المنبر الاعلامي الحر

الباحث محمد الشميري : الوحدة وإجتياح الجنوب ..!

يمني برس _ أقلام حرة

بقلم الباحث / محمد الشميري

محمد الشميريفي عام 1990م كان قد حصل تغيير دراماتيكي في العالم كله، فانهيار المعسكر الشرقي (الاتحاد السوفيتي) ألقى بظلاله على جمهورية الجنوب التي كان لها علاقات وثقى بالمعسكر الشرقي، وحصلت بوادر حرب الخليج، كل هذا أدى إلى تغير الخارطة السياسية للعالم فالتنازع والصراع بين معسكرين أو قطبيين في قيادة العالم، أصبح قطباً واحداً ممثلاً بأمريكا وحلفائها في المعسكر الإقليمي خاصةً السعودية وامتدادها في الشطر الشمالي من اليمن، وفي هذه الأثناء كان لابد للاعبين الإقليميين من استغلال هذه الفرصة والعمل على انهاك دولة الجنوب، ومن ثم لم يكن هناك من فكرة مثالية أفضل من فكرة الوحدة لابتلاع الجنوب، رغم أن هذه القوى الإقليمية في وقتٍ سابق لم يكن من صالحها توحد اليمن فسعت هي لإفشال الوحدة أيام سالم ربيع علي والإرياني، ثم أيام سالم ربيع علي والحمدي، الذي آل الأمر فيه إلى اغتيال الحمدي، وكذا أيام عبد الفتاح إسماعيل وعلي صالح، لكنه في هذا الظرف يعد مغنماً كبيراً؛ ولأن القيادة في الجنوب وحدوية، وعملت على توحيد الجنوب، واستجابة لضغط الوجدان الشعبي التواق إلى الوحدة، سرعان ما استجاب أهل الجنوب لها بدافع العاطفة الوطنية دون تمهلٍ أو عمل أي حساب للسم المدسوس في العسل، فتم تفعيل الاتفاقيات التي كانت مجمدة، وأعلنت دولة الوحدة في 22مايو 1990م، وعمت الفرحة كل بيت وارتفعت أعلام اليمن الموحد على أسطح المنازل في المدن والقرى، وعلقوا عليها كل الآمال، وفي غمرة الفرحة الشعبية لم يلتفت أحد إلى كيفية إعلانها، ولم يكونوا يدركون أن الأشواك ستزرع في طريقهم، ويُسرق تاريخهم، فسارع النظام الشمالي آنذاك بدعم قوى إقليمية إلى اختزال القيادة والنفوذ، فقام بضرب المؤسسات الوحدوية المتمثلة بمؤسسات الدولة لاسيما مؤسسة الجيش، واتخذ ذريعة الديمقراطية لضرب شريكه في الوحدة تحت مسمى حزبي فأنشأ عام 1993م حزب الإصلاح؛ ليدخل في لعبة الانتخابات، ويلعب معه في الخفاء، وبه استطاع خلال ثلاث سنوات فقط أن ينقل الشراكة في السلطة من مستوى القسمة على اثنين إلى مستوى القسمة على ثلاثة؛ ليكن هو الحائز على نصيبين المؤتمر والإصلاح، وتحولت الديمقراطية من إجراء جوهره العدالة وتكافؤ الفرص إلى لعبة يتم من خلالها التحايل على الآخرين، فكانت نتيجة الانتخابات تشكيل برلمان غير متسق لاستخدام وسائل غير ديمقراطية كالمال والنفوذ المشيخي والقبلي وفارق التعداد السكاني، وتم بذلك إزاحة الجنوب ممثلاً بالحزب الاشتراكي من البرلمان، وأصبحت مقاعده في البرلمان محدودة، وأصبح الإصلاح يحتل المركز الثاني بعد المؤتمر الشعبي العام. وبعد الانتخابات وقع الرئيس السابق علي عبد الله صالح ونائبه علي سالم البيض على وثيقة نصت على إجراء تعديلات دستورية تتضمن تغيير شكل رئاسة الدولة من مجلس رئاسي إلى رئيس ونائب ينتخبان من الشعب في قائمة واحدة، وانتخاب مجلس شورى تمثل فيه المحافظات بالتساوي، ويشكل مع مجلس النواب جمعيةً وطنيةً يرأسها نائب الرئيس، بالإضافة إلى إجراء انتخابات محلية تمنح المحافظات وما دونها حكماً محلياً واسع الصلاحيات، وبعد التوقيع سافر نائب الرئيس إلى الولايات المتحدة، وأثناء غيابه دفع الرئيس صالح بمسودة تعديلات دستورية إلى البرلمان لم تتضمن شيئاً من بنود الاتفاق الموقع عليه بينه وبين نائبه، فعلم النائب بهذا وهو في واشنطن وبدا له أن علي صالح قد خدعه وانقلب عليه، فلم يعد البيض من واشنطن إلى صنعاء، بل عاد إلى عدن، ومن هناك أعلن عن وجود أزمة سياسية أنكرها صالح في البداية ثم اعترف بها مؤخراً.

