“التحالفُ” بين “الاعتراف بالجُرم” والاستعدادُ لـ “الصفعات”
“التحالفُ” بين “الاعتراف بالجُرم” والاستعدادُ لـ “الصفعات”
بعد انتهاء الهُــدنة المشتعلة التي استمرت ستة أشهر وأبقت على معاناة الشعب اليمني وغطت على استمرار أعمال القرصنة والقيود على مطار صنعاء، فضلاً عن التنصل عن صرف المرتبات، وتصاعد الخروقات التي بلغت الآلاف بينها غارات جوية وزحوف مكثّـفة، بدا تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي ورعاته الدوليون في حالة من التناقض والتلاعب الهش الممزوج بالقلق المتصاعد جراء التهديدات الجدية التي أطلقتها صنعاء، في حين أن تعنت تحالف العدوان هذه المرة أجبر العدوّ الأمريكي وحلفائه الأُورُوبيين على الخروج من خلف الستار والظهور بالقلق العارم المعبر عن مدى مراهنة تلك القوى الظلامية على الهُــدنة كوسيلة للحصول على كميات النفط والغاز من اليمن والمنطقة كبديل للنفط والغاز الروسي، غير أن تصاعد تحذيرات صنعاء للشركات النفطية في الداخل اليمني وفي العمق الجغرافي السعوديّ والإماراتي، جعل الموقف الأُورُوبي الأمريكي أكثر جدية نحو تلبية مطالب الطرف الوطني التي تمثل كُـلّ اليمنيين، كما أن تهديدات صنعاء أجبرت الرعاة الدوليين لتحالف العدوان على الاعتراف بمدى مشروعية الموقف الوطني ومطالبه العادلة في مواجهة الغطرسة والمساومة والابتزاز.
أمريكا تتوجس وتعترف وترتبك.. الهروب من “الضربات” بأي ثمن
وبعد دقائق من خروج الوفد الوطني ببيان أوضح فيه كواليس الوصول إلى طريقٍ مسدود حال دون تجديد هُــدنة ينشدها اليمنيون، وما تبعها من تصريحاتٍ عسكرية وطنية حذرت من مغبة الغطرسة وتجاهل حقوق اليمنيين، خرج السفير الأمريكي لدى المرتزِقة بتصريحاتٍ أقر بها بالدور الخبيث الذي تلعبه واشنطن في دعم سلوك العدوان القائم على التلاعب والمساومة والابتزاز بحاجات اليمنيين الإنسانية، في حين أكّـدت اعترافات السفير الأمريكي أن صنعاء كانت الطرف الوحيد الذي خاض كُـلّ الجولات الدبلوماسية؛ بحثاً عن مصلحة اليمنيين.
وقال السفير الأمريكي لدى المرتزِقة “ندعو جميع الأطراف اليمنية لقبول تمديد الهُــدنة وتوسيعها”، في إشارة إلى مساعٍ لواشنطن لإجبار تحالف العدوان على القبول بشروط صنعاء العادلة والمحقة، غير أن الدعوة الأمريكية لم تكن باحثة عن السلام أَو مصلحة اليمنيين، بقدر مَـا هِي ساعية لإفساح المجال أمام ضخ النفط والغاز من اليمن ودول العدوان لتعويض الأزمة التي أوجدتها الحرب الروسية الأوكرانية.
وقد أفصح السفير الأمريكي عن مدى قلق واشنطن من انفجار الأوضاع وتداعياته على الأزمة النفطية الغازية القائمة في الولايات المتحدة والدول الأُورُوبية، حَيثُ أضاف بقوله: “قلقون من عدم إحراز تقدم في تمديد الهُــدنة”، وهي الحالة التي غابت عن واشنطن طيلة ثمان سنوات من العدوان والحصار وظهرت خلال هذه الفترة، ليتأكّـد للجميع أن القلق الأمريكي ليس إلا على النفط والغاز، أما معاناة اليمنيين فهي الورقة الأبرز التي تستخدمها واشنطن وحلفائها في سياق الحرب والحصار على اليمن واليمنيين.
