مناورات روسيا والصين وإيران تصم أذان الولايات المتحدة
مناورات روسيا والصين وإيران تصم أذان الولايات المتحدة
بينما تحاول الولايات المتحدة إشغال منافسيها العالميين الرئيسيين، روسيا والصين، من خلال خلق أزمات في أوكرانيا وتايوان، إلا أن هذه الإجراءات أدت إلى نتائج عكسية، وقد خرقت هذه الدول آذان الولايات المتحدة بكل ما تخلقه واشنطن من أزمات. حيث ستستضيف فنزويلا تدريبات كبيرة بمشاركة 10 دول اعتبارًا من يوم السبت القادم، وستجري هذه التدريبات العسكرية لمدة أسبوعين في شمال غرب هذا البلد. وتكمن أهمية هذه المناورات في وجود قوى عظمى مثل روسيا والصين وإيران فيه. ولقد رحب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بإجراء مناورة مشتركة كبيرة بين إيران وروسيا والصين ووصفها بـ “تحدي أمريكا”. وستقام هذه التدريبات الكبيرة بعد يوم واحد فقط من تمرينات القيادة الجنوبية الأمريكية، وستجري طائرات دون طيار وقناصة من إيران والصين وروسيا تحت قيادة سلطات موسكو هذه التدريبات العسكرية في ما يسمى “الفناء الخلفي لأمريكا”. وهذه المناورات هي نسخة 2022 من تمرينات الجيش الدولية، التي أنشأتها روسيا في عام 2015 وتقام في دول مختلفة كل عام منذ ذلك الحين.
وفي السنوات الأخيرة، أجرت إيران وروسيا والصين تدريبات مشتركة في المحيط الهندي والخليج الفارسي، والآن اختاروا فنزويلا كوجهة جديدة لإظهار قوتهم، والتي تحتوي على رسائل مهمة نظرًا لقربها من الأراضي الأمريكية وسوف تُحدث تغيرات في الساحة العالمية للبيت الأبيض.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت متفائلة بأن روسيا ستنشر جميع قواتها في أوكرانيا من خلال التورط في الأزمة، إلا أن هذه التكتيكات فشلت وفي نفس الوقت الذي تقدمت فيه روسيا في الحرب في أوكرانيا، فقد أرسلت جزءًا من قواتها العسكرية إلى فنزويلا وتعمل روسيا على تعزيز وجودها ونفوذها بين دول أمريكا الجنوبية ولقد وقعت اتفاقيات عسكرية مع بعض هذه الدول، ومن بينها فنزويلا التي تتمتع بموقع مركزي.
ووفقًا لبعض الخبراء، يُظهر عقد روسيا وتعاونها العسكري مع فنزويلا ودول أمريكا الجنوبية الأخرى مدى أهمية الوجود العسكري الروسي في هذه المنطقة بالنسبة لموسكو، على الرغم من كل الضغوط القائمة، ولكن هذا الامر هو على رأس أولويات الكرملين. وكانت فنزويلا، التي تربطها علاقات واسعة مع روسيا، قد أعلنت في وقت سابق استعدادها لاستضافة أسلحة نووية روسية، وهذه القضية، إذا تحققت، يمكن أن تشكل خطرًا كبيرًا على المصالح الأمريكية. وبالنظر إلى أن الروس قد تخلوا عن كل الاعتبارات تجاه الغرب بعد الأزمة الأوكرانية، فمن المرجح أن تنشر روسيا أسلحتها النووية في دول مثل فنزويلا أو كوبا في المستقبل، وهي خطوة يمكن أن تحيي أزمة الصواريخ الكوبية التي وقعت في عام 1962.
ويمكن رؤية المواجهة الشاملة بين موسكو وواشنطن على نطاق عالمي في تصريحات فلاديمير بوتين، رئيس روسيا، الذي قال مؤخرًا: “عندما انتصرت أمريكا في الحرب الباردة، أعلنت نفسها ممثلة لله على الأرض؛ وهذا الوكيل ليس لديه مسؤوليات، وإنما فقط مصالح. من الواضح أنهم ما زالوا لا يعرفون أن مراكز قوة جديدة ظهرت في العالم وأن أصوات هذه القوى ترتفع كل يوم، ولقد انتهى عصر النظام العالمي أحادي القطب”. يبدو أن الروس قد شدوا سيوفهم لمواجهة الغرب وليسوا مستعدين للتراجع في هذه المنافسة، لأنهم أدركوا ضعف أمريكا وحلفائها في الساحة العالمية.