وقاد صالح في هذه الفترة حملةً من الاغتيالات لكبار قادات الحزب الاشتراكي، كان أول شهيد منهم حسن الحريبي، وحتى الدكتور ياسين سعيد نعمان حاولوا قتله بصاروخ تم تصويبه ليلاً على بيته لولا أنه كان في الطابق السفلي حال وقوع الصاروخ في الطابق العلوي من البيت.

حينها بدأت القضية تأخذ مساراً دولياً وتدخل العرب، وتداعى اليمنيون من كل الأطياف، واجتمعوا على طاولة الحوار، وتوصلوا عام 1993م في عمان الأردن إلى صياغة وثيقة العهد والاتفاق، وثيقة بناء دولة الشراكة الوطنية، تم الاتفاق فيها على توحيد الصف وتصحيح المسار الوحدوي الذي لم يكن قد فُعِّل فعلياً حتى ذلك الوقت، وكانت هذه المناورة الأخيرة لصالح ليكسب بها بعض الوقت لإعداد عدته للإجهاز على خصومه عسكرياً، وقعوا على الوثيقة واختلفوا على مغزى التوقيع، فصالح اعتبره منهياً للأزمة واشترط عودة البيض إلى صنعاء من أجل تنفيذ الوثيقة، والبيض اعتبر توقيع صالح على الوثيقة اعترافاً بالأزمة التي كان ينكرها، ويقول: لاوجود لها إلا في رأس البيض، ومن أجل العودة إلى صنعاء طلب البيض من صالح أن يثبت حسن النوايا، ويقدم المتهمين بحوادث الاغتيالات السياسية إلى المحاكمة، وأن يلقي القبض على بقية الفارين من وجه العدالة، فصاح صالح صيحته الشهيرة: ((أنا لست شرطياً معك يا علي سالم البيض، ولن ألقي القبض على أي متهم، وحتى وإن كان بجوار دار الرئاسة، يجب أن تعود أولاً إلى صنعاء، إلى بيت الطاعة ولكل مقامٍ مقال)).

ويوم 7 يوليو 1994م بعثت الحكومة اليمنية برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة التزمت فيها بتطبيق وثيقة العهد والاتفاق، وأنها ستحافظ على النهج الديمقراطي في البلاد، وستحترم حقوق الإنسان، وأنها ستسعى من أجل التوافق الوطني عبر الحوار مع القوى السياسية في البلاد، وكعادته لم ينفذ شيئاً مما وعد به، بل قال: إن وثيقة العهد والاتفاق، وثيقة الخيانة، وتصاعدت وتيرة الأزمة، وعمل النظام السابق وحلفائه على إغراق الجنوب بالجيش الشمالي الذي ظل على ولايته له، بينما الجيش الجنوبي تم توزيعه إلى أماكن مقصية ونائية، فوزعه في معسكر باصهيب بذمار، ومعسكر حرف سفيان، فقرر صالح أن يعسكر السياسة، وأن يلعب في مربع الحرب، وفي ساعة الصفر قامت قوى قبلية بالتحرش بمعسكر حرف سفيان ومحاصرته، ثم محاصرة معسكر باصهيب في ذمار، وانفجر الوضع عسكرياً وذهبت كل مناشدات العقلاء أدراج الرياح في وجوب وقف الآلة العسكرية، فكان ذلك إيذاناً بحرب لم يعلن عنها رسمياً، ولكنها قد انفجرت فعلياً، وعبثاً حاولت الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ممثلة بمندوبيهم وقف ذلك النزيف الذي كانت بلا ريب تغذيه أطراف إقليمية، نظام صنعاء ليس إلا آلتها في التنفيذ استكمالاً لسياسة الضم والإلحاق، فوجدت القيادة الجنوبية نفسها محاصرةً ومضطرةً لإعلان فك الارتباط، فرفع النظام راية الشرعية الدستورية، وشعار الوحدة أوالموت، بالتحالف مع الأصوليين واستخدام الفتاوى الدينية والتكفيرية، وجيشت إلى جانب وحدات الجيش والأمن المجاميع الجهادية المتطرفة العائدة من أفغانستان، ووصف الجنوبين بالمتمردين والانفصاليين والخونة، وقادات الردة والانفصال، وأصبحت تهمة الانفصال ذريعة للانتقام، واستمرت الحرب 70 يوماً أفضت إلى اقتحام واجتياح الجنوب ليتم بذلك السيطرة الكاملة عليه أرضاً وإنساناً ومن ثم الملك العضوض، وتحولت حرب 94م إلى وسيلة لتدمير مؤسسات الدولة، ولنهب أراضي الجنوب وتسريح ضباط وأفراد الجيش والموظفين في مؤسسات مختلفة في عملية تطهير بغيض.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com