يمن أيلول وسيد التحولات .. من علياء سبع سماوات ثورة
يمن أيلول وسيد التحولات .. من علياء سبع سماوات ثورة
يمني برس:
“أمامنا الكثير من العمل” يقول سيد الثورة.
فـ 21 أيلول التي استنقذ شعبنا بإيقاد شعلتها آدميته من مسلخ سواطير الوصاية ليضعها على جادة الإنسانية السوية والكرامة والحرية والاستقلال، ليست يوماً مضنياً من العمل نخلد عقبه للراحة، وإنما هي فاتحة طريق طويل ومضنٍ ومدروز بالتحديات والمخاطر، لكنه مفتوح علىكينونة كريمة حتمية نحن جديرون بها…
كينونة لا يُلقَّاها إلا الذين صبروا في مقام العمل والفعل والصمود والثبات والمواجهة المقرونة بالتضحية والبذل والفداء بناظم الثقة المطلقة بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا و”إن الله مع الصابرين”.
كم قطعنا على هذا الطريق الثوري الشائك بحساب الزمن؟!
قطعنا أمداً مساوياً لعمر العدوان الكوني على الماضين في هذا الطريق إلا قليلا.
كم قطعنا بحساب الكينونة؟!
قطعنا قروناً تساوي تاريخ شعب حرث يباس الأرض بالمعاول والسيوف وسقاها بالعرق وبالدم وزرعها البذار والأنفس الزاكية فأنبتت من كل زوج بهيج على مستوى كل حقل من حقول الحضارة الإنسانية وكل مضمار من مضامير البطولة والفداء ورفض الضيم وتسميد تراب الحرية بجماجم الغزاة والطغاة والطامعين من روما الأولى إلى الأحباش والبرتغال استمراراً بطحن أحدث الجماجم وأصلبها وأثراها وأعتاها وأكثرها عصرنة وجبروتاً… جماجم تحالف عدوان كوني واسع الطيف متباين الملامح والأعراق ذميم الغاية والمشروع.
إن عمر ثورة الـ21 من أيلول زمناً وكينونة هو عمر العدوان الإمبريالي الشامل عليها وبسالة الصمود الثوري الشعبي اليمني في وجهه ومتوالية انتصاراتنا الفارقة على صفوة ترسانات وأدمغة القتل الرقمي وجِماع أحابيل الاستكبار التي صبت في حساب الشرور الأمريكي منذ قابيل حتى اللحظة.
“لدينا الكثير من العمل” -إذن- وفي الأثناء لدينا الكثير من الأمل.. بهذا السطوع يعيد سيد الثورة بسط معادلة الربح والخسارة بمفهومها الإنساني، فتتجلى الحرية باعتبارها مطلق الكسب الذي لا إمكانية لتحقيق أي مكسب إنساني أو وطني نهضوي تقدمي تنموي اقتصادي،.. ،.. في حال خسارته.. خسارة الحرية.. ونحن ربحناها باستحقاق رفض الوصاية وبالثورة على رموزها وجبروتها وصكوك عبوديتها والإطاحة بمقاصل مشروعها.
في لحظة تاريخية حاسمة كانت خلالها تلك المقاصل قد شرعت في تقطيع أوصال شعبنا طائفياً ومناطقياً و”عرقياً” إلى شرائح مجهرية ليحصل مركز الوصاية الأمريكي الكوني على جغرافيا يمنية بلا شعب يمني، وأكثر من ذلك على خلطة شعوب محتربة فعَّالة لما تريده الولايات المتحدة ووكيلها الحصري في المنطقة الكيان الصهيوني.
أليس ذلك ما كان على وشك الحدوث في اليمن وكان قطافه قد أصبح مواتياً في العام 2014 طبقاً لاعتقاد “عشر الوصاية الدولية بقيادة أمريكا”، وبالبناء على عقود التقويض التدريجي لمنظومة القيم والمقدرات والنسيج الشعبي اليمني تتويجاً بذروة الوصاية المباشرة على مجمل كواليس وواجهة الحكم من خلال وضع اليمن رسمياً تحت الفصل السابع في الأمم المتحدة مطلع عام 2014 عقب إعدام الفعل الثوري بمشنقة ما تسمى “المبادرة الخليجية” في 2011.
