مبادرة “ماب يمن” لتجنيد الشباب اليمني.. هكذا تصنع السفارة الأمريكية “صبيانها”
مبادرة “ماب يمن” لتجنيد الشباب اليمني.. هكذا تصنع السفارة الأمريكية “صبيانها”
يمني برس:
استكمالاً لما نشرته صحيفةُ المسيرة في عددها السابق حولَ النشاط الاستقطابي المتزايد الذي تمارسُهُ السفارةُ الأمريكية في اليمن، والذي يستهدفُ بدرجة رئيسية فئةَ الشباب، تواصل الصحيفةُ تسليطَ الضوء على بعضِ تفاصيل هذا النشاط، وأهدافه الواضحة التي تتمحورُ حول تجنيدِ أكبر عدد ممكن من الشباب والنشطاء إعلامياً وسياسيًّا لممارسة أدوار مؤثرة تخدم الغايات السياسية والعسكرية والاستخباراتية الأمريكية.
من المشاريع الواسعة التي تمولها السفارة الأمريكية في اليمن في إطار العمل “الاستقطابي” الواضح والمعلَن، مشروع ما يسمى بـ “مبادرة ماب يمن” التي ظهرت على الساحة منذ العام الماضي، خلف واجهة “دعم وتمكين الشباب اليمنيين”.
وبرغم الدعايات والشعارات “البراقة” التي حاولت تغليف هذا المشروع وتقديمه كبوابة “تنموية”، كانت أهدافُه السياسية والأمنية واضحةً منذ البداية ومعلَنةً؛ لأَنَّ المشروع كله يتمحور حولها.
رئيسةُ الملحقية الثقافية والإعلامية في السفارة الأمريكية، زينيا باغيني، والتي تولت الرعايةَ المباشرةَ لـ”المبادرة” قالت لموقع “أنسم” العام الماضي: إنها ومنذ تعيينها في المنصب كانت تعمل على تلبية “الحاجة إلى تعزيز أهداف السياسة الأمريكية” فيما يتعلق بالصراع، من خلال “الاستثمار بالشباب” وإن هذا المشروع جاء في إطار هذه الأهداف.
هذا التصريحُ يمثل تأكيدًا واضحًا على أن الغرضَ من المشروع هو استقطابُ الشباب اليمني لخدمة أجندة أمريكية استراتيجية في اليمن، وإن كانت “باغيني” قد حاولت المغالطة بالقول إن هذه الأجندة تتعلق بـ”دعم عملية السلام ودعم عمل المبعوث الأممي” فَـإنَّ الوقائع قد كشفت أن هذا العنوان لا يصلُحُ حتى للتضليل؛ لأَنَّ “السلاَم” الأمريكي والأممي يتلخَّصُ بوضوحٍ في مطالبة صنعاء بالاستسلام وتحميلِها مسؤوليةَ استمرار الحرب والحصار، وتبرير استمرار وتوسيع التواجد الأمريكي والسعوديّ والإماراتي في اليمن.
ويتضح ذلك أَيْـضاً من خلال تفاصيل الأنشطة التي تقيمها السفارة الأمريكية وملحقيتها الثقافية والإعلامية للشباب، ففي نهاية أغسطُس من العام الماضي، نظمت “باغيني” دورة تدريبية عبر واجهة “ماب يمن” كان عنوانها “استراتيجيات وسائل الإعلام أثناء الصراع” وقد حضرها قرابة 80 شاباً.
العنوانُ نفسُه يُفْصِحُ وبوضوح عن أن الدورةَ كانت لتوجيه الشباب المشاركين على الممارسة لأدوار إعلامية وسياسية، نعلم من التصريح السابق لرئيسة الملحقية الثقافية والإعلامية بالسفارة الأمريكية أنها تخدُمُ مباشرةً المصالحَ والتوجُّـهات السياسية الأمريكية في اليمن، وهذا أَيْـضاً ما يؤكّـده برنامجُ الدورة الذي تضمن مشاركة لأحد الخبراء التابعين لـ”صوت أمريكا” (أكبر شبكة إذاعية أمريكية حكومية تعمل على نطاق دولي)، والذي يعمل أَيْـضاً في عدة قنوات أمريكية ومراكز أبحاث، وتتركز اهتماماته بشكل رئيسي حول “التشدّد الإسلامي والتطرف والصراع في الشرق الأوسط”.
وقد تمحورت مشاركة الخبير “سيروان كجو” حول تدريب المشاركين في الدورة على استراتيجيات استخدام وسائل الإعلام في “أوقات الصراع”؛ مِن أجلِ تحقيق أكبر تأثير على الرأي العام، والطرق المناسبة لصياغة المحتوى، بما في ذلك المحتوى المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي، وكيفية القيام بحملات إعلامية على هذه المواقع.