وعلى هامش تصريحات السفير الأمريكي، فقد اعترف الأخير أن صنعاء هي الطرف الوطني الذي يخوض جولات الحرب والسلام؛ مِن أجلِ الشعب، حَيثُ تابع حديثه بالقول “ندعو لإعطاء الأولوية للشعب اليمني”، في إشارة إلى الدعوة للاستجابة لمطالب صنعاء المتمثلة في رفع الحصار وصرف المرتبات، وهنا اعتراف بأن المطلب الوطنية العادلة والمحقة والمشروعة هي من صالح الشعب اليمني، في حين حمل هذا الاعتراف أَيْـضاً إفصاح أمريكي صريح أكّـد أن سلوك العدوان والحصار طيلة السنوات الماضية وبعد انتهاء الهُــدنة هو ضد الشعب اليمني، وهو ما تنكره القوى الظلامية وتزعم أن ما تخوضه هو؛ مِن أجلِ اليمن واليمنيين، وبهذا نسف سفير واشنطن كُـلّ الألاعيب والأكاذيب التي حاكتها قوى العدوان ورعاتها طيلة الفترات الماضية.
وفي السياق ظهرت الخارجية الأمريكية بذات السلوك الأمريكي، وذلك في سياق استمرار المحاولات لخلط الأوراق والقفز على المطالب الوطنية المشروعة والمحقة.
وقالت الخارجية الأمريكية في بيان مقتضب: إن “الوزير بلينكن يرحب بالتزام السعوديّة بتمديد الهُــدنة في اليمن”، في محاولة للتلاعب بسير المشهد الذي أكّـد تعنت قوى العدوان وتنصلها عن تلبية مطالب الشعب اليمني، وفرض محاولات القفز على شروط الهُــدنة الأَسَاسية المتمثلة في رفع الحصار عن مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة وصرف المرتبات، في حين أن تصريحات الخارجية الأمريكية تؤكّـد أن واشنطن وتحالف العدوان ما تزال تبحث عن نسخة من الهُــدنة السابقة المشتعلة المليئة بكل أشكال المعاناة، وهو الأمر الذي ترفضه صنعاء جملةً وتفصيلاً.
الوسيط يخصّب “الانفجار”.. وأُورُوبا تصيح “لا نحتمل حرائق وأزمات إضافية”
وفي سياقٍ متصل أظهر الاتّحاد الأُورُوبي ذات السلوك الأمريكي، حَيثُ عبر عن قلقه من انفجار الوضع؛ بسَببِ تصاعد القدرات اليمنية القادرة على إشعال النفط والغاز على امتداد دول العدوان، في حين يبحث الاتّحاد الأُورُوبي عن مكاسب على حساب المطالب اليمنية، وهو الأمر الذي يزيد المشهد تعقيداً.
وقالت رويترز: إن الاتّحاد الأُورُوبي أصدر بياناً جاء فيه “نؤيد الدعوة الأممية للأطراف اليمنية لقبول اقتراح الهُــدنة”، وهو ذات السلوك الساعي لخلط الأوراق والتلاعب بالمشهد.
الدعوات الأممية والأُورُوبية تعبر عن استمرار الأمم المتحدة في مساندة تحالف العدوان وإعانته على سلوكه العدواني والتغطية عليه كطرفٍ عدواني مساوم ومبتز، حَيثُ أصدرت جملة من التصريحات التي لم تتعد الدعوة لنسخة جديدة من الهُــدنة تحمل ذات الأجندة العدوانية، ومع أن هذا المسار الأممي يشكل انخراطاً علنياً مع تلك القوى الظلامية بما يحمله من تداعياتٍ خطيرة، غير أن الاتّحاد الأُورُوبي قد أدرك أن الاستمرار في ذات الدرب لن يقود إلا لمزيد من المآزق التي لم تعد أُورُوبا تحتملها في ظل الظروف التي تعيشها والتي تصنف أنها الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية وما قبلها، حَيثُ تعاني من أزماتٍ نفطية وغازية كبيرة، ونقص كبير من المياه وباقي المتطلبات الأَسَاسية، في حين حاول الاتّحاد الحصول على ما قد يخفف به الأضرار، وأكّـد في بيانه حسب رويترز أنه “قد حان الوقت لترسيخ الهُــدنة وتوسيعها”، في إشارة إلى مطالب بتمديد الهُــدنة مع القبول بشروط صنعاء.