أجل، ذلك ما كان على وشك الحدوث من كارثة في 2014، قبل أن تتفجر براكين الأصالة اليمنية بكل ما تكتنزه من نخوة وكرامة وإباء واعتداد وعزة، فتجرف حممها جدران “الأبارتيد” العنصرية والطائفية، دافقة في مسارات راقية تنتظمها قيم الإيمان والهوية النقية من حزازات الحقد والنزوع الثأري ونوايا الإقصاء… انفجار واعٍ يعرف طريقه جيداً إلى قلاع أعدائه دون انزلاق منفلت وخبط عشواء يصيب ما يستهدف تحقيقه من غاية نبيلة ومصلحة وطنية في مقتل.
ثورة شعبية تمظهرت في رؤيتها وخطابها وغاياتها
وحركتها إرادة شعبنا، كل شعبنا وبكل أطيافه بلا حصرية فوقية مذهبية أو مناطقية.
“كانت سلطة الوصاية تبدي استخفافاً واضحاً بالشعب، وما يمثله من قوة وإرادة، وفي المقابل تؤمن بقوة أمريكا وتراهن عليها في مواجهة شعبنا”.
يلخص سيد الثورة جدلية الاشتباك حينها والذي أفضى إلى انتصار الثورة الشعبية، على نحو فاجأ العالم، وصولاً إلى صدمة المفاجأة الكبرى المتمثلة في الصمود اليمني غير المسبوق في وجه ترسانة العدوان الأمريكي الشامل، بمتوالية الانتصارات الصاعدة للعام السابع من عمر العدوان والحصار.
ليست سلطة الوصاية وحدها من بُهتت بقوة شعب لطالما استخفت به، فالعالم يعيد اليوم مرغماً بناء مصفوفة تصوراته المرتجلة والضحلة عن اليمن واليمنيين بناظم متغيرات الصراع الراهن ومعطيات اشتباك وجودي فارقة فعلاً وفكراً ومسار تحولات.
هذا بعض حصاد الكينونة الوازنة الذي لا يعيره السذج والموتورون والمترددون والجبناء، قيمةً في سياق مضارباتهم الأنانية بنواقص الحياة اليومية الناجمة عن الحصار والعدوان، وتركة ثقيلة من كساح ماضي الوصاية وذهنياته.
إن من لا تحرك غضبه جرائم العدوان الأبشع بحق شعبنا فينهض بدور عملي في مواجهته، لا يمكن أن يصدق في غضبه لـ”الشعب وباسم الشعب” تحت لافتة “نقد الفساد والاختلالات”.
بهذه الطعنات النجلاء يزهق سيد الثورة المنطق الذي ينسج المزايدون والموتورون والمغازلون للعدوان أباطيلهم بالاتكاء عليه، وبمنأى عن الضيق التقليدي السلطوي بالناقدين، يشرع السيد عبدالملك الحوثي نوافذ رحبة للنقد الصادق الذي لا يتخطى الخطوط العريضة الحاكمة لطبيعة المرحلة إلى تضخيم التفاصيل اليومية، وكقائد ثورة فارق لا يأبه بعد الله لغير شعبه، يشخص السيد عبدالملك مسارات الصراع الراهن بعثراتها ووثباتها، وبإمكاناتها ونواقصها، وبأعراضها ومسبباتها، دون تهوين من وجع الشعب ومعاناته لحساب دوافع تعبوية تخص المعركة العسكرية حصراً كمسار معزول عن مجمل مسارات المواجهة.
