في ذكرى الإمـام الأعظم
في ذكرى الإمـام الأعظم
يمني برس- بقلم/ سند الصيادي
متأزِّراً بالثقة بالله وَمتسلِّحاً بما بين يدَيه من بشائرَ وَنُذُرٍ، أشعل رسولُ الله صلوات الله عليه وَآله، ثورةَ الفضيلة في صحراء العرب، فأيقظَ بها سُباتَ قلوبٍ وَعقولٍ وَشعوب وَأمم، وَتيقظت لها مكائدُ وَفتن، وَمنذ توهّج نورُها الوضَّاحُ على البرية، تعرض مشعل هذه الثورة الربانية إلى تحدياتٍ جمة، وَمراحلُ فاصلةٌ تجلت فيها سُنَنُ التمحيص وَالتمييز، وَانقسم الناسُ إلى فُسطاطَيْنِ: فُسطاط إيمانٍ لا نِفاقَ فيه، وفُسْطاط نِفاقٍ لا إيمانَ فيه.
وَفي ذروة الشك وَالارتباك البشري الذي يشوبُ البدايات عادةً، كان التدخلُ الإلهي حاضراً، بمضامينه وَشخوصه، وَكان عليًّا هو المَدَدَ يومَ برزت كُـلُّ الرذيلة لمواجهة الفضيلة كلها، فسقط الشركُ تحت أقدام الإيمان، وَقطع اللهُ الشكَّ باليقين، وَبهذه الشواهد أكمل اللهُ تبيينَ الخارطة التي تبقي كلمتَه العليا وَرجالَه الأعلين، تاركاً للناس حريةَ القرار في تحديد المسار.
غير أنه وَبفعل الجهل وَالتغرير وَالتقصير، عادت الجاهلية بثوبٍ قشيبٍ يتدرع بلباس الإسلام، وعاد الطلقاءُ بأحلام الجاهلية وقد قاحت قلوبُهم حقداً وانتقاماً، وانحرفت الأُمَّــةُ عن مسارها الصحيح، وَكما كانت ثورةُ الحسين تصويباً للطريق وَولادةً جديدةً لمضامين الرسالة السماوية، فقد مثّلت ثورةُ زيد بن علي بن الحسين -سلامُ الله عليهم أجمعين- إحياءً وَبعثًا جديدًا للوعي والبصيرة.
وفيما أُريد لخط الله أن يبقى مهجوراً إلَّا من أعلام ظلت ترشِدُ الأجيالَ إلى دروب الخلاص، فقد ظل الخطُّ الإلهي الواضحُ للنجاة حاضراً في كُـلّ الملاحم يسعفُ الموقفَ وَيحيل الهزيمةَ إلى نصرٍ وعزة، مجدّدًا الثقة وَمعززًا إياها في قلوب الصادقين.
نحتفل اليوم بذكرى هذه الثورة الزيدية المباركة بكل هذا الكم من القناعات، ونحن نعيشُ روحَ الثورة وَنفسَ معطياتها، وَفيها نستذكر الظروف والدوافع التي انطلق منها هذا الإمَـامُ وَالعالِمُ وَالثائرُ الرباني، وَكيف كان حسينَ عصره بالمسير وَالمصير، وقد منعه دينُ الله عن الصمت فاختار السيفَ على أن يرى أُمَّـةَ جده غارقةً في المذلة.
وفي إحيائنا لهذا اليوم سُنَّةٌ من سنن الله في إبقاءِ مشعلِ هذه الثورة مسافراً ومتوقداً عبر الأزمان، وَعودةٌ لقراءة زيد وَإحياءٌ لسيرته وَانتهاج قيم ثورته المباركة، كما في هذا اليوم تجديدُ الولاء والوفاء للرسول وللإمَـام علي وَللحسين، وَرفعٌ لرايتهم التي أراد اللهُ رحمةَ بنا إبقاءَها في كُـلّ عصر وَحين.
سلامٌ على مَن ألهمنا الطريقَ، سلامٌ على حليف القرآن وزيد الإمَـام الثائر الشهيد.. وَسلامٌ على أعلام الثورة الحسينية إلى يوم يُبعثون.