بمحمدٍ جُمعَ شملُنا
بمحمدٍ جُمعَ شملُنا
في زمنِ الضلالات والجهالة والقيود، وفي حُقبة ما تسمى بالجاهلية الجهلاء، تلك الحقبة الظلامية السائد فيها القوانين المستوحاة من غابات الوحوش البشرية، ما أسوأها من حقبةٍ وما أسوأ ذلك الزمن الذي ما قبل ميلاد طه، ذلك الزمن الذي كان في أمس الحاجة وأشد الانتظار للخلاص مما هو فيه من الظلم والظلام، والذي كان شغوفاً ومترقباً ذلك الربيع الذي أزهر فيه النور، ذلك الرجل الرباني الطاهر والعظيم، محمد رسول الله -صلى الله عليه وآله-.
محمد والرسالة الإلهية التي كانت ولا زالت المشروع الأَسَاسي الذي رسمه الله للبشرية بما تحتويه تلك الرسالة من قيم وأخلاق ومبادئ ونور، كانت هي الحل والمخرج لأمة تعيش حالة من التفرقة والهمجية والعنصرية الهوجاء، تلك الرسالة الإلهية التي كان ولا بد لها من هادٍ ونبي يهدي الأُمَّــة ويرشدها ويخرجها عمليًّا من مسارات واتّجاهات الضلالة والزيف، فبقيت الرسالة الإلهية المحمدية خالدة ولكل الأجيال.
ومما ميزها وأبرز مضامينها أنها أخرجت هذه الأُمَّــة من حالة الفوضى والتفرقة والتناحر إلى حالة الإخاء والمحبة، واستطاع النبي أن يوحد تلك الأُمَّــة الإسلامية، إلى أُمَّـة واحدة، أُمَّـة محمد، أُمَّـة شديدة على الكفار متراحمة فيما بينها، فمحمد بشخصه وقيمه ومبادئه العظيمة التي استطاعت أن تجرِفَ كُـلَّ القيم البذيئة التي سادت في شعوب الأُمَّــة، نتيجة ذلك الانحراف المهول عن منهج الله ورسله.
استطاع الرسول بحركة القرآن تصحيح المسار وإحداث التغيير الكبير والواسع والملحوظ في واقع الأُمَّــة، وخصوصاً في اليمن وشعبه الذي خرج إلى جميع الساحات محتفلاً بذكرى المولد النبوي بسيل من البشر، وهي نقطة مهمة للتوحد وجمع الكلمة في ساحة واحدة وهتاف واحد لكل المذاهب والقبائل والانتماءات وجميع شرائح المجتمع لبت نداء قائد واحد وبكل حب وشغف دون إكراه لأحد أَو ترغيب.
إن الخروج الجماهيري المهيب في ذكرى المولد يعد رمزاً مهماً وعظيماً، ورسالة عالمية لجميع المعمورة بما فيها شعوب المنطقة، وبه تقام أهم ركيزة ومسؤولية أوجبها الله علينا وهي الاعتصام بحبل الله المتين والتمسك الجذري والأصيل بالنبي كقُدوة ومنهج عمليٍّ يطبق القرآن وتوجيهات الله سبحانه وتعالى، منهج أصيل بعيد عن التضليل والتحريف لمفاهيم آيات القرآن التي اشتغل عليها الفكر الوهَّـابي وحرف الأُمَّــة عن محمد، وقدموا البدائل المضلة باسم الدين والسنة، التي تتأقلم مع هوى الملأ منهم.
واليوم وفي كُـلّ سنة يُحدث المولد النبوي نقلة عجيبة وبركة وتأييداً إلهياً عظيماً، وهذا شيءٌ ملحوظٌ في الواقع، ونرى له الأثر في توحيد الشعوب فيما يخلق من وعي كبير تجاه أهميّة الوحدة الإسلامية وجمع الشمل من جديد، فالتفرقة هي التي راهن ونجح العدو المتمثل اليوم بأمريكا وإسرائيل في تفريق أبناء هذه الأُمَّــة، وزرع ثقافات التفرق والعصبيات المذهبية، التي كان نتيجتها أن أزهقت أرواح الكثير من المسلمين في كُـلّ أرجاء المعمورة.
فبمحمد نجمع الشمل من جديد ونوحد الصف وننزع من أفكارنا النزعة المذهبية الخطيرة، لتُؤلف القلوب من جديد، تلك القلوب المحبة لمحمد، والمقتدية قولاً وفعلاً وعملاً وتحَرّكاً بمحمد وبسيرته التي تترك فينا الكثير من الدروس والعبر، والتي تعكس لنا مشاعر الرسول، وكيف كانت نظرته وحرصه على توحيد الشعوب ليكونوا أُمَّـة واحدة قادرة على مواجهة كُـلّ الطواغيت والغزاة في كُـلّ عصر، ومحمد يظل رمزا مهماً للتوحد وجمع الكلمة التي نحن بأمس الحاجة إليها في سبيل التخلص من هذا الواقع المرير والرهيب، والإفساد الذي بلغ ذروته الذي لا يرضِي الله ولا رسوله، فلا بد أن نجمع شملنا بمحمد ولو كره المنافقون وكل الطواغيت في أي عصر كانوا.