لقد انحازت سلطة الوصاية إلى مديرها التنفيذي، وبقوة تحالف عدوانه وارتهانها استحوذ الغزاة والمحتلون على مصادر الثروة وموارد الدخل الوطني ومنافذ الإيرادات في الجغرافيا اليمنية، بحرمان شعبنا منها، بينما انحازت ثورة 21 أيلول إلى الشعب بآماله وآلامه، فكان نصيب جغرافيا السيادة الوطنية كل هذا الكم البشري اللائذ بآدمية الحياة عليها والمتكئ بأوجاعه إلى جذع سنديانها الباسق الضارب الجذور في نواة الأصالة اليمنية الإيمانية والوطنية.. وبالنتيجة ربحنا شعبنا وقامر به أعداء الثورة في بورصات الخيانة والعمالة، كما فعلوا دائماً قبل وبعد منعطف عدوان أربابهم من قوى الوصاية والهيمنة العالمية. ربحنا شعبنا ونرابط في خنادق الدفاع عنه، معه وبه، رقياً في معارج الحرية والاستقلال وجدارة الحياة وتثمين الوجود بالكرامة والحيز الجغرافي بالإنسان، في مقابل المسار الخياني الذي يسفح أصحابه كل الشرف والعرض والإنسانية والتراب والثروات قرابين بخسة تحت أقدام الاحتلال وشذَّاذ الآفاق.
هاتان الضفتان من جغرافيا الوطن جليتان بشواهد مجريات الحياة اليومية على نقيضين، فحيث لا ثروة هناك عدوان على ثورة وشعب يعاني صامداً صابراً، ولمعاناته وتضحياته ثمار طرحت وأخرى ستطرح حتماً. وحيث الثروة، هناك خنوع وشتات شعبي يسحقه المحتلون بلا رحمة، ويتعهدون جحيم معاناته بالمزيد من وقود الفوضى والبؤس والقهر، في حين يسيل دمه هدراً في هباء اللاموقف واللامواجهة، وإلى حيث لا أمل ولا ثمرة ترتجى.
غير أن من يتقيؤون اليوم أحقادهم الشخصية نتناً وبإسراف بذريعة النقد الغاضب للشعب، في جغرافيا السيادة الوطنية، لا يتفضلون على ضحايا الجغرافيا المحتلة بمثقال غضب، فكعبة قصدهم هو مرضاة العدوان الأمريكي والحظوة ببعض مثاقيل الهوان وفتات الذُّل.
“وأما الزبد فيذهب جفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.. ذلك هو القانون الإلهي الذي لا يتبدل، وذلك هو شاهد الحال المنظور بين كلفة مقاومة العدوان الباهظة وثمارها المجزية ما نضج منها وما هو في طريقه للنضوج، بمقابل كلفة الرضوخ الأبهظ للعدوان بلا وعد في ثمرة ولا أمل في مستقبل كريم.
اليوم تتمايز بذار الحرية عن بذار الهوان.. وتبيضُّ وجوه شعبنا الثائر الصابر الصامد المجاهد المنتصر، وتسودُّ وجوه الخونة والعملاء والناكصين بإنسانيتهم في درك الذلة والجنوح للسلامة كثمن للركوع.
اليوم يبسق شعب السنديان بتوقيت المعراج السابع لثورة الـ21 من أيلول في سماوات الحرية والاستقلال بزوغاً من ثريا صنعاء عاصمة الثورة الحقة والصمود الفذ والبطولات التي تجترح أبجديتها بالأظافر والرؤى في صخر اللحظة المديدة ووسط عالم عاقر وجبان.
اليوم تشرق السماء السابعة للثورة بشبابها ونسائها وأطفالها وقبائلها وأبطالها وصنَّاع زهوها وهاماتها الموصولة بسهيل اليماني وقائدها المستظل بسدرة المنتهى هدى وإيماناً وحكمة.
اليوم تتباين القامات شموخاً وقزامة، وتنفسح الساعات والساحات عن موعد الفتح المبين والتحرير الشامل لكل التراب الوطني على وقع أبجدية سيد القول والفعل وزخم شعب الأنصار وعنفوان هتافات النصر.
*صلاح الدكاك – كاتب وأديب يمني