شبوة واقتراب المعركة من مدينة مارب تكون أمريكا قد وصلت إلى أعلى مستوى من أزمتها النفسية في اليمن من جرّاء الصمود اليمني وانتصار أصحاب الأرض.
فشل ذريع للمرة الألف تمنى به أمريكا وأدواتها في هذا المسار، وأوراق متساقطة لكثرتها يصعب حصرها، ومع مرور الوقت تتجلى هزيمة المشروع الأمريكي بوضوح، لتصبح مارب آخر مسمار في النعش، وبعودتها إلى حضن الوطن يموت المشروع وتنتهي كل الأحلام.
(الثورة – عبد القادر عثمان)