ومع بروز هذه الموافقات الضمنية فَـإنَّ مراقبين يؤكّـدون أنها لم تكن لتأتِ لولا حاجة الولايات المتحدة والدول الأُورُوبية إلى استقرار في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بحثاً عن مزيد من النفط والغاز البديل، وهذا يحتاج لتفادي ضربات القوات المسلحة اليمنية الموجعة –خُصُوصاً وقد بات اليمن قوة عسكرية لاعبة وفاعلة– غير أن الأخيرة قد أكّـدت العزم على العمل نحو تلبية مصالح الشعب اليمني وتلبية حاجاته الضرورية والإنسانية، مؤكّـدة أنها على أهبة الاستعداد الكبير والجاهزية العالية لتنفيذ خيارات القيادة سلماً أَو حرباً، بما يوازي تحَرّكات العدوّ وغطرسته وقراره باختيار تلبية المطالب المشروعة عن طريق السلام أَو عن طريق القوة.
القوات المسلحة تؤكّـد: حاضرون مع سرعة المواكبة
وبعد إعلان المتحدث الرسمي للقوات المسلحة، أمس الأول، عن محادثات بين المشير الركن مهدي المشاط القائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية، مع وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة، أبدى مراقبون وخبراء عسكريون تأكيداتهم التي تشير إلى أن هذه المحادثات تشير إلى لجوء الطرف الوطني للسلاح بعد أن أغلقت قوى العدوان كُـلّ أبواب السلام بوجهه، في حين خلق هذا الإعلان حالة من التوجس في صفوف الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتّحاد الأُورُوبي، والذين خرجوا جميعهم بالمواقف المذكورة سلفاً.
وواصل العميد سريع التأكيد على جدية الموقف الحازم والحاسم للقوات المسلحة اليمنية ببيانٍ ثانٍ، قال فيه إنه “بعد صدور التوجيهات العليا للجهات المعنية بمخاطبة كافة الشركات الملاحية والبحرية التي لها وجهات إلى دول العدوان وكذلك الشركات النفطية الأجنبية والمحلية العاملة في الجمهورية اليمنية فَـإنَّ القوات المسلحة تنبه تلك الشركات بمتابعة ما سيصدر عنها من تحذيرات وتعليمات”، في رسالة شديدة اللهجة تؤكّـد لدول العدوان ورعاتها أن النفط أما يكون للجميع أَو سيحرم منه الجميع، حسب الخيار الذي تحدّده ممارسات وسلوكيات دول العدوان ورعاتها، أما أدواتها فقد باتوا عبارة عن “أحجار على رقعة شطرنج” لا تملك قراراً ولا تعرف عن الأمر شيئاً.
وَأَضَـافَ متحدث القوات المسلحة في تصريحاته “إن القوات المسلحة وهي بصدد الاستعداد والجاهزية لأية تطورات تحمل تلك الشركات مسؤولية تجاهل ما سيصدر عنها”، في إشارة إلى أن الرد اليمني سيكون على الموعد في السلم والحرب، وسيكون حضوراً حازماً وحاسماً وقوياً، ما يجعل دول العدوان ورعاتها في مأزق لا يحسد عليه، والسبب في ذلك هو الإصرار على الغرور والغطرسة وعدم تقدير الحسابات بالشكل الصحيح.
ونوّه العميد سريع إلى الحضور المتواصل والسريع والمصاحب للقوات المسلحة اليمنية، حَيثُ غرد في منتصف ليل الأحد، بقوله “قد نعود مجدّدًا.. فابقوا معنا”، في إشارة إلى أن القوات المسلحة ستواكب التطورات خطوة بخطوة، وهو الأمر الذي يجعل الخيار صعباً على تحالف العدوان، حَيثُ أن تلبية مطالب صنعاء يعني انفضاح تلك القوى الظلامية واعترافها بنهبها لمرتبات اليمنيين طيلة الست السنوات الماضية، في حين يعتبر رفضها خياراً مهلكاً قد يتسبب بالكثير من الأوجاع الكبيرة.
المصدر/ نوح جلاس/ المسيرة/