أول استعراض عسكري للصين بالقرب من أمريكا
على الرغم من أن الصين كانت حتى الآن تركز فقط على تطوير قوتها الاقتصادية ولم تتعامل مع أي دولة من وجهة نظر عسكرية، إلا أن مغامرات أمريكا في تايوان تسببت في خروج بكين من قوقعتها الدفاعية واستعراض قوتها العسكرية. وردًا على التهديدات الأمريكية، لم تقم بكين بإجراء العديد من التدريبات فقط في بحر الصين الجنوبي وحول تايوان، ولكن من خلال المشاركة في مناورات فنزويلا، فإنها تظهر أنها غير راضية عن هذا الحد وتتطلع إلى نوع من إظهار القوة ضد واشنطن. بعبارة أخرى، تعتبر مناورة فنزويلا أول اختبار عسكري للقوات الصينية لإظهار نفسها كقوة عظمى على الساحة الدولية. ونظرًا لأن الصين تخطط لأن تصبح القوة العظمى في العالم بحلول عام 2049، وهو العام المئة لتأسيس الحكومة الشيوعية، فإنها تستعد بالفعل للحصول على هذا اللقب، لأن دولة عظمى تحدد مصالحها ليس فقط في البعد الإقليمي ولكن أيضًا في البعد العالمي، حيث نفذت الولايات المتحدة هذا البرنامج بعد الحرب العالمية الثانية من خلال تواجدها في جميع مناطق العالم.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت أقل حساسية تجاه نفوذ الصين في أمريكا اللاتينية، فقد وسعت بكين نفوذها في هذه المنطقة على مدار السنوات الماضية، وبالنظر إلى التوترات الأخيرة بين بكين وواشنطن في شرق آسيا، فإن الوجود الصيني الكبير لفت انتباه أمريكا. وهذا قد يزيد من مخاوف هذا البلد، وبدلاً من مواجهة الصين في تايوان، سيتعين على المسؤولين الأمريكيين التعامل مع هذا المنافس الناشئ بالقرب من حدودهم. هذا بينما لم يكن لدى الولايات المتحدة أي مخاوف بشأن وجود روسيا والصين في أمريكا اللاتينية وتحاول احتواء هؤلاء المنافسين داخل حدودهما. لكن قوة موسكو وبكين في أمريكا الجنوبية تزيد من تكلفة الولايات المتحدة.
إنجاز كبير لإيران
أصبحت إيران، التي تعتبر حليفًا لروسيا والصين، لاعبًا مهمًا في المنافسة العالمية مع أمريكا، ويمكن اعتبار مثلث طهران وموسكو وبكين تهديدًا خطيرًا للهيمنة الأمريكية. لطالما كانت لإيران علاقات واسعة مع فنزويلا، وفي الأشهر الأخيرة أصبحت هذه العلاقات أوسع بكثير من ذي قبل. وخلال زيارة مادورو الأخيرة إلى إيران، وقع البلدان اتفاقية طويلة الأمد في مجالات العلوم والتكنولوجيا، والزراعة، والنفط والغاز، والبتروكيماويات، والسياحة، والثقافة.
كما يشير توقيع اتفاقية مدتها 20 عامًا بين إيران وفنزويلا لتطوير العلاقات في مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية إلى العلاقات الوثيقة بين البلدين. ولقد بدأت إيران في تحدي الولايات المتحدة في ساحتها الخلفية قبل الروس والصينيين، وفي السنوات الأخيرة، من خلال إرسال ناقلات وقود إلى فنزويلا، أظهرت أن الضغط الأقصى لا يمكن أن يمنع طهران من التعاون مع حلفائها. ومنذ أن أجرت الولايات المتحدة عدة تدريبات في السنوات الأخيرة بمشاركة المملكة العربية السعودية ومشيخات عربية أخرى في الخليج الفارسي من أجل التعامل مع التهديدات المزعومة من إيران، لذلك فإن وجود إيران في مناورات فنزويلا هو إجراء مضاد. ويعتبر إنجازاً عظيماً ويظهر أن إيران ليست مقيدة ولديها حلفاء في جميع أنحاء العالم يمكن أن تخلق معهم مخاطر لمصالح الولايات المتحدة.
في عالم اليوم، تعتبر القوة البحرية للدول أكبر إنجاز في المجال العسكري، ويمكن للدول أن تفوز في هذه المنافسة إذا كانت لديها أدوات ومعدات بحرية قوية، كما تمكنت روسيا والصين وإيران من زيادة قواتهم البحرية. وفي هذا المجال في السنوات الأخيرة قامت تلك الدول بتحديث ومنافسة العالم الغربي الذي كان رائدًا في هذا المجال حتى الآن، والتدريبات المشتركة في السنوات القليلة الماضية خير مثال على هذه الحقيقة. وبمثل هذه التدريبات، تزيد هذه القوى الثلاث من ميزان التهديدات في الفناء الخلفي لأمريكا، حيث يمكن لواشنطن بعد ذلك التحرك بعكازين فيما يتعلق بسياساتها التدخلية. وتجري مناورات خصوم واشنطن في أمريكا اللاتينية بهدف تعزيز القوة القتالية وزيادة قدرات قوات الدول الثلاث لإظهار أن حقبة جديدة قد بدأت في العالم حيث لم تعد الولايات المتحدة هي القوة العظمى.
المصدر/ الوقت التحليلي/