سفينة آل البيت وأمواج الطغاة (الإمام زيد) .. بقلم/ بلقيس علي السلطان
يمني برس || مقالات راي :
في وسط بحر ظلمات الحياة الدامس تغرق أُمَّـة الإسلام في التيه والانحراف ولا سبيل لنجاتها سوى التمسك بسفينة النجاة المتمثلة بآل بيت رسول الله صلوات الله عليه وآله الذين ورثوا الحكمة والكتاب والعلم بعد رسول الله فمن تمسك بها نجا ومن تركها ضل وغوى، فلقد علم بهم طغاةُ الأرض وقراصنة المال والسلطة فقاتلوهم وحاربوهم لكي تظلَّ الأُمَّــة تغرق في بحر التيه والانحراف والابتعاد عن الدين الحق.
بعد وفاة رسول الله صلوات الله عليه وآله وبعد أن ترك المسلمين ولاية الإمام علي الذي وصى بها رسول الله من بعده بدأت الأُمَّــة تبتعدُ شيئاً فشيئاً عن المنهج الحق والطريق القويم وباتت تشدهم الحياة بمغرياتها وشهواتها، وما كان كُـلّ ذلك ليهون على باب مدينة علم رسول الله ووصيه الذي قال عنه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (علي مع القرآن والقرآن مع علي)، حَيثُ أخبر الرسول صلوات الله عليه وآله أنه سيقاتل على تأويل القرآن كما قاتل النبي على تنزيله، والذي أخبر عنه النبي كذلك أنه مع الحق والحق معه لن يفترقا فقام الإمام علي بدور عظيم في الحفاظ على امتداد هذا الحق حتى لقي الله شهيداً
ومن بعده الحسن والحسين عليهما السلام سيدَي شباب أهل الجنة وكذلك زين العابدين عليه السلام كان امتداداً لمسار هداية الأُمَّــة والحفاظ على صوت الحق وابنه الباقر عليه السلام كان امتداداً كذلك لهذا النور ولهذا الهدى ومعهم صلحاء الأُمَّــة وأبرارها وأحرارها ممن انتهجوا نهج النبوة في إعلاء الحق وطمس الباطل ومنع حالة الانحراف والتحريف الذي لحق بالأمة الإسلامية.
الإمام زيد عليه السلام عاصر هشام بن عبدالملك بن مروان أحد طغاة بني أمية الذي بلغ مستوىً فظيعاً من الطغيان والظلم والإجرام في الأُمَّــة، حَيثُ بلغ به الحد أن يخطب في الناس في موسم الحج، حَيثُ كان من أهم حديثه قوله: (واللهِ لا يأمرني أحد بتقوى الله إلا ضربتُ عُنُقَه) هذه هي نفسيته وطريقة تفكيره هذا هو توجّـهه الذي يؤكّـد انحرافه التام عن تقوى الله، هكذا يخاطب الأُمَّــة بغطرسة واستعلاء وعتو.
وصل الإمام زيد إلى هشام بن عبدالملك وقد عرف أنه هدّد وحذر وتوعد من يأمره بتقوى الله فقال له: (اتق الله يا هشام)، حَيثُ غضب هشام وانفعل وقال (أَوَمثلُك يأمُرُ مثلي بتقوى الله؟!)، وأجاب عليه الإمام زيد عليه السلام بكلمته الشهيرة (إنه ما من أحد فوق أن يُؤمَرَ بتقوى الله، وما من أحد دون أن يَأمُرَ بتقوى الله).
كبر على الإمام زيد -عليه السلام- أن يسمع اليهودي في مجلس هشام وهو يسب رسول الله -صلوات الله عليه وآله- فوقف الموقف الذي يفرضه عليه دينه وانتماؤه للإسلام فانتهر اليهودي وهدّده لكن هشام وقف إلى جانب اليهودي وغضب وانزعج من الإمام زيد بن علي عليهما السلام وقال له: (مه، لا تؤذِ جليسَنا يا زيد) لقد انزعج هشام من انزعَـاج اليهودي الذي سب رسول الله -صلوات الله عليه وآله- هذه هي حالة الانحراف الذي وصل إليها من يسمي نفسه بحاكم على أُمَّـة الإسلام!
لقد جاءت ثورة الإمام زيد -عليه السلام- كامتداد لخط الهداية، حَيثُ تحَرّك باقترانه بالقرآن الكريم وهو حليف القرآن متخذًا موقفه وقراره بما يمليه هذا القرآن الكريم وبما تقدمه وتفرضه تلك المبادئ والأخلاق والقيم التي ينتمي إليها في هذا الإسلام العظيم، حَيثُ كان ينصحه الكثير بالسكوت ويرد عليهم بقوله: (واللهِ ما يدعني كتابُ الله أن أسكُت) فكان العنوان البارز في نهضته قوله عليه السلام: (عباد الله: أعينونا على من استعبد أمتنا وأخرب أمانتنا وعطّل كتابنا).
انطلق الإمام زيد في ثورته محاولاً الإصلاح في أُمَّـة جده رافضاً للذل والاستكانة متخذاً من عبارات جده الشهيد الحسين بن علي (بهيهات منا الذلة) منهاجاً له، فقال للأُمَّـة واعظاً (من أحب الحياة عاش ذليلاً)، فوقف الطغاة في وجه سفينته التي رمت بقوارب النجاة لمن عمهم بحر الضلالة والانحراف وزادوا من موج خبثهم وطغيانهم لإيقاف هذه السفينة عن مسارها المستقيم.
جاهد حليف القرآن الطغاة حتى لقي الله شهيداً لاحقاً بأجداده الشهداء من أعلام الهدى الذين خاضوا صراع الحق ضد الباطل والنور ضد الظلام والهدى ضد الضلال، لكن ثوراتهم ومواقفهم أصبحت منهاجاً ينتهجه أحرارُ الأُمَّــة الإسلامية من بعدهم وبقي أعلامُ الهدى يقودون دفة سفينة الهداية والرشاد ويخوضون أمواجَ الطغيان والجبروت حتى ترسوَ سفينتهم على شاطئ الخلاص وتحقيق العزة والكرامة والنصر المبين والعاقبة للمتقين.