“بالبصيرة والجهاد سنحرِّر كلَّ اليمن” … ما هي الأبعاد الإستراتيجية لكلمة السيد عبدالملك الحوثي؟
“بالبصيرة والجهاد سنحرِّر كلَّ اليمن” … ما هي الأبعاد الإستراتيجية لكلمة السيد عبدالملك الحوثي؟
يمني برس:
في كلمته خلال إحياء ذكرى استشهاد زيد بن علي عليهما السلام، أشار السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي إلى أنَّ “الطغيان الأمريكي يستهدف أمتنا في كل المجالات، مبينًا أنَّه لا يوجد التباس في تحالف النظام السعودي مع أمريكا والكيان الصهيوني، فالعدوان على اليمن والمؤامرات على دول المنطقة تخدم أمريكا و”إسرائيل”، وحيث شدد أنه “لا يمكن أن نصمت في مواجهة الطغيان الأمريكي والإسرائيلي وأمتنا تستباح وتظلم من فلسطين إلى اليمن… ولو كنّا فرَّطنا في معركتنا، لكانت القواعد الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية في صنعاء ومختلف المحافظات، واننا: “سنحرر كل بلدنا ونستعيد كل المناطق التي احتلها تحالف العدوان، وسنواصل التصدي للعدوان، وسنضمن لبلدنا أن يكون حرًا مستقلًا لا يخضع لاحتلال أو وصاية”، مشيرًا إلى أنَّ الشعب اليمني سيكون حرًا عزيزًا وليس متسولًا عند آل سعود أو آل نهيان.
ليست المرة الاولى التي يتوجه فيها السيد عبد الملك الحوثي الى الداخل اليمني والى خارجه، وخلال مناسبات وطنية او دينية، بكلام يحمل مضمونا حساساً او مؤثراً بنسبة كبيرة، في الموقف العام المرتبط بالعدوان على اليمن، او بما يرتبط بهذا العدوان اقليميا ودوليا، ولكن، لا شك ان كلامه الاخير وبالتحديد في عبارة: “سنحرر كل بلدنا ونستعيد كل المناطق التي احتلها تحالف العدوان”، سيكون له تداعيات جد مفصلية، لما يحمله من ابعاد استراتيجية، اثبتتها وتثبتها عدة نقاط اساسية، لا بد من التوقف عندها وهي:
اولا: التماسك الواضح لحكومة صنعاء في قيادتها وادارتها للمناطق المحررة، رغم الحصار والضغط العسكري والقصف الجوي الذي لا يتوقف، يقابله تشرذم وضياع وعدم توازن في المناطق الخاضعة للعدوان، والتي هي، اما تحت اشراف وحدات هادي او تحت اشراف الانتقالي الجنوبي، مع بعض الاستثناءات، حيث يتواجد في بعض المناطق اشراف بسيط او نفوذ غير مكتمل لبعض المجموعات المتشددة ( داعش او القاعدة ) ولحزب الاصلاح الاخواني المرتبط بتركيا.
ثانيا : التخوين المتبادل بين اطراف تلك المناطق الجنوبية والشرقية من اليمن ، بالاضافة لتوزع الارتهانات للخارج، بين تركيا وبين السعودية وبين الامارات ، يقابله في المناطق المحررة والتي تقودها حكومة صنعاء ، التزام موحد بالدفاع عن اليمن المحرر ، مع الالتزام المقدس ولكافة اطياف ومكونات المناطق المحررة ، بالقرار الحاسم الذي اطلقه السيد عبد الملك الحوثي ، والقاضي بتحرير كافة المناطق غير المحررة.
طبعا، هناك الكثير من الاسباب والمعطيات، والتي تفترض صدقية وجدية وحتمية اكتمال تحرير تلك المناطق وهي:
تعاظم قدرات الجيش واللجان وانصار الله، وفي كافة الاتجاهات، وثبات وحدات حكومة صنعاء وانصار الله بمواجهة تحالف العدوان المكون من عدة اطراف اقليمية والمدعوم من عدة اطراف ودول غربية، وخير دليل على هذا الثبات والانتصار، وقد يكون لوحده كافيا دون الحاجة لذكر غيره من الادلة، هو اننا نشهد اليوم وبما يشبه التوسل من قبل دول غربية ومسؤولي الامم المتحدة، ودول العدوان ايضا، لانصار الله وللجيش اليمني لكي لا تتابع حملتها شرقا نحو إستعادة مأرب.
