هذا لا سواه
هذا لا سواه
من رحمة الله بعباده أن اصطفى منهم أعلاماً لدينه؛ ليكونوا امتداداً لولايته على هذه الأرض، وأماناً لمن تمسك بهم من الانحراف والضلال؛ حتى يمثلوا طريقه القويم وصراطه المستقيم، ويجسدوا في واقعهم منهج الله وتوجيهاته. سنة ثابتة على مدى التاريخ لا تتعلق بعصر معين أو حقبة زمنية ما؛ لأنّ العدالة الإلهية تأبى أن يترك الناس دون قيادة تقودهم إلى الله، فكان أن اصطفى حملة لدينه من أنبيائه ورسله وأوليائه من بعدهم الذين يعدون امتداداً لخط الهداية الإلهي، لذا ما كان الله سبحانه وتعالى أن يدع هذه الأمة بعد خاتم أنبيائه ورسله دون وصي وولي يلي أمر هذه الأمة، لذا أنزل على نبيه في حجة الوداع: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ).
بلاغ مهم، بل في غاية الأهمية، أن جعل رسول الله يستوقف ما يقارب مائة وعشرين ألفاً من الحجيج في حجة الوداع، بلاغ له تأثير كبير في حياة الأمة، وعلاقة وثيقة بمصيرها وخط سير حياتها.
فما كان منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن خطب في ذلك الجمع الغفير في غدير خم خطبته الشهيرة، ورفع يد الإمام علي عليه السلام عالياً وهما على أقتاب الإبل ليراه كل الناس، ويعلم الجميع بذلك النبأ العظيم، حتى يكون حجة عليهم، وحتى لا يكون من بينهم من يتعلل بعدم رؤية ذلك المشهد البارز؛ وليعلم بذلك كل أبناء هذه الأمة في مختلف بقاع الأرض، وليبلغهم بولاية الإمام علي على الأمة قائلاً لهم: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله).
ومن هو الجدير بولاية أمر هذه الأمة بعد رسول الله غير الإمام علي؛ لما يحمله من مؤهلات أهلته لأن يصل هذه المنزلة العالية من الله ورسوله (رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ط). ومن هو جدير أيضاً لأن يكون حاملاً لهذا الدين ومجسداً للقرآن الكريم سواه (علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض).
وقد تجلت بشكل كبير أهمية ذلك البلاغ عندما أعرضت هذه الأمة عنه ولم تتمسك به، ولم تتمسك بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتولت من لم يأمر الله ولا رسوله بتوليهم، مع علم من حضر في ذلك اليوم بأهمية ما يقوله رسول الله، ويعلمون جيداً من هو الإمام علي ومنزلته منه، لكنهم تنكروا لما قاله وأعرضوا عنه، لذا انتشر الضلال عندما تولوا من سواه، وحلت ولاية الطاغوت بدلاً عن ولاية الله، وولاية أوليائه.
ولن تعود للأمة عزتها وكرامتها واستقلاليتها إلا بتولي الإمام علي لا سواه، ومن بعده أعلام الهدى من آل بيته الأطهار.