هذه الدورة المسيسة بوضوح، جاءت ضمن سلسلة دورات مماثلة كان نائب السفير الأمريكي، منير جنيد، قد أعلن قبل انتهاء فترة عمله العام الماضي، عن تنظيمها للشباب عبر مشروع “يمن ماب” مشدّدًا على ضرورة أن يصل هذا المشروع إلى كُـلّ المحافظات اليمنية، وأن يكون هناك مشاركين من جميع المناطق، وقد تناولت تلك الدورات “بناء التحالفات الشبابية” و”دور وسائل الإعلام في الصراع” و”استراتيجيات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”، وقد حرص نائب السفير الأمريكي على حضور العديد من الخبراء في هذه الدورات.
وقد حرص القائمون على مشروع “يمن ماب” على بث ونشر صوراً تظهر شباناً يقفون أمام معالم بارزة في عدة محافظات يمنية، ويحملون لافتات مكتوب عليها اسم المشروع والمحافظة، في إطار ما بدا أنه حملة لتوسيع نطاق المشاركة.
وبحسب المعلومات المنشورة فَـإنَّ نسبة الشباب المشاركين في برامج وأنشطة المشروع من أبناء محافظة المهرة، كانت هي الأكبر وهو الأمر الذي يجدد التأكيد على ارتباط المشروع بالأهداف والغايات السياسية والعسكرية والأمنية الأمريكية، فالتركيز الأمريكي على محافظة المهرة يتزايد بشكل ملحوظ، وتترجمه تحَرّكات عسكرية وأمنية واستخباراتية واضحة على الأرض.
ويمكن القول إن السفارةَ الأمريكيةَ لا تخفي أهدافَها السياسية المشبوهة من وراء هذه الأنشطة، بقدر ما تحرص على أن تقدم مسألةَ خدمة هذه الأهداف كأمرٍ طبيعي بل وجذّاب، وبعبارة أُخرى: يبدو أن السفارة لا تحاولُ كَثيراً أن تخفيَ حاجتها إلى نشطاءَ يخدمون مصالحَ الولايات المتحدة في اليمن إعلاميًّا وسياسيًّا وأمنيًّا، بل تريد أن تجعل الأمر معروضاً لجميع الشباب، على المكشوف، ولكن بصورة مغرية، من خلال إظهار المشاركين في هذه الأنشطة كنماذج للشباب “الناجح”.
وهذا ما لوحظ بوضوح من خلال تتبع الأخبار المتعلقة بمشروع “ماب يمن” منذ بروزه على الساحة، حَيثُ حرصت السفارة دائماً على أن تخلط نشاطات التجنيد والاستقطاب السياسي والإعلامي الواضح، بنشاطات شكلية ذات طابع “علمي” أو “فني” و”إبداعي” لجذب المزيد من الشباب، وجعل مهمة العمل لصالح السفارة الأمريكية والارتباط بها أمراً مغرياً، وذلك بالإضافة طبعًا إلى “الدعم السخي” الذي أشار إليه بوضوح كُـلّ الشباب المشاركين في المشروع.
وقد عبرت القائم بأعمال السفير الأمريكي، كاثي ويستلي، عن ذلك، عند افتتاح مركز “نقطة ماب” في جامعة تعز، في جامعة تعز، والذي قالت إنه “يوفر للولايات المتحدة حضوراً لم يكن ممكناً منذ إغلاق السفارة في صنعاء”، وهو يفتح الباب بوضوح أمام الشباب الراغبين في الحصول على “تمويل” من السفارة، من خلال تقديم “مقترحات”!
وبحسب ويستلي، فَـإنَّ المركز يمثل نقطة تواصل بين السفارة الأمريكية وبين طلاب جامعة تعز، وهو ما يعني جعل الجامعة ساحة مفتوحة أمام السفارة الأمريكية لاستقطاب الشباب وتجنيدهم بشكل واضح لخدمة الأجندة الأمريكية مقابل دعم مالي.. إنه بالفعل يتيح للولايات المتحدة حضوراً استخباراتياً غيرَ مسبوق، ويمكنها من التغلغل بشكل واسع وسط شريحة الشباب، لصنع أكبر عدد ممكن من العملاء والجواسيس وممن باتوا يعرفون في الأوساط الإعلامية بـ”صبيان السفارات” (النشطاء والإعلاميين الذين يتم صنعهم كقادةٍ للرأي العام ونماذجَ شبابية للتأثير على الرأي العام وتوجيهه في خدمة المصالح والمخطّطات الغربية والأمريكية بشكل خاص)
وقد لوحظ من خلال تصفح مشاركات الشباب المرتبطين بأنشطة مشروع “ماب يمن” وما شابهها، على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام أنهم جميعاً يمارسون نشاطاً إعلامياً يخدم تحالف العدوان بصراحة، ويشاركون بشكل واسع في حملات التضليل والتشويه التي تستهدف السلطة الوطنية والجيش واللجان الشعبيّة، وهو أَيْـضاً ما قد ينطوي أَيْـضاً على خدمات استخباراتية، وهي النتيجة التي تمثِّلُ مخرجات عملية التدريب التي تلقوها ضمن البرامج والمشاريع المموَّلة من السفارة الأمريكية.
(صحيفة المسيرة)