من هنا اهمية معركة تحرير مأرب اليوم ، والتي تشكل حلقة الوصل النهائية لجبهة العدوان، باتجاه الشرق نحو حضرموت ومعبري “العِبر” نحو الشرق و”شرورة ” نحو الداخل السعودي، وباتجاه الوسط الشرقي فيما تبقى من مديريات في مأرب ، وباتجاه الجنوب نحو عدن او الجنوب الشرقي باتجاه زنجبار والمكلا، وحيث تضع هذه الدول، حجة حماية المدنيين كغطاء لحماية مواقع العدوان في مأرب، والتي تُعتبر المواقع الاخيرة له في هذه المواجهة التي ناهزت الست سنوات، سيكون سقوطُها، سقوطا لكافة نقاط ارتكاز العدوان شرقا وجنوبا.
الثبات داخليا وخدماتيا واقتصاديا، رغم كل انواع الضغوط والحصار والمآسي نتيجة الاستهدافات الجوية العنيفة والمتواصلة والتي لم تنقطع طيلة فترة العدوان ، ولست سنوات خلت ، بقيت اللحمة الاجتماعية في مناطق الشرعية المتمثلة بحكومة صنعاء واضحة ومتميزة ، واساسا، كل مجتمع لا يستطيع الصمود والثبات والدفاع والانتصار، برغم وجود فارق كبير في القدرات لصالح عدوه، الّا اذا كان مجتمعا موحدا وملتزما بكامل اطيافه بالقتال والصمود تحت راية قيادة سياسية وعسكرية وحزبية شريفة ووطنية وعادلة وقوية.
من جهة اخرى، من المفيد الاشارة الى نقطة جد مهمة، تثبِّت ايضا وبطريقة غير مباشرة، قناعة دول العدوان وعلى راسها المملكة العربية السعودية، بصدقية وبجدية كلام السيد عبد الملك الحوثي بحتمية تحرير كافة المناطق اليمنية التي احتلها تحالف العدوان ومرتزقته، هي ان السعودية كما يبدو، بدأت تتملص من التزاماتها بتوقيع اتفاق تطبيع مع العدو الاسرائيلي كدولة ثالثة بعد الامارات العربية المتحدة والبحرين، وحيث كان منتظراً ان تكون الاولى في هذا المسار (مسار التطبيع)، ها هي اليوم تحاول ان تميّز موقفها عن الدول الخليجية المذكورة، والسبب، والذي قد يكون ايضا هناك نظرة مشتركة له بينها وبين “اسرائيل”، هو ان مخططات السعودية لناحية السيطرة على اليمن وانهاء النفوذ والقدرة العسكرية والسياسية لحركة انصار الله وللقوى الوطنية المناهضة لتحالف العدوان، قد وصلت الى طريق مسدود.
من هنا، يبدو أن السعودية اقتنعت باستحالة فوزها في حملة العدوان على اليمن، الامر الذي يعرقل او “يخربط” اي اتفاق تطبيع تنجزه مع العدو الاسرائيلي، كون الارتباط والتداخل الميداني والعسكري البري والبحري بين اليمن والسعودية وخاصة غربا وشمالا، يفرض نفسه ، وقدرة التاثير اليمنية على السعودية انطلاقا من النقاط المذكورة، تمنع اي نجاح كامل لهذا التطبيع، وتخربط او تقوّض اي اتفاق سعودي – اسرائيلي، والذي حتما ستكون اهم بنوده: السيطرة البحرية على باب المندب وعلى المياه الاقليمية اليمنية الغربية على البحر الاحمر، ومع النفوذ والسيطرة للجيش واللجان وانصار الله في تلك المناطق، لن يكون هذا الاتفاق السعودي مع “اسرائيل” ذي جدوى للطرفين، لا عسكريا ولا سياسيا ولا استراتيجيا.
السبب الاكثر اهمية والذي، رغم اهمية ما تم ذكره اعلاه، لناحية الثبات العسكري والصمود الاقتصادي واللحمة الاجتماعية، والقناعة السعودية باستحالة فوزها في عدوانها على اليمن، يبقى في المصداقية التي يتميز بها كلام السيد عبد الملك الحوثي زعيم انصار الله وتعهداته، والتي تابعها ولمسها الجميع، الخصوم قبل الاصدقاء، حيث اثبتها “السيد” في كافة مراحل قيادته ورعايته لمسيرة معركة الدفاع عن اليمن، عسكريا وسياسيا وانسانيا، الامر الذي يؤكد بما لا يحمل الشك، ما قاله السيد عبد الملك بالتحديد: ” اننا سنحرر كل بلدنا ونستعيد كل المناطق التي احتلها تحالف العدوان، وسنواصل التصدي للعدوان، وسنضمن لبلدنا أن يكون حرًا مستقلًا لا يخضع لاحتلال أو وصاية”، مشيرًا إلى “أنَّ الشعب اليمني سيكون حرًا عزيزًا وليس متسولًا عند آل سعود أو آل نهيان”.”
(العهد الاخباري – شارل أبي نادر)